رجال الأعمال في تونس: ورقة مالية أم ضرورة وطنية

أغلب رجال الأعمال البارزين مرتبطون بشركات خارجية عابرة للدول وأي استهداف لوكيل من وكلائها يجعلها في حالة استنفار خاصة في ظل الضبابية التي تسيطر على الوضع الاقتصادي.
الجمعة 2023/11/10
توقيف رجال الأعمال يفضي إلى نتائج سلبية

ليس هناك شك في أن من حق الدولة أن تستعيد ممتلكاتها وأسهمها من أيّ كان ومهما علا شأنه، سياسيا أو مثقفا أو رجل أعمال، ومن حقها وواجبها أن تطبق القانون على الجميع. لكن المرونة مهمة، وكذلك إعطاء الفرصة للحلول الودية عبر الحوار أو عبر مختلف درجات التقاضي من دون المرور مباشرة إلى التوقيف.

قد يفهم توقيف شخصية حزبية ضمن مسار الغلبة السياسية، وأن من تتركه حرّا قد يرتد عليك في أيّ وقت، لكن توقيف رجال الأعمال، وأيّا كانت المبررات، يفضي في الغالب إلى نتائج سلبية على صورة البلاد ومصداقيتها في الخارج، وكذلك على استقرار الاقتصاد، لأن الشركة التي تفقد صاحبها مهما صمدت، فإنها تجد نفسها في طريق التراجع وتعجز عن المنافسة في السوق وتخسر الزبائن وتضطر إلى التقليص من أعداد العمال والموظفين، وتدفع بالبعض إلى البطالة في وضع اقتصادي حساس.

لا تحتاج تونس إلى توقيف رجل أعمال مثل مروان المبروك بسبب خلاف قانوني حول وضع إحدى الشركات المصادرة التي هو فيها شريك بالأصل، وبقانون المصادرة وضعت الدولة يدها على حصة شريكه. يمكن للقضاء أن يحل المشكلة عبر مختلف مراحل التقاضي، ويمكن أن يصدر بالأخير حكم يتيح للدولة أن تستعيد حقها، وتنفذ الحكم بالطرق القانونية المعهودة.

ليس مهما من يكون المبروك، فلم يعد لقصة المصاهرة بينه وبين الرئيس الراحل زين العابدين بن علي قيمة بعد مرور اثني عشر عاما على الثورة، ولكن المهم أنه رجل أعمال معروف ولديه شركات في مجالات مختلفة، وتوقيفه سيكون له تأثير على وضعها وعلى مصير المئات من العمال الذين يعملون بها.

◙ رجال الأعمال يخشون من استمرار خطاب عدائي ظهر مع بداية الثورة واستمر بقوة في العشرية الماضية يقوم على تحميلهم مسؤولية الأزمة ومظاهرها المختلفة من ارتفاع للأسعار واحتكار للمواد الأساسية

وقد يعطي هذا التوقيف إشارات سلبية للشركات الأجنبية التي يعمل المبروك في شراكة معها، أو يقوم بدور وكيل لها في السوق المحلية، وهذه نقطة مهمة على الحكومة التونسية أن تقرأ لها حسابا، ليس بمعنى السكوت عن التجاوزات، ولكن بهدف طمأنتها على وضعها في السوق التونسية.

أغلب رجال الأعمال البارزين مرتبطون بشركات خارجية عابرة للدول، وأيّ استهداف لوكيل من وكلائها قد يجعلها في حالة استنفار خاصة في ظل الضبابية التي تسيطر على وضع الاقتصاد التونسي الناجمة عن صعوبة التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وصعوبة تحصيل التمويلات لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة.

كما أن استهداف رجل أعمال بوزن المبروك يمكن أن يوجه رسالة سلبية إلى رجال الأعمال التونسيين، في وقت لم تتضح فيه فاعلية مسار المصالحة الجزائية التي اعتمدها الرئيس قيس سعيد، ولماذا فشلت في إقناع رجال الأعمال بتسوية وضعياتهم بالرغم من التمديد في عمل لجنة المصالحة.

هناك خلل ما في علاقة لجنة المصالحة برجال الأعمال بشكل أفضى إلى عدم توفقها في استعادة الأموال التي تريد الدولة استرجاعها وفي نفس الوقت طمأنة رجال الأعمال.

