دراما تسقط ورق التوت وتهدم البيوت التي من ورق

النسيج الاجتماعي تحت عين الدراما التركية.
الأحد 2021/11/21
مسلسلات اجتماعية تكذب صورة العائلات السعيدة

نحت الدراما التركيّة، في جانب منها، في الفترة الأخيرة مسلكا مغايرا عن تلك التوجهات التي ارتبطت بها ووسمتها به من قبل، وكانت باعثا لشهرة عريضة في البلاد العربية وغيرها، وفق نتائج معدلات تسويق هذه المسلسلات خارجيّا، حيث الثيمات المعروفة من حكايات العشق والغرام المستحيل الذي تحكمه الأنساق والأعراف القبلية، أو تلك الحكايات التي تعكس ثراء البيئة والمعالم السياحيّة والجغرافيّة داخل تركيا، فاتجه صُنّاع الدراما مؤخرا، وبكل جرأة، إلى الداخل، إلى ما وراء الأبواب، وبمعنى أدق إلى أسرار البيت التركي، وأزاحوا عنه الغطاء أو نزعوا عنه ورقة التوت التي تخفي الكثير والمجهول.

عرضت الشاشة التركيّة مؤخّرا نوعية من المسلسلات مختلفة عن تلك التي دأبت على بثها في السنوات الماضية، حيث كانت تحتوي على قصص العشق، وحكايات رجال الأعمال والمافيا والحياة الأرستقراطية المرفهة، وإنما شاهدنا دراما مختلفة نوعا ما، دراما ترقش الواقع بكل قضاياه  وإشكالياته التي تكشف عن عالم مجهول مخبوء عن العين بهذه الزينة التي أظهرتها بعض مسلسلات العشق، وأخرى تغوص في النفس البشرية، وتكشف الكثير من أمراضها النفسيّة، التي لا يقتصر أذاها على ذاتها، بل يتحوّل في كثير منه إلى إيذاء للآخر المتصل به، وهو ما يطرق الباب وبشدة إلى مناقشة هذه القضايا التي راحت تنخر في أساس العلاقات الإنسانيّة، وتصيبها بالكثير من الضمور والشلل وتؤثر كذلك على سلوكياتها الاجتماعية.

عمارة الأبرياء والأمراض

   الكثير من هذه الأعمال مقتبس من قصص حقيقيّة، لحوادث أغرب من الخيال، وهو ما يعيد الثقة بين كُتّاب الدراما والواقع، وهو الاتجاه الذي أخذت به الدراما المصريّة مؤخّرا في سلسلة حكايات: ورا كل باب، وإلا أنا، وزي القمر. فالواقع حافل بالكثير من القضايا والموضوعات الشّائكة التي تحتاج إلى جرَّاح يُشخِّص أعطابها، ويداوي جروحها، فتعدّدت نوعية الدراما وموضوعاتها مؤخرا، على نحو مسلسل “عمارة الأبرياء”.

يحكي المسلسل قصة عائلة جميع أفرادها مصابون بأمراض مختلفة، ما بين عضوية ونفسيّة، فالأخت الكبرى مصابة بهوس النظافة إلى حدّ المرض، وبالمثل الأخت الوسطى فهي مصابة بسلس التبوُّل اللاإرادي، مع أنها تجاوزت مرحلة الطفولة والمراهقة، أما الأخ الكبير هان فهو مصاب هو الآخر بهوس جمع القمامة، فعلى الرغم من أنه يدير شركة والده المصاب بفقدان الذاكرة (ألزهايمر) نتيجة تأثّره برحيل زوجته، إذْ يُحمّل نفسه مسؤولية موتها لأنه لم يذهب إلى المستشفى بسبب بقائه مع ابنه، إلا أنّه (أي الابن) ما إن يرخي الليل أستاره حتى يتبدّل حاله كليّة، فيذهب إلى حاويات الزبالة ويقوم بجمع الأشياء منها، أما الأخت الصغرى ناريمان فهي مصابة بمرض جلدي، يجعلها عندما تصاب بتوتر تقوم بتقطيع جلدها، إلى جانب عدم ثقتها بنفسها وخجلها الشديد الذي يمنعها من الاقتراب والتحدُّث مع أي شخص.

