رئيس حزب النور يشبه برلمان مصر القادم بسوق عكاظ

القاهرة - قلل يونس مخيون، رئيس حزب النور السلفي، في حوار مع “العرب” من أهمية الخسارة المدوية التي نالها حزبه في الانتخابات البرلمانية الحالية، مؤكدا أن نتائج التصويت لا تعد تعبيرا حقيقيا عن شعبية الحزب وتواجده في الساحة السياسية المصرية
وأرجع مخيون أسباب قلة عدد المقاعد البرلمانية التي فاز بها الحزب إلى تدخلات في العملية الانتخابية استهدفت تعطيل حزبه، وعرقلة مرشحيه في الانتخابات، متهما الإعلام بالهجوم غير المبرّر على الحزب، وكذلك الأمن الذي تعمّد ملاحقة العديد من المرشحين قبل التصويت في المرحلتين الأولى والثانية، كما أدان زيادة نفوذ المال السياسي وتحوله إلى ظاهرة في الانتخابات الحالية.
لكن مخيون الذي لفت إلى وجود تواصل ضعيف مع رئاسة الجمهورية. وأكد أنه لا نية لحل الحزب والابتعاد عن السياسة، مثلما طالب بعض قيادات الدعوة السلفية عقب ظهور نتائج المرحلة الأولى بالعودة إلى المساجد. وأضاف أن هناك التزاما بتغليب مصلحة البلاد رغم ما يواجهه الحزب من مضايقات وملاحقات أمنية وإعلامية، ولا يزال المستقبل أمامه مع ضبط أداءه الفني.
وقال مخيون إن هناك تضييقا شديدا على الحزب ونشاطه من أجهزة الأمن والإعلام “رغم وقوفنا مع الدولة، حيث كان لنا دور رئيسي في منع اندلاع حرب أهلية عقب 30 يونيو 2013، وإفشال مخطط تحويل الصراع السياسي إلى ديني، ثم بعد ذلك المشاركة في انتخابات الرئاسة”.
لكن الحزب كما قال مخيون لقي جزاء سنمار، وهو ما تمثل في معاملة غير مبررة فـ”التصرفات الحالية غير معقولة ولا تمتّ للسياسة أو للواقع بصلة”، مؤكدا وجود تواصل مع مؤسسة الرئاسة في مصر”لننقل لها ما نواجهه، لكن التجاوب ضعيف للأسف والواقع مختلف عن الوعود التي نسمعها”.
مخيون عاد للحديث عن الانتخابات البرلمانية والأداء الهزيل لحزب النّور الذي شارك فيها كممثل وحيد لتيار الإسلام السياسي، فقال إن من أسباب قلة عدد المقاعد التي حصل عليها الحزب “تجاهل المسؤولين لمطالبنا باتّباع نظام القائمة النسبية، لأن نظام القائمة المطلقة غير عادل ويهدر أصوات الناخبين”.
وأضاف في لهجة ساخرة “في المرحلة الأولى حققنا ثلث الأصوات في انتخابات القوائم وحقق تحالف من أحزاب عدة (يقصد تحالف في حب مصر) الثلثين الآخرين، ما يعني أن النور في المقدمة بفارق كبير عن الأحزاب الأخرى، ولو كانت القائمة النسبية مطبقة لكنّا حصلنا على ثلث المقاعد”.
يونس مخيون يحمل أجهزة الأمن والإعلام والمال السياسي وزر إخفاق حزب النور في الانتخابات
تجاهل مطالنا
أما عن الإعلام فقد افتقد أبسط قواعد العدالة والشفافية والنزاهة في رأي مخيون الذي دلّل على كلامه بأنه “حتى القناة الأولى (الحكومية) كانت تنتقد حزب النور وكذلك العديد من الفضائيات الأخرى، فضلا عن أن استفحال المال السياسي، بسبب نظام الانتخاب الفردي، حيث تمّ شراء الأصوات واستغلال حاجة المصريين وعوزهم، وعزوف الشرفاء عن الانتخاب، وكان هناك مراكز معلنة لمنح الرشوة”.