الفرضية الأولى أن اللجنة ترفع شعار أعطونا الأموال وأنجزوا المشاريع في المناطق الفقيرة، أو ما يصطلح عليها بمناطق الظل، ثم نحكي لاحقا، وهذا مسار غير ملائم سبق أن دفع عددا من رجال الأعمال في بداية الثورة إلى الهروب برؤوس أموالهم إلى الخارج.

الفرضية الثانية أن اللجنة غير مقتنعة بالمهمة التي كلفها بها الرئيس قيس سعيد، ولا تريد أن تدفع بتوتير الجبهة الاجتماعية بين الرئيس ورجال الأعمال الذين ينهضون بدور كبير في منع سقوط الاقتصاد، ويحتاجون إلى الدعم والطمأنة بدلا من تسليط المزيد من الضغوط عليهم، خاصة أن عددا لا بأس به منهم قد انخرط في مصالحة سابقة سواء من خلال مبادرة المصالحة التي تم الإعلان عنها في عهد الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، أو ضمن مسار العدالة الانتقالية، فهل سيكون عليهم أن يدفعوا مقابل المصالحات في كل مرحلة سياسية.

وسبق للرئيس قيس سعيد أن وجه في أكثر من مناسبة رسالة طمأنة للمستثمرين ورجال الأعمال بأنه يعمل على تطبيق القانون واحترامه حتى لا يقع ظلم أو مصادرة أموال دون وجه حق.

وقال في  كلمة له بعد 25 يوليو 2021 “أطمئن الجميع بأنني أعمل دون هوادة حتى لا يُظلم أحد، فلا مجال للتخوّف أو لتهريب الأموال فحقوقكم محفوظة في إطار القانون”.

وفي ديسمبر 2021 أكّد قيس سعيد على حرصه الراسخ على ضمان الحرية الاقتصادية وتشجيعه الدائم للمبادرة الفردية وطمأنة رجال الأعمال والمستثمرين. كما شدّد على إدراكه لمدى أهمية توفير الظروف المناسبة حتى يواصل رجال الأعمال الوطنيون الاضطلاع بدورهم المركزي في خلق الثروة في تونس.

◙ التوقيف قد يعطي إشارات سلبية للشركات الأجنبية التي يعمل المبروك في شراكة معها، أو يقوم بدور وكيل لها في السوق المحلية، وهذه نقطة مهمة على الحكومة التونسية أن تقرأ لها حسابا

وأشار إلى أنه لا بدّ من “تنقية المناخ السياسي من أجل إيجاد الإطار السليم القادر على توفير كل التشجيعات لرجال الأعمال لمزيد تحفيزهم على الاستثمار والمساهمة الفاعلة في تنمية الاقتصاد الوطني”.

ولا بد أن تعمل الحكومة التونسية انطلاقا من هذه الأرضية لاستعادة ثقة رجال الأعمال الذين ظل موضوع المصالحة ورقة تؤرقهم خاصة أنه يؤسس للتعامل معهم دائما كورقة سياسية وليس كحاجة وطنية ضرورية يجب حسمها نهائيا وطمأنة المستثمرين الذين بادر الكثير منهم إلى إغلاق مؤسساتهم أو العمل بالحد الأدنى، وهناك من غادر خارج البلاد وبحث عن مكان آمن لاستثماراته.

لا تتعلق القضية بتوقيف رجل أعمال أيّا كان اسمه أو وضعه السابق أو الراهن، هي أبعد من ذلك، وترتبط بالمناخ العام الذي يجد فيه رجال الأعمال الظروف ملائمة أو غير ملائمة للاستمرار في الاستثمار أو الركون إلى التردد ومراقبة الوضع والحذر مثلما كان في العشرية الماضية التي اتسمت بعدم الاستقرار السياسي.

ويخشى رجال الأعمال من استمرار خطاب عدائي ظهر مع بداية الثورة واستمر بقوة في العشرية الماضية يقوم على تحميلهم مسؤولية الأزمة الاقتصادية ومظاهرها المختلفة من ارتفاع للأسعار واحتكار للمواد الأساسية، وهو ما يخلق مناخا من التشكيك في ذممهم المالية وتضخيم عائداتهم.

وهذا التفكير ينبع من خطاب أيديولوجي يقوم على التعميم والإدانة، وقد يصلح بالأحزاب التي ترفع عادة خطابات شعبوية لاستقطاب الشباب الغاضب على الأوضاع، لكنه لا يتماشى مع طبيعة الدولة، التي تجد دائما أن رجال الأعمال في صفها.

9