رئيس مجلس السيادة: الحكومة فشلت في الإيفاء بتعهداتها للسودانيين

تصريحات رئيس مجلس السيادة الأخيرة التي حمّل من خلالها الحكومة الانتقالية مسؤولية العجز عن تحقيق تطلعات السودانيين، لا تخلو من رسائل سياسية على وقع أزمة مستفحلة بين الطرفين حول تشكيل مجلس شركاء في الفترة الانتقالية.
الخرطوم – وجّه رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان الأربعاء انتقادات لاذعة للحكومة الانتقالية، متهما إياها بالفشل في تحقيق تطلعات الشعب، في تصريحات غير معهودة، تعكس عمق الأزمة بين المؤسسات الانتقالية داخل هذا البلد.
ونقلت وكالة الأنباء السودانية الرسمية (سونا) عن البرهان قوله في ختام مناورة عسكرية للجيش السوداني شمال العاصمة الخرطوم “مضى عام على تكوين مجالس الفترة الانتقالية (مجلس السيادة والوزراء) وقد عجزت عن تحقيق طموحات وتطلعات جماهير ثورة ديسمبر المجيد”. وأضاف أن “معاناة المواطنين ازدادت”.
ومجلس السيادة الانتقالي هو أعلى هيئة في السودان مؤلفة من مدنيين وعسكريين ويتولى مع الحكومة التي يقودها عبدالله حمدوك إدارة البلاد في الفترة الانتقالية التي تلت الإطاحة بعمر البشير في أبريل 2019.
ويعاني المواطنون السودانيون من تردي الأوضاع الاقتصادية إذ ينتظرون في طوابير لساعات للحصول على رغيف الخبز ووقود السيارات. كما بلغ معدل التضخم وفق إحصاءات رسمية 230 في المئة.
ويرى محللون أن تصريحات البرهان الحادة، لا تخلو من رسائل سياسية وإن كانت تمس جوهر معاناة المواطن السوداني، ويشير المحللون إلى أن الموقف الأخير لرئيس مجلس السيادة يأتي على ما يبدو ردا على الأزمة التي اندلعت في الأيام الأخيرة بشأن مجلس شركاء الفترة الانتقالية.
وشدّد البرهان على مواصلة العمل لتشكيل مجلس شركاء الفترة الانتقالية الذي رفضه مجلس الوزراء في نهاية الأسبوع الماضي. وقال رئيس مجلس السيادة إن “هذا المجلس ليس لديه أي علاقة بمهام أجهزة الدولة (المجلسان) السيادي والوزراء ولا يتدخل في عملهما”، مؤكدا أن “المجلس لا يلغي دور المجلس التشريعي في الرقابة والتشريع”.
وأوضح المحلل السياسي السوداني عبدالواحد إبراهيم، أن تصريحات رئيس مجلس السيادة جاءت رداً على رفض الحكومة لفكرة مجلس شركاء الفترة الانتقالية من ناحية الاختصاصات والصلاحيات، وأنه أراد تحميل طرف واحد مسؤولية الأزمات التي يعاني منها السودان حالياً، في حين أن الغضب الشعبي المتزايد في الشارع يطال المكونين المدني والعسكري.
وأضاف في تصريحات لـ”العرب”، أن البرهان يمضي في طريقه الساعي لإلحاق هزيمة سياسية بقوى الحرية والتغيير، في ظل انعدام الثقة بين الطرفين، بما يدعم خططه نحو إدخال تعديلات على تركيبة السلطة الانتقالية بإشراك الحركات المسلحة وما يمكن تسميتهم بـ”قوى الهبوط الناعم” بديلاً للتحالف الحكومي ولجانه المختلفة على الأرض.
وأشار إلى أن ردة فعل البرهان مبالغ فيها لأنه يعد جزءاً من السلطة الحاكمة التي تسببت في جملة من الأزمات الراهنة، وأن المدنيين والعسكريين يتحملون معا نتيجة غياب المجلس التشريعي باعتباره الضلع الثالث في إدارة المرحلة الانتقالية بحسب نص الوثيقة الدستورية، ولم يجدوا من يساعدهم على تنفيذ استحقاقات الفترة الانتقالية.