بقدر الجرأة في التناول إلا أن الهدف الحقيقي هو تسليط الضوء على المخبوء والمستتر، ومحاولة للإصلاح الاجتماعي

المسلسل مقتبس من قصة حقيقية للطبيبة النفسيّة غولسيرين بواديجي أوغلو (التي سيتردد اسمها كمؤلفة لأكثر من عمل من هذه النوعية من الدراما السيكولوجية) بعنوان “داخل العملة – حكاية شقة القمامة”، أدّى أدوار البطولة في الموسم الأول فرح زينب عبدالله (في دور إنجى) وبيركان سوكولو (في دور هان)، وميرفي ديزدار (في دور قُلبان)، وإيزجي مولا (في دور الأخت الكبرى صفيّة، والتي تُعاني من هوس النظافة المفرط الذي يصل إلى غسل اليد عشر مرات، وتنظيف حبات الفاصوليا عشر مرات، وإذا أخطأت في العد، تعيد غسلها من جديد).

تُمارس الأخت الكبرى دكاتورية على أفراد عائلتها، غرستها فيها الأم، التي كانت تُحاصرها، فمنعتها من استكمال دراستها، بسبب اكتشاف أن لها علاقة مع صديقها، ومن فرط إحلال شخصية الأم عليها، تعتبر نفسها الأم الحقيقية لكلّ من في البيت، كما تفرض وصايا على الأب الفاقد الأهليّة بسبب مرضه، ومعايشتها لدور الأم تتحقّق على مستوى الشكل، فترتدي ملابسها وإن كان في حقيقة الأمر أن جميع تصرفاتها السّلبيّة هي انعكاس لشخصية الأم المتوفاة التي كانت على خلاف كبير مع زوجها الذي كانت تشعر بأنه لا يحبها، فساورها الشك من ناحيته، وهو ما انعكس على معاملتها لبناتها؛ إذْ كانت تنادي على كل واحدة منهن باسم يعكس نقطة ضعفها، فتنادي على صفية (دودو المجنونة) وعلى قولبان (المتبولة القذرة) وعلى ناريمان (فتاة الهوم هوم) وهو ما سبب انعكاسات نفسية خطيرة، وأيضا على مستوى الطبيعة، فصار لديها هوس بالشك في من حولها، وتعمل دوما على تعنيف إخوتها لأتفه الأسباب، وهو ما انعكس على شخصية الأخت الصغرى ناريمان التي صارت غير قادرة على التصرف بذاتها، ودوما في حالة انطواء وخجل.

 وعلى الطرف الثاني كانت هناك إنجي مذيعة الراديو، التي يرتبط بها الأخ هان بعلاقة حب، تتوّج بزواج دون علم أطراف العائلتين، فهي، الأخرى، تنحدر من عائلة مفكّكة اجتماعيًّا، فالأب مخمور له علاقات نسائية كثيرة، وهو ما سبّب خلافا حادّا بينه وبين زوجته، وانتهى إلى الطلاق ثم وفاتها، فحمّلته الابنة الكبرى مسؤولية وفاة أمها، وترفض وجوده أو الارتباط به، إلا أن مرضه، وتأثير حالة خصام الأخت والجد للأب، ينعكس على الابن الطالب في المدرسة الثانوية، فيتنمر على الآخرين، ومن ضمنهم ناريمان، إلى أن يكتشف خجلها ويدور فصل جديد بعلاقة  صداقة ترفضها صفية أختها الكبرى.

 المسلسل يتعرض بشكل مباشر إلى الخلافات الأسرية، والزواج غير المتكافئ، وكذلك التربية الخاطئة، وهو الأمر الذي يتحمل نتيجته الكارثيّة الأبناء في ما بعد، فما أصاب الشخصيات من أمراض نفسيّة وعضويّة، كان بسبب الحالة اللاسويّة التي تعيشها الأُسر، والتعنيف الأسري الذي مورس على الأطفال في مراحلهم المبكرة. وكذلك يناقش المسلسل غياب الأب عن ممارسة أدواره المنوط بها. المسلسل يقدّم صورة واقعية لنماذج تُعاني من أمراض اجتماعيّة ولا تعترف بأنها مريضة، وهو ما يعوّل عليه المسلسل كثيرا.

