رؤية ملكية مستنيرة لمغرب الجدية والتمكين (2)

مشروع إستراتيجي للقارة الأفريقية ينسجم مع أهداف التنمية المستدامة 2030 وأجندة 2063 الأفريقية والأهداف الإقليمية للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا.
السبت 2023/11/11
رؤية ملكية تعزز انفتاح المغرب على محيطه

السياسة المغربية في أفريقيا هي نتيجة حتمية لعمق الروابط الحضارية والثقافية والانسانية التي تربط الشعب المغربي بالشعوب الأفريقية هو توجه قديم – جديد يعتمد بالأساس على التاريخ الأفريقي العريق للمغرب الممتد عبر ملايين السنين وعلى الإرث المغربي المشترك مع باقي الشعوب الأفريقية حيث يعتبر المكون الأفريقي جزءا أساسيا من الحضارة المغربية بنص دستوري، كما أن الرغبة الدائمة لدى الشعب الأفريقي المغربي لنصرة القضايا الأفريقية ودعم الإنسان الأفريقي والعمل على تكريس وحدة الشعوب الأفريقية في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية المطروحة من أجل مستقبل أفضل لأفريقيا تشكل جوهر الانتماء المغربي لأفريقيا وهو ما أكد عليه الملك محمد السادس في خطاب الذكرى 64 لثورة الملك والشعب في 20 أغسطس 2017 بأن ”توجه المغرب نحو أفريقيا لم يكن قرارا عفويا، ولم تفرضه حسابات ظرفية عابرة، بل هو وفاء لهذا التاريخ المشترك، وإيمان صادق بوحدة المصير. كما أنه ثمرة تفكير عميق وواقعي تحكمه رؤية إستراتيجية اندماجية بعيدة المدى، وفق مقاربة تدريجية تقوم على التوافق. وترتكز سياستنا القارية على معرفة دقيقة بالواقع الأفريقي”.

فالخيار الأطلسي – الأفريقي للمملكة المغربية هو مشروع حضاري يشكل التجسيد الحقيقي والواقعي للرؤية الملكية السامية للسياسة المغربية في أفريقيا المرتكزة على التنمية المستدامة للشعوب الأفريقية كهدف أسمى قائم على مقاربة “رابح – رابح” ، وهو مشروع متفرد يقوّي الروابط بين الشعوب الأفريقية ويندرج في صلب السياسات القارية التي تدعو إلى التكامل الاقتصادي والتعاون البناء بين كل دول القارة الأفريقية لتثمين ثرواتها وحماية مقدراتها من السياسات الاستعمارية وأطماع بعض القوى التي تحن إلى تاريخها الإمبريالي البغيض القائم على النهب والاستغلال والاستعباد لمقدرات الشعوب الأفريقية.

المغرب يقدم للعالم نفسه كدولة أفريقية بموقع إستراتيجي مهم يجعله بوابة أفريقية للعالم ومشروعه التنموي الأفريقي اليوم كجزء أساسي من إستراتيجية وطنية بأبعاد دولية جسدتها علاقات التعاون القوية

المغرب يقدم للعالم نفسه كدولة أفريقية بموقع إستراتيجي مهم يجعله بوابة أفريقية للعالم ومشروعه التنموي الأفريقي اليوم كجزء أساسي من إستراتيجية وطنية بأبعاد دولية جسدتها علاقات التعاون القوية والروابط الكثيفة والصادقة التي نسجها المغرب وجل الدول الأفريقية الصديقة منذ آلاف السنين وأكدتها الزيارات الملكية التنموية لمختلف ربوع وأقاليم ودول أفريقيا، وفي هذا الإطار يندرج مشروع أنبوب الغاز الأطلسي – الأفريقي كطريق جديد للاندماج الإقليمي بين مختلف شعوب غرب وشمال القارة الأفريقية بقيادة إقليمية مغربية – نيجيرية، من خلال تنفيذ مشاريع اندماجية وتشاركية برؤية متجددة للتعاون متعدد الأطراف يروم تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة، والتكامل القاري والإقليمي بالبحث عن فرص الاستثمار المستدام في المجال الفلاحي والطاقات المتجددة وتطوير البنية التحتية، والصحة والتعليم وإيجاد مسالك جديدة لترويج السلع الأفريقية عن طريق تثمينها وتعزيز السيادة في مجال الطاقة وترسيخ قيم الاستقرار والسلام والأمن كمداخل للديمقراطية والحكامة الرشيدة .

مشروع إستراتيجي للقارة الأفريقية ينسجم مع أهداف التنمية المستدامة 2030 وأجندة 2063 الأفريقية والأهداف الإقليمية للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) وهو ما أكد عليه الملك محمد السادس في خطابه السامي مشيرا بأن الأنبوب المغربي – النيجبري “هو مشروع للاندماج الجهوي، والإقلاع الاقتصادي المشترك، وتشجيع دينامية التنمية على الشريط الأطلسي، إضافة إلى أنه سيشكل مصدرا مضمونا لتزويد الدول الأوروبية بالطاقة”.

