دمشق تستعيد خان شيخون على وقع تخبط تركي

استعادة مدينة خان شيخون تعد إنجازا نوعيا في مسار مساعي الحكومة السورية لاستعادة محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة جماعات جهادية ومقاتلة مدعومة من تركيا، ويقول المراقبون إن أنقرة تبدو في موقف صعب في ظل ضغوط روسية عليها لإخلاء نقاط المراقبة المنتشرة في المحافظة.
دمشق – باتت مدينة خان شيخون الاستراتيجية عمليا تحت سيطرة الجيش السوري، بعد انسحاب الفصائل الجهادية والمقاتلة منها، لتصبح أكبر نقطة مراقبة تركية موجودة في المنطقة بموجب تفاهم بين أنقرة وموسكو تحت مرمى نيران الجيش وسط أنباء عن مفاوضات روسية تركية بشأن إخلائها.
وحذرت أنقرة الثلاثاء دمشق من “اللعب بالنار” غداة إعلانها تعرض رتل عسكري تابع لها لضربة جوية أثناء توجهه إلى نقطة المراقبة التركية جنوب خان شيخون، بينما دعت موسكو تركيا ضمنيا إلى إخلاء تلك النقاط المنتشرة في إدلب ومحيطها.
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو خلال مؤتمر صحافي “كما قلنا سابقا، سنفعل كل ما يلزم لضمان أمن عسكريينا ونقاط المراقبة الخاصة بنا”.
وأضاف أوغلو أن تركيا “لا تنوي نقل نقطة المراقبة التاسعة في إدلب السورية إلى مكان آخر”، في دلالة على أن الهدف الأساس لتركيا من تلك النقاط ليس ضمان تطبيق اتفاق سوتشي بقدر ما هو تثبيت مركز نفوذ.
وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان الثلاثاء بانسحاب “هيئة تحرير الشام والفصائل المعارضة من مدينة خان شيخون ومن ريف حماة الشمالي، فيما تعمل قوات النظام على تمشيط المدينة”.
ونفت هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) الانسحاب من ريف حماة الشمالي. وأشار متحدث باسمها على حساب الهيئة على تطبيق تيليغرام إلى “إعادة تمركز” قواتها جنوب خان شيخون.
بالمقابل أشارت الجبهة الوطنية للتحرير، وهي تحالف آخر لمقاتلي المعارضة تدعمه تركيا، إلى أن قواتها غادرت مواقع بات من العسير تأمين خطوط إمدادها وأعادت الانتشار في مواضع أخرى نتيجة للقصف في منطقة شمال حماة.
وأضافت في بيان “لم يغادر الثوار المقاتلون شبرا من الأرض إلا بعدما أذاقوا العدو فيه بأسا شديدا”. وقال المرصد والمصدر العسكري الموالي لدمشق إن مقاتلي المعارضة انسحبوا إلى نقطة المراقبة التركية في بلدة مورك إلى الجنوب من خان شيخون في محافظة حماة.
وتسيطر هيئة تحرير الشام على غالبية محافظة إدلب والمناطق المحاذية لها، حيث تنتشر أيضا فصائل معارضة أقل نفوذا بعضها منضو ضمن تحالف الجبهة الوطنية للتحرير.
وجاء انسحاب الفصائل بعد سيطرة الجيش السوري المدعوم من روسيا على أكثر من نصف المدينة، وتمكنه من قطع طريق حلب – دمشق الدولي أمام تعزيزات عسكرية أرسلتها أنقرة وكانت في طريقها إلى ريف حماة الشمالي، حيث توجد أكبر نقطة مراقبة تركية في بلدة مورك.
ويمر جزء من هذا الطريق في إدلب، وهو يربط مدينة حلب (شمال) بدمشق، ويقول محلّلون إنّ النظام يريد استكمال سيطرته عليه.
وقال مدير المرصد رامي عبدالرحمن “باتت نقطة المراقبة التركية في مورك بحكم المحاصرة، ولم يبق أمام عناصرها إلا الانسحاب عبر طرق تحت سيطرة النظام ميدانيا أو ناريا”.