فتاة النافذة

الكثير من هذه الأعمال مقتبس من قصص حقيقية
الكثير من هذه الأعمال مقتبس من قصص حقيقية

المسلسل الثاني الذي يقتحم الحياة الخاصة بجرأة شديدة، ويكشف الكثير من المستور عنه وغير المتوقع في حياة الطبقات الغنية، هو مسلسل “فتاة النافذة”، وهو مأخوذ عن رواية بذات الاسم للطبيبة النفسيّة أيضا غولسيرين بواديجي أوغلو، صاحبة مسلسل “عمارة الأبرياء”، و”الغرفة الحمراء” (وهو مسلسل مازال عرضه مستمرا)، تستعرض فيه عوالم نفسيّة لأسرتيْن من الأسر الثرية، الأولى أسرة عادل بيه وهو محافظ سابق، ويتمتع بوجاهة اجتماعيّة، وزوجته فريدة هانم المتسلِّطة، التي تتبع نظاما تربويّا قاسيّا مع حفيدتها التي تنسبها لها ولزوجها بعد وفاة ابنتها أثناء ولادتها، التي نتجت عن طريق زواج غير شرعي.

وسبّبت الحادثة أزمة نفسيّة للأم التي حمّلت نفسها مسؤولية عدم حماية ابنتها، وتركتها فوقعت فريسة لأطماع الشباب، وهو ما حاولت أن تتفاداه مع حفيدتها نالان (التي تؤدي دورها الممثلة الجميلة بورجو بيريجيك)، فشددت الحصار عليها، بأن اتخذت وصايا مفرطة في القسوة على حفيدتها التي لم تخبرها بحقيقة أصلها سوى أن والديها ماتا في حادثة سيارة، فتنشأ الفتاة هادئة مطيعة، على نقيض اسمها نالان الذي سُمِّيت به لأنها كانت كثيرة البكاء والصياح في طفولتها.

تتعامل الجدّة/ الأم فريدة هانم التي أُصيبت بوسواس قهري ضدّ كلّ ما هو ذكر، مع الحفيدة/ الابنة على أنها قطعة نادرة يجب أن تُخفى عن العيون، ويجب ملاحقة تصرفاتها وسلوكياتها في كل كبيرة وصغيرة، في ملابسها وطريقة أكلها وأصدقائها، فالتزمت الجدّة/ الأم هذا النظام القاسي خشية على الناموس/ الشرف الذي اُنْتهك من قبل، كما تحدّد لها نظاما غذائيّا بحيث لا يزيد وزنها على 53 كغ، وتختار ملابسها التي لا يجب أن تكون مكشوفة، وترفض رفضا باتا خروجها بمفردها، وفي حالة مخالفتها لهذه القواعد المفروضة عليها، تعاقبها عِقابا قاسيا، بأن تتركها في الحمام عارية، تستمع إلى صوت قطرات الماء السّاقطة من الملابس المعلَّقة أثناء تجفيفها، هكذا نشأت نالان في بيئة متشدّدة (فرضتها الجدة / الأم) تتعامل معها على أنها خطيئة، يجب مواراتها عن الناس.

وفي المقابل كانت هناك أسرة كورو أوغلو صاحبة الفنادق الشهيرة في إسطنبول، وهي أسرة ثرية تتمتع بوجاهة اجتماعية وشهرة عريضة، جعلت اسمها تتبعه الصحافة أينما حلّت، على رأس هذه العائلة الأب رأفت كورو أوغلو الذي يفرض هو الآخر نظاما متقترا في الحياة، يظهر على مائدة الإفطار، حيث توضع لكل شخص خمس حبات من الزيتون وقطع محدّدة من الجبن والطماطم، بل إن الخادم توكو، وهو عين رب الأسرة على ما يجري في دهاليز القصر الكبير، يقوم بوزن الطعام قبل وضعه على المائدة، وفي المساء يقوم بمهمة التفتيش في سِلال القمامة، ربما هناك ما سقط على سبيل الخطأ.

