راتب نكدي

سُئل موظف غبي عن الفرق بين آخر الشهر وأوله، فأجاب بذكاء: أيام حلوة.. أنا أنتظر حبيبتي كل آخر شهر ولا أريدها أن تتأخر عن موعدنا، ولا أحتمل أي تبرير..تأتي متثاقلة رغم خفتها، فهي لا تزن سوى بعض الأوراق من فئة العشرة أو العشرين دينارا.. تصلني رائحتها قبل أن تصل.. أنا أحسب لها ألف حساب، واسالوا دفتر الديون إن كنت أكذب.. حبيبتي لا تهاتفني إلا نهارا.. وعلى الرغم من أنها لا تأتي ليلا وليست فاسقة، إلا أنها تذوب في لمح البصر كالقبلة.. تأتي في كل سرية خوفا من الدائنين.. والمتربصين بها من أهلي وأصدقائي.. زوجتي أيضا تظل تبحث عن بعضها كل ما غسلت بنطلونا أو أي ثوب بجيوب.. هي لها بالمرصاد دائما.
زوجتي لا تغار من حبيبتي بل هي مخلصة لها تنتظرها شهرا كاملا، وحين تصل والحق يقال تُقبّلها وتحضنها لتغيب في جيبها.
حبيبتي جميلة جدا، فحين يقترب موعد حلولها عندي، يتلصص عليها البقال والجزار وبائع السجائر وكل الرفاق في الحانة، حتى أنني باغتتُ ابني مرة يغمزها بطرف عينه اليمنى.. غبي مثل أبيه يعشق الانتظار وكأنه يريد أن يقضي عمره يحقق حلم الآخرين بدل حلمه.
سيعلم ذلك حين يصفف أمنياته بتجاعيدها مع ثيابه الرثة في خزانة تسكنها العثة، وحين تهجره حبيبته وتفسخ كل رسائل الغزل من هاتفها الذكي، ولن تعود إليه إلا إذا فتح دكانا للفواكه الجافة وبيع السجائر المهربة.
حبيبتي خائنة.. إي والله أكتشفها دائما حين تواعد كل فصل فواتير الكهرباء والماء.. الملعونة حتى الفواتير الشهرية تعطيها نصيبها من لذتها دون أن تنتبه لكبريائي.. لماذا تبصقين في وجهي؟ نعم لي كبرياء وإلا لما انتظرتك يا ملعونة.. هل انتظرك مهرب أو تاجر جملة أو حتى بائع الفول.. لا أحد ينتظرك لأنك معدودة الأوراق وربما شريفة.
لا أحد يحبك ويشقى في عشقك مثلي.. ألم تلحظي حنّيتي ولهفتي حين أبدأ في عدكّ.. ألم تثرك بصمات سبابتي وإبهامي؟ لذلك تفارقينها إلى أصابع أخرى… أنت خائنة لا تنامين بين إصبعين ولا حتى في جيبي.
البارحة نمت نوما عميقا ورأيت حبيبتي تأتي مرتين في الشهر دون علم زوجتي.. دفعت لأمي ثمن دعوات الخير التي تدعوها لي سرّا وعلانية فجرا وظهرا وكل صلاة، وعزمت بنت أختي على مطعم.. واشتريت كرة وكُجّة لابن أخي، وأعطيت السائل بعضا من ذوات الصوت الشجي، وناولت النادل بقشيشا.. إي نعم بقشيش.. دقات صاحب البيت توقظني من حلمي يريد معلوم الإيجار.. طار الراتب مثل الحلم.