ديباجة واحدة للقنوات الفضائية تقضي على تنوع الإعلام في مصر

يعاني الإعلام المصري من تشابه المحتويات المقدمة عبر التلفزيون والصحف وصولا إلى الإذاعة والمواقع الإلكترونية ما أفضى إلى عزوف قطاعات من الجمهور عنه، حيث يخضع لجهات قريبة من دوائر السلطة أو تتبع الحكومة بشكل مباشر ما يطرح تساؤلات عديدة حول أسباب غياب التنوع.
القاهرة- انطلقت قناة “إي.تي.سي” التي يمتلكها رجل الأعمال هاني العتال الأحد السابع من نوفمبر بنفس الأسلوب والشكل والطريقة التي تسير عليها الفضائيات المصرية الأخرى، بل أنها تستعين بعدد من المذيعين الذين تنقلوا بين عدد من القنوات في السنوات الماضية، وتركز على المحتوى ذاته الذي تقدمه غالبية البرامج حاليا.
ومثل باقي الفضائيات فإن القناة الجديدة، التي كانت تعمل من قبل تحت اسم “إل.تي.سي” وتوقفت منذ عام، خصصت برنامج “توك شو” يومي يحمل اسم “مصر الجديدة” يقدمه نقيب الصحافيين بمصر ضياء رشوان والإعلامية إنجي أنور، وبرنامجا رياضيا يقدمه وكيل نقابة الصحافيين محمد شبانة، مع حزمة من البرامج الاجتماعية والفنية والتي تندرج ضمن خطاب الإعلام من أجل الترفيه.

حسن عماد مكاوي: الوصول إلى الجودة يتطلب أن تكون هناك سياسة تحريرية واضحة
واختارت القناة نفس أساليب الجذب التي تستخدمها الفضائيات العاملة حاليا، وتعتمد على شراء المسلسلات العربية والتركية والهندية المدبلجة لعرضها لأول مرة، ورفعت شعار “التوجه إلى الأسرة المصرية والعربية” كإطار عام تنطلق منه فضائيات تقلصت فيها مساحة الحوار السياسي والنقاش الثقافي لحساب زيادة الترفيه والتسلية.
وفي الوقت الذي تتجه فيه رؤوس الأموال في مجال الإعلام على مستوى الجهات الحكومية والخاصة نحو تدشين قنوات ترفيهية ورياضية، فإن القناة الإخبارية التي طالما تحدث عنها القائمون على الإعلام لم تر النور إلى الآن.
وينغمس الإعلام المصري في محليته التي جعلته غير قادر على مواكبة الأحداث العالمية حتى مع تطوير القناة الإخبارية “اكسترا نيوز” التي لم تنج من فخ الاستغراق في الشأن المحلي، وأخفقت في مواكبة نماذج عربية كثيرة.
ومن المقرر أن تنطلق قناة “النهار رياضة” قبل نهاية العام الجاري، وقد أغلقت منذ سنوات جراء أوضاع سياسية وأمنية مضطربة انعكست على عدم استقرار المسابقات الرياضية لتكون امتداداً لست قنوات رياضية تعمل حاليا.
وأضحت البرامج الرياضية تقليدا متبعا في كافة القنوات التي تلعب على وتر جذب الجمهور من خلال مشاحنات اللاعبين والمحللين المنتمين إلى فريقي الأهلي والزمالك.
وأرجع أحد الإعلاميين والذي شارك في تأسيس عدد من القنوات الفضائية التشابه الملحوظ إلى سيطرة عدد محدود من الوكالات الإعلانية على السوق بوجه عام التي تتحكم في المحتويات التي تقدمها القنوات، وكانت سببًا في فشل قنوات تابعة لاتحاد الإذاعة والتلفزيون بعد أن سحبت الإعلانات لصالح فضائيات تقوم على الترفيه.
وأوضح الإعلامي الذي رفض ذكر اسمه لـ”العرب” أن الأزمات الاقتصادية التي مرت بها وسائل الإعلام بوجه عام في سنوات الماضية دفعت أصحاب رؤوس الأموال إلى رفض المجازفة بأي محتويات سياسية أو جادة يمكن أن تؤدي إلى خسائر مادية، وعدم القدرة على الاستمرار حال ابتعدت عن التوجهات الرسمية، وبدا أن هناك طريقا واحدا يسير فيه الجميع لضمان تحقيق الأرباح وهو البرامج الاجتماعية الخفيفة والترفيهية.
ويتفق خبراء الإعلام على أن هيمنة جهة واحدة على الجزء الأكبر من السوق الإعلامي تعد السبب الرئيسي لغياب التنوع، حيث يقود الإعلام في طريق يقوض قدرته على التعبير عن الاتجاهات المختلفة في ظل غياب التخطيط الدقيق من جانب الجهات المسؤولة عن تنظيم العملية الإعلامية.
وقال الإعلامي محمد سعيد محفوظ رئيس مؤسسة “ميديا توبيا” إن السوق الإعلامي في مصر يفتقد إلى العقل القادر على ابتكار أفكار وقوالب جديدة في صناعة المحتوى تكون قادرة على تشكيل وتوجيه الوعي العام، وليس فقط مجاراته، ومعظم الكوادر الإدارية المحلية تغلب عليها مهارة تشغيل الموظفين والاستوديوهات أكثر من مهارات تقييم المحتوى وتطويره، كما تفتقد إلى روح المنافسة والاطلاع على الجديد في العالم.

