دروس تقوية للوزراء

إذا تطابق الوصف بين ما نقرأه عن حجم دروس التقوية في مدارس مصر مع الحقيقة، فأنا أقترح تأسيس وزارة دعم لوزارة التربية والتعليم الحالية. فأغلب المدارس الابتدائية والثانوية تقوم بتدريس المواد التعليمية في أوقات الدوام الرسمية، ثم تعود لتدريسها لقسم لا بأس به من التلاميذ ما بعد الظهر وضمن ترتيب للحصص يجمع بالمحصلة نفس ساعات الحصص الأصلية. تلميذ الثانوي مثلا يحضر دروس الفيزياء صباحا على حصص متفرقة، كل حصة 40 دقيقة، خلال الأسبوع، ثم بوسعه إعادة حضورها مجمّعة بحصة واحدة للتقوية من ساعتين. نفس التلميذ يستمع أغلب الوقت إلى نفس المدرّس جالسا على نفس المقعد في مدرسته. الفارق هو أن الحصة تأتي مجتمعة وربما بعدد تلاميذ أقل في الفصل الدراسي. وفق هذا الاعتبار، فإن من لم يحضر دروس التقوية في مدارس الحكومة، فإنه سيتلقى دروس تقوية من مدرّس خصوصي بالمنزل أو مدرسة خصوصية. الفارق يكمن في قدرة الأهل على دفع فاتورة الحصص. المنظومة المدرسية الحكومية للتقوية تعمل بأسعار أقل (وقد زادت الآن)، في حين أن المنظومة الخاصة، من مدرسين يذهبون إلى بيوت التلاميذ أو تلاميذ يذهبون إلى مدارس تقوية خاصة، تعمل بأسعار أعلى.
لا يهم إن كانت دروس التقوية تتم في مدارس حكومية أم مدارس خاصة. ما يهم هو المبدأ، أي أن المنظومة التعليمية الأصلية لا تقوم بالمطلوب منها بالأساس. هذه المنظومة التي تدفع التلميذ إلى الاستيقاظ المبكر وارتداء اليونيفورم والوقوف أمام العلم لتحيته ثم حضور الحصص والاستماع (أو عدم الاستماع) إلى المدرّسين، كلها منظومة هائلة لتضييع الوقت والجهد. بل إنها مما نسمعه، هي منظومة تعذيب للتلميذ والأهل والقائمين على المدارس المزدحمة. الطفل والصبي والصبية، في هذه الحالة، يذهبون يوميا إلى المدرسة وهم يعون بقدر مستواهم المبكر من الوعي بأن تلك الساعات بلا قيمة، أو بقيمة محدودة. ومن الواضح أن للأهل يدا في ترسيخ القناعة العامة بأن ساعات المدرسة الصباحية بلا جدوى أو فائدة. هي مجرد إحماء لدروس التقوية.
لا شك أن أيّ منظومة تعليمية لا تستطيع أن تعلم التلميذ كل شيء، ربما نتيجة صعوبة توفير الوقت الكافي لكل المادة المقررة، أو لازدحام الفصول الدراسية أو لنقص مزمن في عدد المدرسين. ولهذا يتم سد ثغرات التعلم بالمذاكرة المنزلية والكتب المنهجية وبعضا من الدعم من الأهل، وفي حالات الاضطرار، دروس تقوية. أما أن تصبح منظومة التقوية هي الأساس، فهذا حكم على جزء كبير من منظومة التعليم بالعوق.
ما يزيد خطورة الأمر هو أن كل هذا الجهد الضائع (في ساعات المدرسة الأساسية) أو المجدي (دروس التقوية العامة أو الخاصة)، لا يبدو مسخرا لخدمة منظومة تعليم تفضي إلى توفير أيد عاملة لقطاعات اقتصادية متغيرة ومتجددة في عالم متقلب. تخيّل أن كل منظومة الوقت والمال والعذاب النفسي هذه تنتهي إلى خرّيج لا يجد فرصة عمل. المسألة تحتاج إلى أكثر من مراجعة أسعار دروس التقوية، أو من احتجاج أهالي التلاميذ على أنها أصبحت مرتفعة. القائمون على التعليم نفسه في مصر يحتاجون دروس تقوية لفهم كيف تتم معالجة الأمر.