دمشق تشدد قيود تجارة الوقود

محاولات شاقة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد من أجل سدّ عجز الموازنة.
الثلاثاء 2020/03/03
متاعب السوريين مع الأسعار لا تنتهي

اضطرت دمشق إلى تشديد قيود تجارة الوقود وزيادة أسعاره في محاولة لترقيع أزماتها المالية الخانقة. ويرجح مراقبون أن تؤدي الإجراءات إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية للفئات الفقيرة ومحدودة الدخل، رغم أن الأسعار الجديدة تشير إلى أن دمشق تواصل دعم أسعار الوقود، بعد انهيار سعر صرف الليرة.

دمشق - استفاق السوريون مطلع هذا الأسبوع على وقع زيادة مفاجئة جديدة في أسعار الوقود، تنذر بتفاقم معاناة شريحة واسعة نتيجة غليان الأسعار بسبب انحدار العملة المحلية وبلوغ الدولار أكثر من ألف ليرة.

ويعاني معظم السكان من ظروف معيشية صعبة مع تفشي البطالة وشلل النشاط الاقتصادي في ظل انهيار التوازنات المالية وتبخر احتياطيات دمشق من العملة الصعبة.

وأصدرت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك قرارا نشرته مطلع الأسبوع على موقعها الالكتروني برفع أسعار مادة البنزين بكل أنواعه بنحو 11 في المئة.

وبموجب القرار أصبح لتر البنزين أوكتان 90 المدعوم يباع بنحو 250 ليرة (0.25 دولار بحسب أسعار الصرف السوق السوداء)، في حين ارتفع سعر البنزين أوكتان 90 غير المدعوم إلى 450 ليرة (0.45 دولار) وسعر أوكتان 95 غير المدعوم إلى 575 ليرة (0.57 دولار).

وتكشف الخطوة بوضوح مدى تضاؤل هامش المناورة للحكومة لتمويل موازنة 2020 في ظل التحديات المالية، التي يرى خبراء أنه لا حل لها خاصة مع انقطاع مصادر تمويل دمشق، التي كانت تأتي من إيران وتهريب العملة من لبنان.

وصادق الرئيس بشار الأسد على الموازنة البالغ حجمها 9.2 مليار دولار، من دون أن تلحظ الحكومة عجز قطاع الكهرباء الذي مني بأضرار كبيرة خلال الحرب المستمرة منذ أكثر من تسعة أعوام.

وتعتبر هذه الزيادة الثانية في غضون أقل من عام، ففي أبريل الماضي، امتدت أزمات نقص الوقود في المناطق الخاضعة للحكومة السورية إلى البنزين، بعد أشهر من نقص حاد في إسطوانات الغاز والمازوت.

زيادة أسعار الوقود تفاقم أعباء المواطنين السوريين، رغم أن دمشق لا تزال تدعم الأسعار بشكل كبير

وتصاعدت في ذلك الوقت حالة الاحتقان بين المواطنين لاسيما أصحاب سيارات الأجرة الذين يضطرون للوقوف في طوابير أمام محطات الوقود.

وتوزع مادة البنزين المدعوم عن طريق البطاقة الذكية، ضمن حصص شهرية تعادل 100 لتر بالنسبة للسيارات الخاصة، وكل استهلاك يزيد عن تلك الحصة يتم الحصول عليه بطريق البيع الحر، وبالسعر المضاعف من البنزين غير المدعوم.

ونسبت صحيفة الوطن المحلية المقربة من النظام السوري لخبير نفطي لم تكشف عن هويته قوله إن “وزارة النفط تعتبر أن رفع سعر لتر البنزين أسهل من رفع تسعيرة أي مادة أخرى، لأن أثره المباشر محدود على المواطنين، على عكس المازوت والغاز اللذين يعتبران من الاحتياجات الأساسية
والضرورية”.

واستبعد الخبير الذي يعمل في الشركة السورية لتخزين وتوزيع المواد البترولية (محروقات)، إمكانية إقدام الحكومة على زيادة أسعار المازوت والغاز في الوقت الحالي.

ويخشى السوريون من تبعات قرار تخفيض الدعم على هاتين المادتين كونه سيؤثر مباشرة على بدلات التنقل وأسعار السلع التي يتم نقلها عبر آليات تستخدم البنزين.

وأكد الخبير السوري أن رفع سعر المازوت والغاز يؤثر على قطاعات حيوية مثل النقل والصناعة والمواد الغذائية، وبالتالي يتأثر المواطنون بشكل كبير نظرا للأعباء الإضافية التي سيتكبدونها.

وكانت وزارة النفط قد أصدرت العام الماضي تعميما ينص ولفترة محدودة، على تخفيض كمية البنزين اليومية المسموح بها للسيارات الخاصة من 40 لترا إلى 20 يوميا.

كما خفّضت في تعميم آخر الكمية إلى 20 لترا كل يومين، على ألا تتغير الكمية المسموح استهلاكها شهريا عن 200 لتر، وهي الكمية المدعومة.

وأظهرت دراسة محلية تم نشرها قبل أشهر أن متوسط استهلاك أكثر من 90 في المئة من السيارات هو نحو 120 لترا شهريا، وبالتالي ترى دمشق أن هذه الكمية هي التي تستحق الدعم.

نقص حاد في المشتاقات النفطية
نقص حاد في المشتاقات النفطية

وتعاني سوريا منذ سنوات من نقص حاد في بعض المشتقات النفطية والمواد الرئيسية، إذ شهدت شحا في إسطوانات الغاز التي تستخدم للتدفئة خصوصا خلال فصل الشتاء، كما انقطع حليب الأطفال من الأسواق.

ومُني قطاع النفط بخسائر كبرى خلال سنوات النزاع، بينما لا تزال غالبية حقول النفط والغاز تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة أميركيا، في شمال وشرق سوريا.

وألقت دمشق مرارا المسؤولية على العقوبات الاقتصادية التي تفرضها دول عدة عربية وأوروبية فضلا عن الولايات المتحدة على سوريا، ما يحول دون وصول العبّارات التي تحمل المشتقات النفطية إلى البلاد.

وتستهلك سوريا يوميا وفق وزارة النفط، 4.5 مليون لتر بنزين، بينما يصل حجم الدعم اليومي للمشتقات النفطية إلى 2.76 مليون دولار.

وتشير التقديرات إلى أن إنتاج سوريا قبل اندلاع النزاع في 2011 بلغ نحو 400 ألف برميل نفط يوميا، أكثر من نصفها للاستهلاك المحلي والباقي للتصدير. أما اليوم فلا تتجاوز نسبة الإنتاج 14 ألف برميل.

وكان وزير النفط علي غانم قد قال للتلفزيون الرسمي في فبراير العام الماضي إن “خسائر القطاع النفطي المباشرة وغير المباشرة تزيد على 74 مليار دولار منذ بداية الأزمة”.

10