الإشارة الملكية في ذات الخطاب بضرورة التفكير الجدي لبناء أسطول بحري وطني وتجاري وتنافسي وقوي في سياق هام مليء بالدلالات الإستراتيجية، حيث أن المملكة المغربية بسواحلها الممتدة لأكثر من 3500 كيلومتر وبسلسلة موانئ لوجستية عملاقة يمكن أن تتحول إلى أحد المحركات الرئيسية للتجارة والصناعة والخدمات اللوجستية في الواجهة الأطلسية، وتشكل حلقة ربط بين المغرب وجميع أنحاء العالم هي اليوم في إطار المتغيرات الجيوسياسية العالمية في حاجة إلى ذراع بحرية قوية قادرة على الحفاظ على المصالح العليا للشعب المغربي ومساعدته على تحقيق الإشعاع الحضاري للمملكة بالنظر إلى موقعها الإستراتيجي كأحد أهم نقاط العبور الدولية.

وفي نفس الإطار فإن الخطاب الملكي أشار إلى التحديات الأمنية والاقتصادية والسياسية التي تواجه دول منطقة الساحل التي تعتبر عمقا إستراتيجيا للمملكة المغربية حيث حدد المقاربة المغربية الشاملة وفقا للرؤية الملكية المتبصرة المرتكزة على دعم الشعوب الأفريقية لمواجهة الأخطار الأمنية، عن طريق المزاوجة بين البعد الأمني والتعاون الإقليمي والدولي والعمل على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية والحفاظ على الهوية الثقافية والدينية، وعلى هذا الأساس طرح العاهل المغربي اقتراحا مغربيا بإطلاق مبادرة دولية لربط دول الساحل الأفريقي بالموانئ المغربية الأطلسية كميناء الداخلة وميناء العيون مما سيشكل أمام شعوب هذه الدول نقطة تحول جذري في طبيعة تفاعلاتها الاقتصادية مع محيطها الإقليمي وستشكل منعطفا كبيرا لاقتصاداتها في طريق التنافسية، والمغرب بحكم مسؤوليته التاريخية إزاء شعوب المنطقة كما أكد الملك محمد السادس في خطابه “مستعد لوضع بنياته التحتية، الطرقية والمينائية والسكك الحديدية، رهن إشارة هذه الدول الشقيقة؛ إيمانا منا بأن هذه المبادرة ستشكل تحولا جوهريا في اقتصادها، وفي المنطقة كلها”.

السياسة المغربية في أفريقيا هي نتيجة حتمية لعمق الروابط الحضارية والثقافية والانسانية التي تربط الشعب المغربي بالشعوب الأفريقية

إن الجدية التي أشار إليها الخطاب الملكي هي دعوة ملكية سامية وتوجيه ملكي مباشر إلى كل من يهمه الأمر باستنهاض قيمنا المشتركة المتمثلة في روح تمغربيت وإعادة توظيفها بشكل يتناسب وطموحات الشعب المغربي في العيش الكريم. فالجدية الملكية تتمثل في العلاقة الأبوية لملك المغرب مع الأمة المغربية مع الثبات على المبادئ والوفاء للقيم الإنسانية السمحاء والتقاليد الحضارية العريقة والتمسك بالشخصية المغربية المتفردة والخصال الإنسانية النبيلة والإصرار على قيام الملكية بدورها الدستوري كاملا في كل الظروف والمواقف وسرعة الاستجابة والتفاعل مع رغبات الأمة والحزم في اتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب بما يتناسب مع المصالح العليا للشعب المغربي.

الجدية هي استكمال لمسار حضاري وتاريخي سار فيه الأجداد وقادة الأمة المغربية منذ آلاف السنين بكل اعتزاز وإباء من أجل رفعة الوطن ومكانته العالية بين الشعوب المركزية في العالم، وعليه فالجدية قدر مغربي علينا أن نعيشه بكل “تمغربيت ” في إطار قيمنا الجامعة وأصالتنا المتجذرة وتشبثنا بملكيتنا باعتبارها القائد الوحيد والأوحد لنضال الشعب المغربي من أجل الحرية والكرامة والعيش الكريم وفق توجيهات سامية من أب الأمة وقائدها الملك محمد السادس الذي أكد في ذات الخطاب “عندما تكلمت عن الجدية، فذلك ليس عتابا؛ وإنما هو تشجيع على مواصلة العمل، لاستكمال المشاريع والإصلاحات، ورفع التحديات التي تواجه البلاد. وهو ما فهمه الجميع، ولقي تجاوبا واسعا، من مختلف الفعاليات الوطنية”.

7