وأعلن البرهان مؤخرا عن إنشاء “مجلس شركاء الفترة الانتقالية” وهو هيئة تختص بـ”توجيه الفترة الانتقالية بما يخدم مصالح البلاد، وحل التباين في وجهات النظر بين الأطراف المختلفة، وحشد الدعم اللازم لإنجاح الفترة الانتقالية، وتنفيذ مهامها الواردة في الوثيقة الدستورية واتفاق السلام الموقع في جوبا”، وفق وكالة الأنباء السودانية.
ورفضت الحكومة الانتقالية في بيان السبت القرار معتبرة أن البرهان تخطى صلاحياته عبر إناطة صلاحيات موسّعة بهيئة جديدة. وذكرت الحكومة في بيانها “واجبنا كسودانيين أولا وكجهاز تنفيذي وثق به شعب السودان لحماية مكتسبات ثورة ديسمبر المجيدة، يحتم علينا إعلان عدم موافقتنا على تكوين مجلس شركاء الفترة الانتقالية بصورته الحالية”.
وأوضحت أن “ما تم نقاشه في الاجتماع المشترك بين مجلسي السيادة والوزراء وتمت الموافقة عليه من جانبنا حول دور مجلس الشركاء كان قاصراً فقط على أنه جسم تنسيقي لحل النزاعات والخلافات بين أطراف الفترة الانتقالية”.
وأضافت أن “هذا الوصف لا ينطبق على الاختصاصات المنصوص عليها في قرار رئيس المجلس السيادي القاضي بتشكيل مجلس شركاء الفترة الانتقالية”. من جهتها أعلنت قوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة رفضها لمجلس الشركاء في صيغته الحالية معتبرة أنه التفاف على الثورة.
واعتبرت أستاذة العلاقات الدولية بجامعة الخرطوم تماضر الطيب، أن بعض المهام في تشكيل مجلس الشركاء تمثل تغولاً على مهام الحكومة ووظائف المجلس التشريعي على وجه التحديد، مشيرة في تصريحات لـ”العرب” إلى أنه يفترض أن يكون مجلس الشركاء جسما تنسيقيا لحل النزاعات والخلافات بين أطراف الفترة الانتقالية.
وقالت الطيب إن الشارع السوداني يشعر بأن الجانب العسكري لم يستوعب حتى الآن ضرورة التحول الديمقراطي والانتقال للحكم المدني وإكمال المؤسسات الديمقراطية وتحقيق مطالب الثورة، ومن بينها إنهاء الحكم العسكري ذاته دون عودة، فقبول الجانب العسكري في المرحلة الجديدة كان هدفه في المقام الأول احتياج السودان لفترة لاستتاب الأمن فقط، وليس تغوله على السلطة.
وأضافت بأن المكوّن العسكري يتحمل جزءا غير هيّن من المسؤولية على الوضع الاقتصادي في ظل سيطرته على مفاصل اقتصاد الدولة سواء عبر الشركات الكبرى أو الاستثمارات والصادرات، فكل شيء يتم عبر تلك المؤسسات، وحدث جدل كبير حينما طالب المدنيون بنقل تبعية تلك الشركات إلى وزارة المالية.
وتجري حاليا محاولات للتوصل إلى حلول وسطى للأزمة، وقد يضطر مجلس السيادة ولاسيما الشق العسكري إلى إعادة النظر في بعض البنود.
ويقول عبدالواحد إبراهيم، إن الحكومة الحالية ومجلس السيادة يحتاجان إلى بعضهما البعض، لأنهما أمام مهمة شاقة سوف تبدأ في 19 ديسمبر المقبل من خلال مواجهة الجماهير التي ستخرج إلى الشارع بقيادة لجان المقاومة في العاصمة والولايات رفضاً للأوضاع الراهنة، وبالتالي من غير المرجح أن يذهب الطرفان في عملية لي الذراع الجارية بعيدا، بما يقود إلى تفسخ أركان السلطة الانتقالية.