رؤوف العطار يستعد لدخول غينيس بلوحة عملاقة تلخص تاريخ العراق

التشكيلي العراقي يرى أن ظروف بلاده الصعبة أعطته حافزا لإنجاز التحدّي للحصول على جائزة هي الأولى من نوعها للعراق في الفن التشكيلي.
الأربعاء 2021/06/02
لوحات تستلهم تاريخ العراق وتشكله جماليا

لولا جائحة كورونا التي أوقفت دوران عجلة الحياة لتمكّن الفنان العراقي رؤوف العطار من تحقيق حلمه بدخول موسوعة غينيس الشهيرة برسم أكبر لوحة في العالم. لكن رياح الوباء جاءت بما لا تشتهي سفن الرسام الشاب إلاّ أنه يُصرّ على تحقيق طموحه قريبا.

بغداد - يُعتبر التشكيلي الشاب رؤوف العطار أحد الفنانين العراقيين النشطين الذين يسعون خلف أحلامهم ويقيمون المعرض تلو المعرض ويحصدون الجوائز خارج البلد. لكنه مثل الكثيرين يشكو من إجحاف الداخل له وخاصة وزارة الثقافة ونقابة الفنانين، ورغم ذلك فإن لا شيء يدفعه إلى التوقف أو اليأس، وهو الذي يسعى منذ مدة إلى دخول موسوعة غينيس للأرقام القياسية بلوحة عملاقة تلخّص تاريخ وحضارة العراق.

وعن المشروع يقول “بما أنني من العراق اخترت أن تكون بوابة دخولي هذه الموسوعة العالمية لوحة تحمل معالم حضارات العراق منذ أكد وآشور وسومر وصولا إلى اليوم”.

ويضيف “اللوحة ستتضمن كل معالم العراق من جوامع ومعالم أثرية وحضارية، وستكون بأبعاد أكثر عن المئة متر طولا وعرضا، ومن المفترض حسب ما قرّرناه مع القائمين في غينيس أن تكتمل اللوحة في عام كامل”.

ويشرح “على الرغم من أن فايروس كورونا عطل مسيرة إكمالي للوحة، إلاّ أن هذا التأخير سيعوّض، وأعمل الآن على إكمالها وفق المخطّط الزمني المقرّر لتكون اللوحة الأكبر في العالم عراقية”.

ولدى الفنان العراقي تحدّ آخر حالت جائحة كورونا دون إنجازه، وهو إقامة أكبر معرض شخصي لفنان يتضمن مئتي لوحة، وعن ذلك يقول “أنا بانتظار الدخول بغينيس بجائزتين”، مؤكّدا أنه بحاجة إلى دعم حكومي باسم بلده كي يستطيع تنفيذ مشروعه ويستكمل تحدّيه الخاص، حيث سيكون العمل لسنة كاملة سيتخلى خلالها عن وظيفته وعمله كمدرس بالجامعة ليتفرّغ كليا لمشروعه الطموح.

رؤوف العطار: اللوحة ستحمل معالم حضارات العراق منذ أكد وآشور وسومر وإلى اليوم
رؤوف العطار: اللوحة ستحمل معالم حضارات العراق منذ أكد وآشور وسومر وإلى اليوم

ويُشير العطار إلى أن الظروف الصعبة التي يمرّ بها العراق صحيا واقتصاديا أعطته حافزا لإنجاز هذا التحدّي للحصول على جائزة هي الأولى من نوعها للعراق في الفن التشكيلي، بما يعكس صورة إيجابية عن بلده، ولديه فكرة وضع هذه الجدارية بعد إتمامها في مدخل بغداد على طريق المطار لكي يعرّف الزائرين بحضارة وتاريخ بلده التليدين.

ويلقّب العطار في الأوساط الفنية العراقية بـ”صائد الجوائز”، وهو الذي حاز حتى الآن على 75 جائزة وشهادة تقدير عراقية وعربية وعالمية، ودخل في سبع موسوعات عالمية إحداها كانت بالولايات المتحدة، وأخرى بإيطاليا كأفضل فنان لعام 2017، ولديه أيضا جائزتان من فرنسا.

ويتذكّر قائلا “أول جائزة حصلت عليها كانت في تركيا بمشاركة 48 دولة، وكان العراق يشارك للمرة الأولى في هذا المهرجان، وحصلت على الجائزة الأولى فيه، وعراقيا عملت سنتي 2007 و2008 أثناء الاقتتال الطائفي بالعراق وكنت حريصا على إقامة معرض تشكيلي ببغداد على نفقتي الخاصة كل ثلاثة أشهر يضم مئتي لوحة لفنانين محترفين وهواة وطلبة لأكثر من ثلاثين رساما، لإيصال رسالة إيجابية للمجتمع، وحصلت على جائزة سفير السلام العراقي في العام 2019، وقمت بالمشاركة بمعرض تشكيلي بعنوان ‘دستورنا في لوحات’ رسمت خلالها لوحات تجسّد دور المرأة في العراق الجديد”.