آباء وأبناء

 تكشف الحوارات الجانبية والعلاقات الثنائية بين أفراد الأسرة عن الكثير من الأسرار التي تحرص على ألا تخرج إلى العلن، وأول هذه الأسرار الابن الأكبر مظفر (موظو) الذي ولد بحدبة في ظهره، فقامت الأم (قول جيهان) بمحاولة إخفائه عن العيون، دون أن ندري هل خشية عليه من التنمُّر من أصدقائه، أم خشية على خدش صورة الأسرة الثرية المثالية التي يجب أن يكون جميع أفرادها أسوياء، وفي سبيل هذه القيود التي فُرضت على الابن الأكبر، تطلق يد الابن الأصغر سادات، فيتمتع بحرية مطلقة، وتدليلا من قبل الأبويْن، فنشأ شابا غير مسؤول مسرفا في لهوه وعلاقاته النسائيّة، وهو ما كان يسبب له اللوم الكثير من قبل الأسرة بسبب الفضائح التي تتعقبه، لكن دوما يجد من يدافع عنه، ويخرجه من مآزقه، وإزاء حالة اللامبالاة التي يعيش فيها، تتخذ الأسرة قرارا بتزويجه للتخلّص من مشاكل طيشه، ويقع الاختيار على نالان ابنة عادل بيه (شريف إيرول) صديق الشباب، وفريدة هانم (نور سورر).

تكون نالان بمقاييس الأسرة الثرية، هي الفتاة المثالية التي يمكن أن تقوِّم المعوّج/ الشاب الطائش والواقع في غرام جنان (هاندا أتيزي) وهي زوجة وأم لطفلين، إلا أن لها حياتها السِّرية مع سادات ولا تريد أن تتخلّى عن وضعها كعشيقة له حتى مع علمها بخبر زواجه الذي يدفعها للثورة وافتعال الحيل لعدم إتمامه ليبقى لها.

المسلسلات الجديدة تسرد حكايات متداخلة وتتناول أغلبها قضايا نفسية مُهمِّة كما تكشف الستار عن الحياة الداخلية للعائلات

وبالفعل تبدأ إجراءات الزواج التي تقابلها فريدة هانم على مضض، خشية أن تتعرض الفتاة لصدمة، فتتحسس العلاقة الجديدة بحذر شديد، ولا تدفع ابنتها/ حفيدتها إلى الإقدام في التعارف، وهو ما يسبب حرجا لزوجها ولأسرة رأفت أوغلو الذي وقعت نالان على قلبه موقعا حسنا، فقربها منه، وأغدق عليها، على غير عادته، بالهدايا العينية (سيارة وأراض ومجوهرات)، كل هذا كان بدافع إصلاح ابنه الفاسد.

 لكن الابن على الرغم من حبه لنالان، لم يستطع أن يتخلّى عن علاقته السّرية، كما أن جنان من جانبها رفضت بكل السبل أن ينصرف عنها ليؤسس حياة خاصة، فراحت تطارده من جانب، ومن جانب آخر تتقرب من خطيبته نالان، ووصل تمسكها به إلى أنها ذهبت إليه في ليلة زفافه، وبدلا من أن يقضي ليلته مع زوجته، قضاها معاها. وتكتشف الجدة / الأم هذه العلاقة السّرية، وتكون سببا في تحوّلها كلية، فتبدأ بتحريض نالان بأن ترتدي الملابس المكشوفة، وأن تتواجد باستمرار مع زوجها، وتكون قريبة منه بدرجة لا تسمح لأخرى بأن تقترب منه، كما حرضته على إظهار جمالها، وغيرها من وسائل تقرب بها ابنتها / حفيدتها من زوجها.