وكانت أنقرة أعلنت الاثنين تعرض رتلها إثر وصوله إلى ريف إدلب الجنوبي لضربة جوية، تسببت في مقتل ثلاثة مدنيين، لكن المرصد أكد أنهم من مقاتلي المعارضة.
ولم يتمكن الرتل، المؤلف من قرابة خمسين آلية من مصفّحات وناقلات جند وعربات لوجستية بالإضافة إلى خمس دبابات على الأقل، من إكمال طريقه إلى مورك بعد تعرض مناطق قريبة منه للقصف وفق المرصد، ما دفعه إلى التوقف منذ بعد ظهر الاثنين على الطريق الدولي في قرية معر حطاط شمال خان شيخون.
وتتعرض طرقات مؤدية إلى المنطقة الثلاثاء لقصف جوي. وإدلب مشمولة باتفاق روسي تركي لخفض التصعيد واتفاق آخر تمّ توقيعه في سوتشي في سبتمبر نصّ على إنشاء منطقة منزوعة السلاح تفصل بين الجيش السوري والفصائل على أن ينسحب الجهاديون منها. وجنّب الاتفاق إدلب هجوما لطالما لوّحت دمشق بشنّه، وإن كان لم يُستكمل تنفيذه، بسبب ما تعتبره دمشق مماطلة من تركيا.
واتهم وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الثلاثاء “الجهاديين” بخرق الاتفاق “على مرأى من المراقبين الأتراك، مشيرا إلى وجود جنود روس محذرا من مغبة المساس بهم في ما بدا رسالة موجهة إلى تركيا والتنظيمات الجهادية.
وذكر لافروف أن “الإرهابيين يسيطرون على 90 بالمئة من مساحة إدلب.. ويشنون هجماتهم من مناطق تواجد نقاط المراقبة التركية”، في رسالة إلى أنقرة بضرورة إخلاء تلك النقاط التي انتفت موجبات وجودها.
وغداة تنديد دمشق بالتحركات التركية، أكد الرئيس بشار الأسد الثلاثاء عزمه استعادة كافة الأراضي الخارجة عن سيطرته.
واعتبر الأسد خلال استقباله وفدا روسيا أن “المعارك الأخيرة في إدلب كشفت لمن كان لديه شك عن دعم أنقرة الواضح وغير المحدود للإرهابيين”.
وأوردت صحيفة الوطن المقربة من دمشق في عددها الثلاثاء أن الجيش السوري وجّه الاثنين “إشارات تحذير واضحة لأي محاولة إنعاش تركية جديدة للإرهابيين”.
ويقول الباحث المتابع للشأن السوري سامويل راماني إن هدف دمشق من اتهام أنقرة بـ”التدخل” العسكري هو أن “تُظهر تركيا وليس الجيش السوري، وكأنها المنتهكة الأبرز لاتفاق سوتشي”.
وتنشر أنقرة بموجب هذا الاتفاق 10 نقاط للمراقبة في إدلب. وتتهمها دمشق بالتلكؤ في تطبيقه.
ويقول الباحث في مجموعة الأزمات الدولية سام هيلر “أثبتت دمشق وحليفها الروسي أن نقاط المراقبة التركية قد تعقّد التقدم العسكري على الأرض، في ظل رغبتهما في تجنب إيقاع ضحايا في صفوف الجنود الأتراك، إلا أنّ هذه النقاط لا تكفي لردعهما عن المضي قدما”.
ومن غير الواضح وفق هيلر، ما إذا كانت دمشق بدعم روسي ستواصل تقدمها ميدانيا أم ستكتفي بتثبيت مواقعها الجديدة.
واستهدف القصف الثلاثاء مناطق عدة شمال خان شيخون بينها قرية بينين. وتسبّب التصعيد حتى الآن في مقتل أكثر من 860 مدنيا وفق المرصد، ونزوح أكثر من 400 ألف شخص، وفق الأمم المتحدة.
وتشهد سوريا نزاعا داميا تسبّب منذ اندلاعه في 2011 في مقتل أكثر من 370 ألف شخص وأحدث دمارا هائلا في البنى التحتية وأدى إلى نزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.