دكة "شاهد"

عندما دخلت نتفليكس عالم الإنتاج الدرامي عام 2013، كان أول مسلسل قدمته هو “بيت من أوراق اللعب”. فكرة المسلسل جاءت من مسلسل بريطاني عرض عام 1990. إلى يومنا هذا، لا يزال مسلسل نتفليكس يعد فتحا في عالم الدراما التلفزيونية المعدة خصيصا للبث التدفقي. لا شك أن مسلسلات درامية كثيرة سبقته إلى الشهرة، إلا أنها كانت مسلسلات أعدّت للبث التلفزيوني. ما ميز “بيت من أوراق اللعب” هو مستواه. فعلى الرغم من أنه أعدّ للبث التدفقي، إلا أنه كصنعة درامية قادر على أن ينافس أيّ مسلسل آخر.
تدربت الدراما في العالم على مراحل. المسلسلات الأميركية تجسد تراكم الخبرة في المسرح والسينما. نفس الشيء يقال عن الدراما المصرية والسورية التي غزت الفضائيات العربية. نجاح الدراما العربية كاد يقضي على صناعة السينما في عالمنا. هذا من قبل انطلاقة صناعة البث التدفقي في منطقتنا.
البث التدفقي في عالمنا العربي ذو مستقبل مشرق. يكفي مقارنة كلفة إنتاج مسلسل مصري مع كلفة إنتاج مسلسل في هوليوود. منصة مثل “شاهد” تستطيع شراء الأعمال الدرامية بأسعار زهيدة، بالمعايير العالمية، لكنها تطلب مبلغ اشتراك يناهز ما تطلبه المنصات الأميركية بحساب فروقات معدلات الدخل بين عالمنا العربي والغرب. وإذا أخذنا بالاعتبار أن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعدد سكان تجاوز 400 مليون، فإن السوق مبشرة لمثل هذه الخدمات، حتى بوجود القرصنة. زد على ذلك ربما سوق من 50 مليونا أو أكثر من الناطقين بالعربية من المهاجرين لأوروبا وأميركا الشمالية.
لكن “شاهد” أو أمثالها من المنصات، عليها أن تقتدي بنموذج نتفليكس. النموذج التقني مهم، أي أن تكون المنصة قادرة على تقديم خدماتها من دون تباطؤ وتعثر. لكن الأهم هو النموذج الفني الذي يعكس الاختيارات. منصة مثل “شاهد” ينبغي أن تكون في غاية الاحتراف، وليست منصة تشجيعية لتقديم الأعمال ذات المستويات المتواضعة.
في مصر مثلا، تقسم جوائز الدولة للثقافة والأدب إلى مجموعتين، واحدة تقديرية وأخرى تشجيعية. هذان تصنيفان مهمان، لأن من الضروري عدم الخلط بين مستويين، بين المحترف والتشجيعي.
من الضروري تشجيع الإنتاج الدرامي السعودي. لكن ملكية المنصات وتمويلها لا يعنيان أن تتسرب الأعمال الدرامية الضعيفة إليها فقط لأنها سعودية أو خليجية. هذا لا يؤثر فقط على مستوى ما تقدمه المنصة من دراما وأعمال، بل يصنع وهما لدى صناع المحتوى في الدراما بأن أعمالهم محترفة وقادرة على المنافسة وتقديم الترفيه أسوة بما يقدم من دراما مصرية أو سورية أو لبنانية. وبدلا من حثهم على التطور في الصنعة والأداء، ننتهي بأعمال غارقة باللامعقول من حيث الحكاية والتصوير والملابس وأسلوب التناول. لا شك أن هناك قنوات بث محلية يمكن أن تكون منصات تشجيعية للأعمال الدرامية ذات المستوى المتواضع. بل ويمكن القول إن زمن صنّاع المحتوى هؤلاء سيأتي ويتطورون وينافسون.
من المهم أن نتذكر أيضا أن هذه المنصات لا تقدم خدماتها مجانا الآن مثلما كان حال الفضائيات. صحيح أن ما يدفعه المشترك هو مبلغ زهيد نسبيا، لكنه ينتظر أن تقوم المنصة بمهمة توجيه الاختيارات نحو دراما محترفة وعميقة تعكس تطورات منطقتنا الاجتماعية والسياسية، أو أن تتناول حوادث التاريخ بنظرة موضوعية جادة.
هذه النظرة للعمل الدرامي تجعل مشروعا رائدا مثل “شاهد” منصة اختيار يقبل عليها المشاهد العربي، وليس “دكة” احتياط لمسلسلات مفتعلة لا فن فيها ولا روح.