تناول المسلسل وهو يسرد هذه الحكايات المتقاطعة – المتداخلة قضايا نفسيّة مُهمِّة داخل المجتمع التركيّ، تتمثل في التنمُر، وقسوة التربيّة، ونتائجها السّلبية، فنالان مع أنها فتاة جميلة جدًّا، وخريجة جامعة مرموقة، ومن وسط اجتماعي محافظ وثري، وتعمل في وظيفة جيدة في إحدى الشركات المهمة لعائلة كورو أوغلو، إلا أنها فاشلة في تحديد هويتها: من هي؟ وما هي خياراتها؟ وماذا تريد؟ فالأمر كله عندها موكول لأمها  البديلة، وبالمثل يتعرض المسلسل لواحدة من أخطر القضايا التربوية، ألا وهي التفرقة في التعامل بين الأبناء، فمظفر ناقم على أمه وأبيه بسبب عزلته عن الناس، ومحاولة إخفائه كأنه ارتكب جريمة مع أنه يدير أعمالهم من البيت وناجح جدّا، كما أنه يشعر بافتقاد الحب، ومن ثم تنشأ لديه عواطف محرمة تجاه زوجة أخيه سادات، فهو يعلم كل العلم أنها لا تستحق أن تكون مع شخص مثل أخيه صاحب النزوات والعلاقات المفتوحة غير الشرعيّة.

كما يكشف المسلسل الستار عن الحياة الداخليّة للعائلات الثريّة، فليس كل ما هو معلن أمام الشاشات أو على صفحات الصحف والمجلات ومواقع الأخبار والسوشيال ميديا حقيقيا، هناك حياة حقيقية خفية، لا يعرفها إلا من رأى بعينه، فأسرة كورو أوغلو على الرغم مما هي عليه من ثراء ومكانة اجتماعيّة مرموقة، إلا أنّ الحبّ مفقود بين أفراد العائلة، فالحسابات الماديّة والمصالح الشخصيّة هي المسيطرة، وقد تجلّى هذا عندما أعلن الأب عن تقاعده وترك إدارة الشركة لأحد أبنائه، قامت حروب خفيّة وصراعات مستترة، مورست فيها كل أنواع الألاعيب الشيطانيّة الخبيثة وغير الشّريفة والدنيئة لتشويه الطرف الآخر.

تتطوّر أحداث المسلسل عندما يكتشف الأب مؤامرة أبنائه عليه، ومحاولة تشويه بعضهم البعض أمامه من أجل الحصول على حق إدارة الشركة، فيقرّر إجبار أبنائه على التنازل عن حصصهم التي كتبها لهم من قبل، لكن هذا الطلب كان بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير، فيكشف الأبناء عن وجه آخر؛ وجه فيه من الصلافة والعناد والعصيان، يصل من قبل سادات إلى بيع حصته في الشركة لخصم أبيه القديم. ومع الحلقة الأخيرة من الموسم الأول تدخل شخصية خيري العمل، ثم مع بداية الموسم الثاني، تبدأ في الظهور تدريجيّا، حتى تحتل موقعا مهمّا لدى كبير العائلة.

خيري هو عامل نظافة في أحد الفنادق المملوكة لعائلة كورو أوغلو، بداية ظهوره مرتبطة مع نالان، عندما يجدها في ليلة زفافها تبكي أمام باب غرفة الفندق، فيحملها ويدخلها إلى الغرفة، ومن قبل عثر على الانسيال الخاص بها، وسلّمه لإدارة الفندق، ثم يأتي التقرب الأهم برأفت كورو أوغلو الذي يتعرض لأزمة قلبية مفاجئة في طرقات الفندق ويحملها خيري إلى المستشفى، ويلجأ الأب إلى منزله هروبا من خسة أبنائه، ثم التحول الأخطر هو تحول نالان اتجاهه بعد صداماتها مع سادات الذي يقرر في لحظة انتقام من أبيه التخلّي عن كل شيء بما فيه نالان.