وبدأ العطار الرسم وهو في سنّ صغيرة، وشارك في أول معرض فني في عمر السادسة، وأقام معرضا يحمل اسمه وهو في مرحلة الدراسة الابتدائية عام 1993، وبعدها أقام معرضا آخر في المرحلة المتوسطة، وجاء كل ذلك بتشجيع من والده أستاذ التاريخ. ويقول “كنت أرى في الألوان عالما كاملا وجب أن أخوضه، أرى اللوحات والتخطيطات في رأسي وأترجمها على الورق”.

ويُضيف “الرسم كان هواية تحوّلت إلى مهنة عن طريق الدراسة والتعمّق في الألوان وكيفية تطويعها بالطريقة التي نودّ، صحيح أن الفرصة لهذه الدراسة كانت أفضل خارج العراق، إلاّ أن رغبتي في إثبات نجاحي داخل بلدي هي ما دفعني إلى البقاء، وتحقّق ما خطّطت له طول حياتي ونجحت”.

والعطار حاصل على درجة البكالوريوس من كلية الفنون الجميلة قسم التصميم، وماجستير فنون من إيطاليا، إلاّ أن الرسم لوحده لم يكن كافيا، فحصل على درجة الدكتوراه في العلوم الإنسانية من الأردن ويعمل الآن أستاذا جامعيا في أربيل. وأقام الفنان التشكيلي حوالي 25 معرضا شخصيا، وشارك في 150 معرضا بين محلي وعربي ودولي.

ويعتمد الفنان الشاب (39 عاما) بدرجة كبيرة على سرد القصص في لوحاته، وخاصة العراقية منها الحديثة والقديمة كمعرضه “حديث فنجان” الذي روى فيه عبر لوحات مختلفة الأحجام الرموز والقصص التي تظهر في فنجان القهوة حين تقرأها العرافة، وأقام معرضا عن ألوان باطن الأرض التي يستكشفها العلماء في بحوثهم، وحظيت مراحل يوم الحساب أو يوم الدينونة باهتمام العطار فرسم معرضا يتحدّث عنها ويروي قصتها. وهناك معرض مهم آخر للعطار حوّل فيه رواية ألف ليلة وليلة التي تدور قصصها حول بغداد إلى لوحات فنية.

وكانت بدايات العطار في الرسم من خلال المدرسة الواقعية، حيث رسم المناظر الطبيعية والشناشيل والبغداديات، ثم تحوّل إلى التجريدية والسريالية، ليستقر أخيرا على المدرسة التعبيرية والأسلوب الرمزي، وعن ذلك يقول “كان الناقد العراقي الراحل عادل كامل أول الناصحين لي بأن أصنع أسلوبي الخاص مهما تأخّرت بالوقت، وألَّا أتأثر بأحد فأخذت بنصيحته وصنعت بصمتي الخاصة بالأبيض والأسود والرسم بالإبرة والحبر والتفاصيل الدقيقة”.

ويوضّح “أنا أرسم على الجلد واستخدم الحبر والإبرة بالرسم، وهو أسلوب تفرّدت فيه منذ بدايات رسمي وحتى الآن، واستخدم أيضا الألوان المعدنية والتي هي مشتقات الذهب والفضة واللؤلؤ”.

ورغم كل ما تقدّم يعترف الفنان أن عدم توفّر المال “يعدّ أكبر عثرة يمكن أن تواجه فنانا ما”، ويسترسل “أقمت المعارض من دون دعم من وزارة الثقافة أو أية لجنة أو نقابة خاصة بالفنانين، لكن الذي أنقذ الموقف في كل مرة، هو تمكني من بيع جميع لوحاتي في كل معارضي التي أقمتها حتى الآن”.

ويوضّح “رعاية الدولة للمجال الثقافي والفني تذهب لفئة معينة وشخصيات محددة من وزارة الثقافة العراقية دون أن تحظى هذه الشخصيات بما يؤهلها لتصدّر المجال على الساحة العالمية، بالرغم من أن هناك شخصيات فنية عراقية معروفة ولها باع طويل في هذا المجال ومتميزة أيضا بفنها”.

ويقارن الفنان التشكيلي بين التعامل معه في العراق وإيطاليا، قائلا “في إيطاليا ألفوا كتابا عني وعن كيفية شروعي في رسم خط تشكيلي جديد مخصوص لي، وكيف أن هذا الخط لم يتأثّر بأي رسام آخر ويتفرّد بالأفكار وبالأسلوب أيضا، وهذا ما يجب أن يكون دافعا لوزارة الثقافة العراقية لاحتضان الشخصيات العراقية الفنية التي في مثل موهبتي وجعلهم ممثلين رسميين عن الثقافة في المحافل الدولية، إلاّ أن هذا لم يحدث معي مطلقا، ولا حتى في معرض واحد”.

15