دعم نقابي يضمن تنفيذا سلسا لخطة توطين الوظائف في سلطنة عُمان

الصعوبات الاقتصادية التي واجهتها سلطنة عمان بسبب تذبذب أسعار النفط وجائحة كورونا، وما ترتّب عنها من تبعات اجتماعية أطلقت جهدا وطنيا عاما لتجاوز الأزمة، تميّز بحالة من التناغم والتضامن بين السلطات والفعاليات الاقتصادية والاجتماعية، جسّدها انضمام النقابات العمالية لجهود توفير الوظائف للمواطنين كمطلب آني عاجل.
مسقط – جاء إعلان الاتّحاد العام لعمّال سلطنة عمان لموقفه من بدء تطبيق قرار وزاري يهدف لإعادة تنظيم استقدام الأيدي العاملة من الخارج، ليعكس تناميَ دور النقابات العمّالية في السلطنة واكتسابها صوتا مسموعا لدى السُّلطة، ليس فقط في مجال الاعتناء بشؤون العمال وحقوقهم، ولكن أيضا في عملية إعادة ترتيب أوضاع سوق الشغل وإزالة اختلالاته المتراكمة على مدى عشريات من الزمن وأبرزها غرقه بالوافدين على حساب المواطنين، وهي المشكلة التي وصلت مرحلة حرجة ولم يعد بالإمكان السكوت عنها بعد التظاهرات الأخيرة للعاطلين عن العمل.
وأكّد الاتحاد أن تطبيق القرار الوزاري الخاص بتعديل رسوم إصدار وتجديد تراخيص استقدام القوى العاملة غير العُمانية ومزاولة عملها ضمن المهن العليا والمتوسطة والمهن الفنية والتخصصية المحددة، ستكون له انعكاساته الإيجابية على سوق العمل وعلى الاقتصاد العُماني والقطاعات الاقتصادية بشكل عام في السلطنة.
وشرعت السلطنة مؤخرا في تسريع عملية توطين الوظائف عبر سلسلة من الإجراءات والقرارات المشجّعة على توظيف العمانيين بدل الوافدين الذين بلغت نسبتهم وفق إحصائيات سنة 2020 أكثر من 41 في المئة من إجمالي سكان السلطنة.
وأعلنت وزارة القوى العاملة العمانية مؤخّرا أن مطلع يونيو الجاري هو موعد بدء تطبيق القرار المذكور الذي كانت الوزارة نفسها قد أصدرته في نوفمبر الماضي، ونصّ على الترفيع في رسوم التراخيص باستقدام العمال من الخارج وتجديدها وكذلك رسوم تسجيل البيانات حسب المهن والاختصاصات.
وقال نبهان بن أحمد البطاشي رئيس مجلس إدارة الاتحاد العام لعمال السلطنة في تصريح لوكالة الأنباء العُمانية “إنّ هذا القرار يأتي مواكبا لرؤية عُمان 2040، من حيث ارتباطه بتصنيف السلطنة ضمن مؤشر التنافسية العالمي وزيادة متوسط نصيب الفرد في الناتج المحلي والناتج الإجمالي الحقيقي”.
والرؤية المشار إليها في كلام البطاشي عبارة عن خطة تنموية من ثلاثة محاور أساسية هي: الإنسان والمجتمع، والاقتصاد والتنمية، والحوكمة والأداء المؤسسي، ومن أبرز أهدافها تنويع الاقتصاد العماني والحدّ من ارتهانه للنفط وتعزيز تنافسيته.
واعتبر البطاشي أنّ القرار يساعد في إيجاد فرص لإحلال القوى العاملة الوطنية محل الوافدة مما سيفتح آفاقا جديدة لها ويطور مهاراتها في وظائف وقطاعات جديدة، متوقّعا أن تكون له أبعاد اقتصادية وأخرى اجتماعية، وأن يفتح المجال للعمانيين لتطوير مهاراتهم في أي منصب بأي قطاع وإثبات جدارة الكفاءات الوطنية في إدارة دفة القطاعات الحيوية.
كما أشار إلى دور الأوضاع الاقتصادية الحالية في تسريع عملية مراجعة وإعادة النظر في بعض القرارات وإيجاد معالجات سريعة لصالح الكفاءات الوطنية.
وواجهت سلطنة عمان صعوبات اقتصادية ومالية بسبب التراجع الكبير في أسعار وما فرضته جائحة كورونا من قيود على عدد من الأنشطة الاقتصادية بما ذلك النشاط السياحي الذي تعتمد عليه السلطنة كمصدر إضافي لتمويل موازنتها. وكان أبرز تجسيد للأزمة تظاهر مواطنين عمانيين الأسبوع الماضي للمطالبة بالوظائف وهو الأمر الذي تعاملت معه السلطات بمرونة وتفهّم وحاولت إيجاد حلول سريعة للمشكلة في انتظار استكمال وضع الحلول الأبعد مدى.

وكان من المقرّر أن يتمّ البدء في تطبيق الرسوم الجديدة على استقدام العمال من الخارج في شهر أغسطس القادم، لكنّ المستجدّات حتّمت التعجيل بتطبيق القرار.
وتابع البطاشي أن القرار سيرجح الكفّة لصالح القوى العاملة الوطنية عندما يفاضل أصحاب العمل بين التكلفة لتشغيل القوى العاملة الوطنية أو جلب القوى العاملة غير العُمانية، ويمكن في ما بعد مراجعة هذه القرارات إن استدعى الواقع ذلك بحيث تحقق توازنا أكبر بين أطراف المصلحة في سوق العمل.
وأضاف أن السلطنة كبيئة عمل لا تضع اشتراطات كبيرة حيث تترك فرص التنافسية هي الفيصل في عملية التعمين (تشغيل العمانيين بدل الوافدين) والتعيين وإيجاد مساحات كبيرة يستطيع العمانيون التنافس فيها، مشيرا إلى أنه في الفترة القادمة سيكون هناك دور أكبر للعمالة الوطنية على مستوى القيادات الوطنية.
وكانت السلطات العمانية قد أعلنت في يناير الماضي استثناء المقيمين الأجانب من عدة قطاعات ومهن لتصبح حكرا على المواطنين في الدولة الساعية لتنفيذ حزمة كبيرة من الإصلاحات يطال كثير منها الاقتصاد، سعيا لتنشيطه والرفع من إنتاجيته، بما في ذلك خلق المزيد من الوظائف للمواطنين العمانيين المقبلين على سوق العمل بشكل متزايد.
ومن شأن دعم النقابات للقرارات المتعلّقة بتوطين الوظائف أن يساعد على تطبيق خطة التوطين بالسرعة والسلاسة المطلوبتين، وكذلك تفكّك أي ممانعة لها من قبل جهات فاعلة في سوق الشغل اعتادت على الاستفادة من استقدام عمالة أجنبية قليلة التكلفة على أصحاب المشاريع لكنّها مكلفة للدولة خصوصا لجهة التحويلات المالية للعمال الوافدين نحو بلدانهم الأصلية.