محمد سعيد محفوظ: السوق الإعلامي يفتقد إلى العقل القادر على ابتكار أفكار جديدة
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن ما ساعد على تفشي هذه الظاهرة هو تغير نموذج الملكية السائد إلى الاحتكار، وتغلغل جهات حكومية في تفاصيل العمل اليومي بالقنوات العامة والخاصة لاعتبارات متباينة، ما حوّل القائمين على الإدارة في كثير من الكيانات الإعلامية إلى مجرد منفذي سياسات لا يشاركون بالضرورة في رسمها أو صياغتها.
ولا يعتبر محفوظ أن المشكلة في عمق المحتوى المقدم لكن في طريقة معالجته وتقديمه، لأن الفترة الأخيرة شهدت إنتاج أعمال توثق لبطولات ومراحل هامة في التاريخ الحديث، لكن معظمها لم يلق الرواج المأمول في أوساط الشباب لفقدان الثقة في الإعلام التقليدي بوجه عام، والإخفاق في ابتكار سبل إبداعية جديدة لتقديم المحتوى تجذب الشباب وتنتزعهم من المنصات الرقمية البديلة، ومن ثم تحقيق التأثير المنشود.
وتجد الجهات القائمة على تنظيم الإعلام المصري في القنوات الترفيهية نموذجاً مريحاً بالنسبة إليها، إذ أن تدخلاتها في وقف أي برامج أو محتويات تتنافى مع الأخلاق العامة أو القيم الأسرية والاجتماعية دائما ما يجري الترويج لها باعتبارها مسألة إيجابية تخوض معترك إنهاء حالة الفوضى الإعلامية، في حين أن تدخلاتها خاصة في القضايا السياسية معرضة لانتقادات تتهمها بالتضييق على حرية الإعلام.
وذهب خبراء إعلام إلى التأكيد على أن القائمين على مجال الإعلام أدركوا نوعية الجمهور الذي ما يزال يتابع الإعلام التقليدي، وهم فئات كبار السن وربات البيوت وجمهور مباريات كرة القدم، وتوجهوا إليهم بالمحتويات التي تناسبهم من دون بذل المزيد من الجهد لجذب القطاعات التي عزفت عن المشاهدة، وهو ما يفسر طغيان قنوات الطهي والأفلام والمسلسلات والبرامج الرياضية والترفيهية.
وأشار أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة حسن عماد مكاوي إلى أن الإعلام المصري لا يواجه فقط أزمة إهمال الكيف على حساب الكم، لكن حتى مع كثرة القنوات لا يوجد محتوى متنوع يمزج بين السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإنساني بما في ذلك الضيوف الذين تتم استضافتهم وينتقون بعناية ويتنقلون بشكل يومي بين القنوات مع تجاهل باقي الشخصيات التي تعبر عن فئات المجتمع المختلفة.
البرامج الرياضية أضحت تقليدا متبعا في كافة القنوات التي تلعب على وتر جذب الجمهور من خلال مشاحنات اللاعبين والمحللين المنتمين إلى فريقي الأهلي والزمالك
وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن الوصول إلى الجودة المرجوة يتطلب أن تكون هناك سياسية تحريرية واضحة لكل قناة على حدة تعبر عن هويتها وشخصيتها، إلى جانب الاهتمام بتدريب الكوادر الإعلامية التي تمارس العمل على الشاشات وتكون مدركة لطبيعة الرسالة المهنية التي تقدمها.
وشدد على أهمية التخلي عن جماعات المصالح التي تستحوذ على المناصب القيادية داخل القنوات التي أفرزت عددا ضئيلا من الإعلاميين لديهم القدرة على الوصول إلى تلك القنوات، لافتا إلى أن التطورات المتلاحقة على مستوى التدريس لم تنعكس على مستوى الجودة، لأن خريجي الكليات المتخصصة في مجال الإعلام لا يجدون فرصة لترجمة ما درسوه.