"دي.أن.إيه" دراما لبنانية ترصد تعقيدات المجتمعات المخملية

المسلسل استطاع شد انتباه المشاهد عبر قصة تحفل بالكثير من علامات الاستفهام حول عائلة الحفار وأسرارها الغامضة.
الخميس 2021/06/10
محاولة اغتيال تكشف أسرارا غامضة

قصص المسلسلات قد تكون غريبة، لكنها رغم غرابتها تبدو متسقة أحيانا مع الواقع، ومثال ذلك المسلسل اللبناني “دي.أن.إيه” المستمد من قصة واقعية أضافت إليها الكاتبة ريم حنا الكثير من علامات الاستفهام، ودعّمها المخرج المثنى صبح بالمزيد من التشويق والغموض.

بيروت – يقدّم المسلسل اللبناني “دي.أن.إيه” موضوعا معقّدا وبسيطا في نفس الوقت، إذ يروي تعقيدات الروابط العائلية لدى المجتمعات المخملية، والطريقة التي تتعامل بها مع ما يواجهها من مشكلات آخذة بعين الاعتبار وجود صحافة تترصّد أخبارهم.

ويعدّ المسلسل واحدا من العروض الأصلية لمنصة “شاهد في.آي.بي” التابعة لشبكة قنوات “أم.بي.سي” التي أعادت بثه مؤخرا، من إخراج المثنى صبح ومن بطولة كلّ من معتصم النهار ودانييلا رحمة وعمار شلق وساشا دحدوح ووسام سعد وأليسار حموش وتمار أفاكيان وآخرين.

ويبدأ العمل المكوّن من عشر حلقات بحدث يلفّه الغموض، عندما يتعرّض “كريم الحفّار” ويجسّد دوره معتصم النهار، لمحاولة اغتيال من جهات مجهولة، ولكنه رغم ذلك لا يذكر أي معلومات عن الجريمة أو عن نفسه أمام المحقّق.

في المقابل، نجد “وليد بركات” (عمّار شلق) المحقّق المهووس بكشف الحقائق وحل الألغاز، زاد هذا الصمت من فضوله، وهو ما دفعه إلى تشديد المراقبة على كريم.

فيصبح كريم ووليد محورا للأحداث في إطار الميزات الشخصية للاثنين؛ فالأول يتقن فن الاحتيال، والثاني محقّق يضع كشف الحقائق على رأس قائمة أولوياته، يفعل أي شيء لأجل ذلك.

كما تظهر معهما “آية الحفّار” (دانييلا رحمة) الشابة المتعافية حديثا من إدمان المخدرات، وتتشارك قصتها مع تواتر أحداث المسلسل من ادعاء شاب تعرّض لمحاولة تصفية، لهوية ليست له في مقابل خوفه من الكشف عن هويته الحقيقية، وتزداد الألغاز والغموض، عندما تبدأ سلسلة من الأكاذيب المترابطة ضمن صراع مرير بين الجور والعدالة.

والعقدة التي يبدأ بها العمل هي أن عائلة الحفّار فقدت ابنها كريم قبل 14 عاما، لكن عامل نظافة وجده فوق أحد مكبات القمامة، مصابا بثلاث رصاصات، ادعى حين عاد من الموت بعد العلاج والاستجواب أنه الابن المفقود للعائلة المرموقة.

ورغم تعرّف العائلة على ابنها الضال بمجرد رؤيته، ودون التحقّق عبر فحص الحمض النووي “دي.أن.إيه” من صدق ادعائه، أصر المحقّق وليد على مواصلة البحث في القضية، خاصة مع ظهور مؤشرات تعكس عدم صدق الشاب الذي ادعى أنه الابن كريم الحفّار.

صراع الجور والعدل
صراع الجور والعدل

وفي سبيل حلحلة القضية، يلجأ المحقّق إلى سرقة تسجيلات الجلسات النفسية التي تجريها آية شقيقة كريم في إحدى العيادات النفسية، ليتأكّد بعد سماع التسجيلات أن الشاب ليس الابن، وأنه منتحل شخصية، دون فهم الأسباب التي جعلت عائلة الحفّار، بمن فيها الأم، تقبل الشاب باعتباره فردا من العائلة، وتتستّر على أكاذيبه.

