رحيل مفاجئ ومأساوي للراقص حسن رابح

الأحد 2016/07/03
برز حسن رابح كراقص موهوب على مسارح دمشق وبيروت

الراقص السوري-الفلسطيني حسن رابح (25 عاماً) موهبة كبيرة انطفأت قبل أيام بطريقة مأساوية. وكان هذا الفنان قد ألهب بجسده خشبات مسارح دمشق وبيروت، وبات محط أنظار الجميع، موهبة شابة تتفجر طاقة، جسدٌ راقصٌ تركنا في أحد العروض في دار الأوبرا في دمشق مذهولين أمام مهارته وموهبته العالية.

عمل حسن مع فرقة “سما” الراقصة، وشارك في عروضها في سوريا منذ عام 2008 حيث نالت الفرقة الكثير من الاهتمام لما قدّمته من أداء مميّز، كما كان حسن في طليعة المشاركين حين حصلت الفرقة على المرتبة الأولى في برنامج “Arabs got talent”، ليرحل بعدها مع الفرقة إلى بيروت التي استقر فيها بعد أن عجز عن الانتقال إلى الإمارات العربيّة المتحدة لأسباب إداريّة تتعلق بأوراقه.

في بيروت، سيعاني حسن كأغلب السوريين الفلسطينيين، سواء من العاملين في الوسط الفني أو ذوي الاهتمامات الأخرى، فالصعوبات الإدارية التي يواجهونها يومياً لا يمكن وصفها، بالرغم من ذلك، لم يستسلم الفنان، فقد تابع الرقص وبدأ يتعاون مع فرقة “كون” المسرحية في عدة عروض.

الإقامة اللامشروعة

حسن وكثيرون غيره محكوم عليهم في لبنان أن يبقوا بلا إقامة وأوراق رسميّة، التضييق الذي تمارسه الحكومة في لبنان جعل الكثيرين أقرب إلى الفارين من العدالة منهم إلى مقيمين محترمين، فهم يعيشون دون أيّ اعتراف دولي أو حماية قانونيّة.

يذكر صديق لحسن رفض التصريح باسمه أنهما مؤخراً حاولا التقديم للمشاركة في عرض مسرحيّ في لبنان، وبعد أن أثار حسن الاهتمام بموهبته العالية، رُفض، ويقول هذا الصديق -الذي رفض هو أيضاً- “كان مهمّشاً إلى أبعد حد، فقد تم رفض مشاركته في العرض بعد أن قبلوه لأنه لا يمتلك إقامة، أدمعت عيناه حينها وبكى، لا سيما عندما عرف أنهم قبلوا فنانين لا يمتلكون واحدا على عشرة من موهبته. بعدها استضفته في منزلي مرات عدة لأن وضعه الماديّ كان سيئاً جداً. وبعد انتقاله من عندي رأيته في أحد مطاعم بيروت يعمل نادلا، حزنت جداً، ولم أجرؤ على الحديث معه بل إنني اضطررت إلى تجاهله، شعرت بالشلل لأني لم أستطع مساعدته”. يضيف الصديق “حسن كان بلا مأوى، ينام عند أصدقاء متفرقين، دون أي استقرار”.
أما وقد أدرك الفنان أن كل ما يملكه هو براعة جسده الراقص، جسده الذي لا يريده أحد، فلم يبق لديه في بيروت ما يمكن أن يفعله بعدما أقفلت في وجهه جميع الأبواب، ما بقي هو أن يحلق بهذا الجسد ويكون إيكاروس

بالرغم من موهبته التي لم تخفى على الكثيرين من الجمهور والمختصين، ظلّ حسن محكوماً كغيره من المهجّرين بسياسات قمعية تحرمه من حقوقه وتستهدف وجوده كإنسان، لم يمتلك إقامة في لبنان، ولم يتمكن من اللحاق بأهله في السويد، ولم يستطع السفر ليرقص في عواصم العالم كحال أقرانه وزملائه، تهمته هي أنه بلا أوراق، هي لعنة السوريين والفلسطينيين التي تلاحقهم في الدول التي من المفترض أن تكون شقيقة.

لم يستسلم

حسن لم يتوقف عن الرقص على الرغم من ذلك كله، بل إنه عمل على عدة مشاريع فردية مع أصدقائه انتشر أغلبها على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن أيّا منها لم ير النور بصورة كاملة، حسن لم يتمكن من إتمام حلمه، أن يرقص فقط دون أيّ انتماء، أن يكون حراً إلى الأقصى.

مؤخراً شارك حسن في الاحتجاجات التي اندلعت في بيروت، وأغلب من كان هناك يعرفه، سواء كراقص أو كشخص رأى فيه شخصا محباً للحياة ويصرخ للحريّة.

في آخر ما كتبه حسن على صفحته في الفيسبوك دعا إلى سقوط جميع الأنظمة القمعية، جميع القيود، لكن الفنان المحكوم بقدره السوري الفلسطيني كان محكوما بالخسارة مرتين.

حسن رابح الراقص اللامع في أواخر أعماله الفنية في بيروت

صدمة الانتحار

الفنان الرقيق المشع بهجة وطاقة يفاجيء الجميع بخبر بانتحاره فجأة. الشاعر نوري الجراح كتب على صفحته بعد أيام من الحادثة “أما وقد أدرك الفنان أن كل ما يملكه هو براعة جسده الراقص، جسده الذي لا يريده أحد، فلم يبق لديه في بيروت ما يمكن أن يفعله بعدما أقفلت في وجهه جميع الأبواب، ما بقي هو أن يحلّق بهذا الجسد ويكون إيكاروس. ها هي السماء تناديه من النافذة وتغريه بالطيران”. ويضيف “وهكذا أطلق حسن في ذلك النهار البيروتي الغريب حرية الحركة لجسده الأسير في المدينة الأسيرة، موقّعاً ببراعة الجسد الحركة الأخيرة في رقصته؛ تلك القفزة القصوى، لا بد أنه رآها مرحة، قفزة إلى ما وراء المجهول الذي كان فيه، وصولا إلى الحرية الأشد غموضا، الموت”.

وكان الفنان قد قفز من الطابق السابع في شارع الحمراء، فضّل الرحيل عن الحياة على العيش في مذلة. موهبة شابة تشعّ شغفاً وطاقة وحيوية. اختار أن يرحل كما يريد. لم يُدفن حسن في سوريا، ولكنه نقل من مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت إلى منطقة الفاعور في بعلبك ليدفن في مقبرة الفاعور.

حسن ليس الأول وربما لن يكون الأخير، ولعل هناك حالات أخرى كثيرة لم نسمع بها لشُبانّ أقدموا على الانتحار في بلدان المنافي، فالخسارات التي شهدوها من جهة والقيود المفروضة عليهم من جهة أخرى هي من بين أسبابهم، تكثر الكتابات والنصوص عن البعض، والبعض يختفي دون أيّ ذكر. الشهادات التي كتبت عن حسن تتعامل معه كخبر للتداول بوصفه شاباً آخر أقدم على الانتحار. تمجيد حسن وشجاعته ليسا مطلوبين من أحد. لكن المؤلم أكثر بإزاء هذه الميتات العاصفة، إلى جانب ما يمثله غيابهم المبكر من خسارة تصيب مجتمعاتهم، هو ذلك الصمت الذي يطوي ذكراهم كما لو أنهم لم يولدوا يوما إلى جانب بقاء الأسباب التي ستحمل غيرهم على الانتحار في ظل مآزق الحاضر العربي وانسداد الآفاق.

كاتب من سوريا

14