رحيل ميسي لا يخلو من فوائد

رحلَ ميسي عن برشلونة. رحلَ النجم الألمعي عن حديقة البلوغرانا تاركا وراءه أسئلة محيّرة وارتدادات عميقة زلزل صداها أركان كرة القدم في كافة أنحاء العالم.
النجم الذي نشأ وتربّى وترعرع في هذا النادي الكبير آن له أن يشدّ الرحال إلى وجهة أخرى. فميسي ليس رونادو وليس بيلي ولا مارادونا ولا أي نجم لامع آخر يمكن أن يكون شبيها به في عالم كرة القدم. هو لاعب مختلف. مختلف بتاريخه وإنجازاته ونجوميته وإثارته داخل الملاعب وخارجها. تبدو قصة النهاية هذه وكأنها لم تكتب بعد. قصة مثيرة في أبعادها وكيفية تقبلها لدى عشاقه ومحبيه. كيف سيستوعب هؤلاء عدم رؤيتهم لهذا النجم بقميص ناد آخر؟ لم يعد مسموحا بعد اليوم للآلاف بل للملايين من الجماهير الشغوفة بالبرغوث بمتابعة إبداعاته داخل القلعة الكتالونية. انتهى فريق النجم الواحد ربما! هو خيار صعب لكنه ضروري في مرحلة يعيش فيها الفريق أوضاعا صعبة نتيجة تأثيرات أزمة وباء كورونا وما نجم عنها من خفض لسقف رواتب اللاعبين وأولهم النجم الأرجنتيني.
وبغض النظر عن التحديات التي خاضتها الإدارة الجديدة للبارسا بقيادة خوان لابورتا مع نجمها والماراثون الطويل الذي قطعته من أجل إقناعه بالعدول عن موقفه من مغادرة النادي الكتالوني، وبغض النظر عن كل الظروف التي حاطت بأزمة الفريق في الموسمين الماضيين اللذين خرج منهما خالي الوفاض، باستثناء لقب كأس الملك، على مستوى المسابقات التي نافس عليها محليا وأوروبيا، وبغض النظر عن المستوى المترهل الذي ظهر به الفريق في السنوات الأخيرة، وبغض النظر عن سقف الراتب الذي حدده لتجديد عقده، فإن الإقرار بأن التضحية بميسي في هذا الظرف الحساس الذي يستعد فيه الفريق لتغيير شامل يبقى مدار الرحى في كل التأويلات والتحليلات التي قد يتناولها المتابعون بالدراسة والنقاش.
هل هي تضحية أم قرار فرض على النادي الكتالوني بأن يكون ميسي خارج الحسابات؟ تعددت ردود الفعل حول مغادرة البرغوث للفريق وأول التعليقات جاءت من لابورتا الذي يرى أن تمديد عقد ميسي كان سيشكّل “مخاطر مالية للنادي الكتالوني الذي يرزح تحت ضائقة مالية”، مؤكدا أنه قام “بما هو أفضل لمصلحة” النادي.
لابورتا أكد أيضا خلال مؤتمر صحافي عقده عقب الإعلان عن رحيل ميسي عن “الكامب نو” بعد 20 عاما سطّر خلالها ملحمة كروية، أن الأخير تلقى “عروضا أخرى” من دون أن يعلن عن هوية الأندية المهتمة بالتعاقد مع حامل الكرة الذهبية ست مرات. وتابع “ينطوي استثمار من الحجم الذي يمثله ميسي على مخاطر معينة كنا مستعدين لتحملها”، ولكن “عندما أدركنا بالتفصيل وضع النادي بعد التدقيق، “لم نرغب في تعريض المؤسسة للمزيد من الخطر”.
هذا الكلام كان سيكون ذا جدوى إذا اقتصر عند حدود التجديد، لكن يبدو أن الأزمة أعمق من ذلك بحسب ما ذكرته بعض المصادر المطلعة والتي أقرت بأن لابورتا عرض على النجم الأرجنتيني خفضا جديدا لراتبه (قدر بحدود 30 في المئة) نظرا للوضعية المالية الصعبة التي يمر بها النادي وهو ما رفضه والد البرغوث.
إذن الأزمة المالية كانت حاضرة بقوة في إعلان الطلاق بين النجم الأرجنتيني و”فريق العمر” الذي يمكن أن نسمّيه، رغم أنه لم يعد كذلك. ميسي الآن خارج دائرة الحسابات وربما يوفر رحيله على النادي فضّ العديد من المشاكل خصوصا في ظل أزمة صحية مازالت تداعياتها متفاعلة وستتواصل إلى ما بعد نهاية الوباء. ربما لن يُلام لابورتا على قراره هذا، لأنه على الرغم من قساوته، يبدو أن حكمة العقل تدخلت هذه المرة لفضه. فلم يعد مجديا في عالم كرة القدم أن يظل الفريق رهينا لنجم أوحد أو معبود يكلفه أحيانا نصف خزينته. الفرصة متروكة لقوة المال لتتدخل الآن للظفر بخدماته في هذا النادي أو ذاك. لكن حتى ولو كانت هناك وفرة مالية فلا يجب على مسؤولي الأندية الكبرى التهافت على ميسي، لأن مستواه في أي ناد آخر لن يكون بالمستوى الذي قدمه في برشلونة ولا العطاء الذي منحه للبارسا. فليتذكر الجميع رحلة البرتغالي كريستيانو رونالدو مع ريال مدريد وخيار المغادرة المتسرّع إلى يوفنتوس والذي تشير أغلب التحليلات إلى أنه يجني متاعبه إلى الآن رغم ما قدمه “السيدة العجوز” من سخاء مادي.
بعض المواقع تتحدث عن زلزال في برشلونة أو صدمة أو صاعقة وغيرها من المسميات في وصف خبر رحيل ميسي عن البارسا. مطلوب رؤية الأمور من جانبها الإيجابي، ألا يوفر رحيل الأرجنتيني حلاّ للنادي المأزوم ماديا ليبدأ في رحلة التعافي مع عناصر شابة جديدة قادرة على خوض التحدي. ألا يكون مؤشرا على بداية رحلة تعافي لبرشلونة من أزمة النجم الأوحد والتخلص من هذه “العقدة” نهائيا. صحيح ميسي رحل.. لكن رحيله لا يخلو من فوائد.