وفسّر مخيون ضعف المشاركة في الانتخابات البرلمانية مقارنة بالاستحقاقات الانتخابية التي تلت ثورة 25 يناير 2011، وعزوف قطاعات من الشباب عن التصويت، بشعور البعض بفقدان الأمل في التغيير، جرّاء عودة عدد من رموز نظام مبارك، ما أفقدهم الثقة في العملية السياسية كلها، وحلت بدلا منها مشاعر الإحباط.
واختص مخيون قائمة (في حب مصر) التي أعدت تحالفا انتخابيا ضم أحزابا وأطيافا مختلفة بهجومه السياسي، مشيرا إلى أن تلك القائمة “صنيعة أجهزة الدولة”، وهي تضمّ، على حدّ قوله، عناصر مرفوضة من المجتمع المصري، لأنها كانت جزءا من الفساد المالي والسياسي قبل الثورة.
وعرّج على حزب “مستقبل وطن” الذي حقق نجاحا لافتا في المرحلة الأولى للانتخابات البرلمانية، وقال إن هذا الكيان تحيط به العديد من علامات الاستفهام، بداية من قدرة شاب حديث التخرج على تشكيل حزب لديه العديد من المقرات. وأوضح أن لدى حزب النور “معلومات بأن أجهزة في الدولة تدعمه، كما أنّ رجال الأعمال الذين أعلن أنهم يدعمونه ماديا لن يفعلوا ذلك لوجه الله”.
وقال مخيون إن الانتخابات الحالية تذكّره بانتخابات عام 2010 التي كانت الأخيرة في عصر الرئيس الأسبق حسني مبارك، متوقعا ضعف دور البرلمان المنتخب في الرقابة والتشريع، خاصة مع زيادة عدد المستقلين، وصعوبة تكوين تكتلات نيابية. ونوّه إلى أنه عندما يكون البرلمان أغلبه من النواب المستقلين فستكون من الصعوبة السيطرة عليه، وأشبه بسوق عكاظ، مردفا “أشعر أن هناك إرادة سياسية لأن يكون البرلمان مفتّتا لا يملك قوة، وبدأ ذلك مع وضع قوانين الانتخابات وتقسيم الدوائر والتخطيط، ليكون التواجد الحزبي هامشيا وضعيفا، وتكون السيطرة للمستقلين”.
|
وضع ضبابي
الصورة الضبابية التي رسمها مخيون في حواره مع “العرب” للوضع السياسي في مصر، لم تمنعه من استبعاد نجاح التحركات الحالية لبعض المجموعات والنشطاء المدعومين من الخارج في الدعوة لثورة جديدة على النظام حددوا لها يوم 25 يناير 2016 في ذكرى الثورة، “لأن الشعب المصري أدرك خطورة سقوط النظام بعد ما رآه في الدول المجاورة ومن الصعب أن يضحّي بذلك حتى لو كانت هناك تجاوزات”. وأضاف أن الحزب لا يدعم أيّ دعوة للخروج على النظام لأن البديل الذي نرفضه هو الفوضى.
ضجة كبيرة ثارت عقب استعانة الحزب بمرشحين أقباط ضمن قوائمه الانتخابية، حيث اتهمه البعض بالتلاعب والتحايل على ثوابت الدعوة السلفية المعروفة من الأقباط لضمان حصد الأصوات. لكنّ يونس مخيون نفى تهمة التحايل، مؤكدا أن الأقباط المنضوين تحت لواء النور ينادون بتطبيق الشريعة والمادة الثانية من الدستور، ومقتنعون ببرامج الحزب، وبعضهم يتولّى لجانا قانونية داخل الحزب، مضيفا “توصيف حزب النور بالسلفي تسمية خبيثة تهدف لحصره على فئة معينة، لافتا إلى أن حزب النور لكل المصريين ونرحّب بانضمام أيّ شخص مهما كانت ديانته”. ورفض ما أسماه “سياسة الكيل بمكيالين” التي تتّبعها الدولة حاليا، حيث يفسح ذلك المجال أمام الكنيسة المصرية للعب دور سياسي، ويتمّ دعم قائمة (في حب مصر) مع توجيه الناخبين للتصويت لأعضاء بعينهم، وتحريم ذلك على المساجد أو الأحزاب الإسلامية مثل النور.