بيت من ورق 

حكايات متداخلة

المسلسل الثالث بعنوان “بيت من ورق” وهو اسم على مسمى، فالمسلسل الذي لم تتجاوز حلقاته الثماني حلقات، يتوقف عند العلاقات الأسرية المتوترة بين الآباء والأبناء، وكيف يكون الحب الزائد للأبناء بمثابة الرَّصاصة الأخيرة التي تفتك بهم، والأهم هل من أجل حماية الأبناء نرتكب جريمة؟

المسلسل من بطولة نور فتاح أوغلو، تلعب دور محامية مشهورة، وأردال بشيكيجي أوغلو وهو الآخر يلعب دور أستاذ قانون في الجامعة وخبير أدلة جنائية وفحص مسرح الجريمة، وهو ما يجعله على اتصال بالشرطة وإدارة التحقيق، الأسرة مكوّنة من خمسة أفراد الزوجان وولد مارت (19 عاما) وبنت جمرا (16 عاما) طالبة في الثانوية، وهذه البنت تحديدا تعاني من مرض نفسي، حيث تميل إلى العدوانيّة والعنف، ليس فقط مع الآخرين بل تُمارسه مع أفراد عائلتها، فمارسته مع أختها الصغيرة مليسا (سبع سنوات) لكن خطورة العنف الذي تمارسه في المدرسة وفي كل مكان تذهب إليه، يتحول إلى جريمة بسبب غيرتها على أبيها.

تتعامل جمرا مع ابنة الخادمة الطالبة الجامعية في أحد صفوف والدها، بتعال شديد وعدوانيّة مفرطة، ونظرا لاهتمام الأب بالفتاة المجتهدة التي استطاعت أن تحظى بمقعد في الجامعة، تحدث الغيرة من الابنة ويزداد مقتها لها، وفي أحد الأيام تسمع دون قصد مكالمة هاتفية لأبيها، ويساورها الشك في أن الطرف الآخر هو ابنة الخادمة، فتواجهها لكن الفتاة تُنْكر أن هناك علاقة مع أستاذها، وتتحوّل المواجهة إلى عنف، فتضربها ضربة قاتلة، تموت الفتاة على إثرها، هنا يتحول الأبوان إلى جناح حماية للابنة القاتلة، فنكتشف أن الابنة تعالج عند طبيب نفسي، إلا أنهما يخفيان. يتورط الأبوان في الجريمة بإخفاء جثة القتيلة، ومحاولة التستر على ما ارتكبته ابنتهما، إلا أن أدلة الاتهام تذهب إلى أخيها الأكبر، الذي يكتشف أنه على علاقة حب مع الفتاة المقتولة، وبالفعل يتمّ إصدار مذكرة اعتقال له، إلا أنه يستطيع أن يثبت أنه لم يكن موجودا وقت الحادثة.

ليس هذا المأزق الوحيد الذي يواجهه الأب الأستاذ الجامعيّ والشخصيّة التلفزيونيّة المشهورة، فثمة سقوط أخلاقي في علاقة عابرة مع مذيعة البرنامج الذي يحلُّ ضيفا عليه ليحلّل الجرائم المنتشرة في الواقع، وتكون هذه العلاقة سببا في انهيار الأسرة، وبالفعل يستجيب الأب والأم إلى الواعز الأخلاقي، فيستقيلان عن عملهما، ثم في خطوة أخرى يقرران الانفصال، وبدء حياة جديدة.

يشير المسلسل بمواربة وأيضا بصراحة إلى أن المرض النفسي قد يكون لأسباب وراثيّة، فجَدّ جمرا وهو محبوس لارتكابه جريمة قتل من قبل، هو مصدر هذه الآفة التي سربها عبر جينات ابنته إلى الحفيد، وهو ما تستشعره الأم فتذهب إلى الأب في محبسه، كنوع من العتاب واللوم على وجوده، فوجوده كان سببا للكثير من المشاكل وها هي آخر هذه المشاكل، ويسعى الأب جاهدا لأن يستعطفها طالبا العفو إلا أنها تأبى وتخرج دون أن تنظر إلى وجهه.