هنا تتصاعد الحبكة لتكشف هوية الشاب المنتحل الشخصية بشكل تدريجي، فالشاب هارب من علاقة جدية مع فتاة يحاول والدها تسخير نفوذه وسطوته لإعادته من قبرص إلى لبنان، وتزويجه ابنته، إثر علاقة مستعجلة دون أبعاد، أقامها الشابان وكشفها والد الفتاة.

أما دواعي قبول عائلة الحفّار شابا غريبا سيحصل على بعض إرثهم، فهي أسباب اجتماعية بحتة تعكس رغبة عائلات من هذا النوع بابتلاع الألم أيا كان حجمه، في سبيل ستره وعدم افتضاحه، بما يشوّه صورتها أمام الرأي العام، وإن كانت نجومية الأسر الثرية واحتكاكها بالصحافة محدودين على النطاق العربي.

وتسعى الأسر الغنية العربية لإبعاد نفسها عن الكاميرات، إما لأسباب طبقية تحاول خلالها الأسرة البقاء على مسافة من العامة، وإما خوفا من الحديث عن مصادر الدخل وشرعيتها، إضافة إلى عدم امتلاك الصحافة العربية هذا الترف في تغطية أخبار عائلات محاطة بالبهرج والنفوذ، والسطوة الأمنية في بعض الأحيان بشكل مباشر أو عبر الصداقات، وهذا ما يفقد العمل ملامسته للمشاهد العادي الذي ينظر بحسرة للكثير ممّا تستعرضه لقطات العمل.

ويردّ المسلسل أخطاء البطل لنشأته وظروفها، وينسب أخطاء اليوم إلى نشأته في ملجأ للأيتام بمرحلة الطفولة، في إشارة إلى انعدام ظروف الراحة والرعاية في هذه المؤسّسات التي لا تدافع عن نفسها أمام التنميط الدرامي، وبنفس الوقت فإن البلدان التي تسعى لبسط قبضتها الأمنية بالقوة، لا تعير انتباها لكيفية نشأة الأطفال مجهولي النسب.

ويعتمد العمل لتمرير حبكته التي تجود بالمصادفات المدبّرة، على مساحة كوميدية خلقتها الكاتبة وحركتها في شخصية المحقّق وليد بركات ومساعده “رواد”، لكن توقيف شخص وإبقاءه وحيدا طوال الليل في مكتب ضابط أمن، ثم اختراقه بيانات الداخلية ليقع نظره على اسم شاب مفقود تقود المصادفة أيضا إلى ثراء عائلته، وحساسيتها تجاه الفضائح، كل ذلك يُبعد المسلسل عن معالجة قضية معاصرة تهم شريحة واسعة من الناس، ويقرّبها من الإمتاع والترفيه، وهي أبرز وظائف الدراما، دون الاهتمام كثيرا بمنطقية ما يراه المشاهد.

ورغم كل ما تقدّم، بدا الإخراج في المسلسل علامة تُسجّل كإضافة للمثنى صبح الذي استطاع أن يقدّم الإثارة والتشويق في قصة ريم حنا بطريقة تأسر المُشاهد، لكنها لم تخلُ من التفاصيل غير المفهومة أحيانا.

ففي دقائق العمل الأخيرة يظهر كلّ من دانييلا ومعتصم وسائق التاكسي ورسام الوشوم بالكمامة، ربما لإضفاء شيء من الواقعية على العمل الذي تم تصويره في ظروف انتشار فايروس كورونا الصعبة، لكنها كانت غير مبرّرة في قصة المسلسل.

ويستحق “دي.أن.إيه” جزءا ثانيا منه لإيضاح بعض تفاصيله التي بقيت غامضة للمُشاهد، وهو ما يعمل على إنجازه طاقم العمل.

Thumbnail
16