وأشار إلى أن تواضروس، بابا الكنيسة المرقسية وبطريرك الكرازة المرقسية، انتقد الأقباط الذين انضموا لحزب النور وانتقص من قدرهم دون أن ينتقد أحد ما قاله، مشددا على أن افتقاد العدل أهم أسباب انهيار الدول والحضارات على مدى التاريخ.
وحول دعوات المصالحة مع الإخوان التي تتردد من وقت إلى آخر، أكد مخيون أن العبارة فضفاضة ولا بد من تحديدها، معربا عن اقتناعه بأن هناك خطوات من الضروري أن يتّبعها الطرفان، فيجب على الجماعة البدء بمراجعات فكرية وتغيير القيادات ونبذ صريح للعنف، والاعتراف بالواقع الحالي والتغيير السلمي. أما من ناحية الدولة، فطالبها بالبدء في الإفراج عمّن لم يتورّطوا في العنف، مثلما حدث مع أعضاء الجماعة الإسلامية من قبل.
مخيون يعترض على تأييد مصر للتدخل الروسي في سوريا، لأنه قد يفقدها دعم دول الخليج التي تملك موقفا واضحا من بشار الأسد، كما أن دعم القاهرة له يعني دعم الدور الإيراني في سوريا
ولفت مخيون إلى أن الجماعة تنقلت على مدى تاريخها بين العمل السلمي والعنيف، لكن نحن في حزب النور لن نحيد أبدا عن السلمية ونتبناها كدين وعقيدة، فمبدآ العنف والتكفير مرفوضان في الدعوة السلفية على الإطلاق وهي خطوط حمراء بالنسبة إلينا، وإذا سلك غيرنا طريق العنف فهذا نتيجة لخلل في التربية.
ودعا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى أن يستخدم سلطاته للإفراج عن الشباب المعتقلين الذين لم يتورطوا في أعمال عنف، حتى يتمّ تخفيف الاحتقان المجتمعي. وقال إن النقطة الأخطر السجون، بحسب ما أثبتت التجارب السابقة في حقبتي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، فهي عبارة عن مفارخ للإرهاب والتكفير حيث يدخل السجين دون أفكار ويتمّ تشكيله داخل السجن، فيصبح متطرفا.
وتحفّظ مخيون على وجود تقدم في ملف علاج جذور الإرهاب، وإنما على العكس قال “هناك قصور شديد في استراتيجية التعامل معه، حيث تعتمد الدولة على الناحية الأمنية فقط، بينما الصحيح أن تواجه الفكر كما أن الشباب يحتاج من يتعهّده”.
وأوضح “كنا نفعل ذلك في الدعوة السلفية، ونحصّن الشباب ضد الأفكار المتطرفة”، لكن ما يحدث من تضييق على الدعاة المعتدلين يدعو للتساؤل عمّن يحتضن الشباب، خاصة أن أئمة الأوقاف غير مؤهلين علميا ولا مهنيا لفعل ذلك، وتصبح الفرصة سانحة أمام أئمة التكفير الذين يعملون في الغرف المغلقة.
وحول الدعوات التي تعالت في الفترة الماضية لتعديل الدستور وزيادة صلاحيات الرئيس وصف مخيون ذلك الكلام بالخطير لأن الدستور “لم يطبّق بعد حتى نعدّله، كما أن الحل إذا اكتشفنا أخطاء أثناء تطبيقه علينا اتّباع الآلية الموجودة فيه وهي مجلس النواب، ولا ننسى أن اللجنة التي وضعت الدستور تم تعيينها من قبل القيادة السياسية ولم ينتخبها الشعب، بالتالي فهي المسؤول الأول عن أيّ تقصير أو مشاكل في إعداده.
واعترض رئيس حزب النور على تأييد مصر للتدخل الروسي في سوريا، لأنه قد يفقدها دعم دول الخليج التي تملك موقفا واضحا من بشار الأسد، كما أن دعم القاهرة له يعني دعم الدور الإيراني في سوريا، ومن المعروف أن طهران لها أهداف توسعية تهدد الأمن القومي لدول الخليج والدور الإقليمي لمصر، والقصف الروسي تمّ بالتنسيق مع إيران والأمر أصبح في منتهى الخطورة.