يتقاطع هذا المسلسل مع المسلسل الأميركي “محاكمة جاكوب” الذي عرض على منصة أبل.تي.في، وهو ينتمي إلى مسلسلات الإثارة والغموض، المسلسل يناقش جريمة حدثت في إحدى المدارس الخاصّة، وتتوجه أدلة الاتهام إلى الطالب جاكوب، وهو ابن لقاض، ونظرا لحساسيّة الموقف يترك الأب عمله مؤقتا، ويتتبع تفاصيل الحادثة، وإن كانت الأم يهيمن عليها إحساس بأن ابنها هو القاتل، إلا أن الأب يبدّد هذه الأوهام، وبالفعل يحدث تطور في القضية بأن يعترف شخص بارتكابه الجريمة في رسالة يتركها ثم ينتحر، إلا أن الأب يفطن إلى أن ثمة شيئا خطأ، ويذهب إلى السجن ليزور والده، وهناك يخبره بأنه لا يريد أن يدخل حفيده السجن، وبالفعل تتمّ تبرئة الفتى، ولكن عندما يذهبون لقضاء عطلة بعد إرهاق فترة المحاكمة والتحقيق، يحدث اختفاء لفتاة شوهدت في صحبة جاكوب، هنا تتأكد الأم أن ابنها هو القاتل، فتصطحبه في سيارته وأثناء محاولتها انتزاع اعتراف منه بأنه مرتكب الحادثة، تنحرف السيارة فتصطدم بمدخل نفق، ويدخل الابن في غيبوبة، أما الأم فبعد فترة تتعافى من جروحها.                 

في مواجهة القانون

يندرج المسلسل التركي الجديد “القضاء أو الحكم” ضمن قائمة المسلسلات الاجتماعية التي تتطرق إلى موضوعات تشغل البيت بصفة عامة، فالمسلسل كأنه يوجه رسائل هامة وعاجلة للأسر قاطبة بأن تهتم بأبنائها، وأن تقترب أكثر، فالأخطار تحدق بهم من كل الجهات، ومن جهة ثانية حتى لا تكون لديهم حياتهم الخاصّة البعيدة عن تقويم وتوجيه الأهل، وهو ما يؤول في النهاية إلى مصائب وكوارث لا تعود على الشخص نفسه، بل تدفع جريرتها الأسرة برمتها. المسلسل يطرح أسئلة كثيرة حول تربية الأولاد وعلاقة الآباء بالأبناء، ومَن الجاني هل الآباء أم الأبناء؟ يأتي هذا في إطار جريمة تحدث مع بداية المسلسل، تكشف عن الكثير من المخبوء منه في البيوت. وكأن إراقة دماء الفتاة المراهقة كانت إيذانا بفتح الأبواب والأستار المغلقة، لكشف ما هو خفي وسري.

الدراما استطاعت أن تُسقط ورقة التوت التي يتوارى الجميع خلفها محاولين إظهار الصورة الجميلة والمنمَّقة للعائلات السعيدة

المسلسل من تأليف سما أرغينكون، ومن بطولة  كان أورغانجي أوغلو (في دور إيلغاز) وبينار دينيز (في دور جيلين) وأغور أصلان (في دور محقق الشرطة أيرن) وحسين عوني دانيال (في دور متين كايا)، ومن إخراج على بلقين، ويعرض على “قناة دال”. تدور أحداث المسلسل حول عائلة كايا التي تعمل في سلك الشرطة والقضاء، فالأب مفوّض شرطة والابن وكيل للنائب العام، أما الابن الأصغر فهو موظف في إحدى الجامعات الخاصّة.

تبدأ الأحداث بالعثور على جثة فتاة في العقد الثاني من عمرها، في حاوية قمامة، ومع تفتيش متعلقاتها، يُعثر إلى جانب الجثة على بطاقة إئتمانية تعود إلى الأب متين كايا، ومع إخبار وكيل النائب العام الذي يحقّق في القضية إيلغاز كايا بأن البطاقة تعود لأبيه، يضيّق الخناق على أخيه، فيعترف أنه سرق البطاقة من أبيه وأعطاها لأحد أصدقائه، يعلم وكيل النائب العام أن أخاه يحتاج إلى محام وعلى الفور يستدعي المحامية جيلين (بينار دينيز) التي أمر بوضعها في الحبس صباحا؛ بسبب كشفه تجسسها عليه لصالح موكل لها تعمل لصالح قضيته، يختار وكيل النائب العام المحامية جيلين لأنه يعلم مهارتها في الوقوف إلى جانب موكلها، واستغلال كل الثغرات القانونيّة في دفاعها الذي يأتي دوما في صالح المتهم.

ومع بداية إسناد المهمّة لها تبدأ جيلين في إظهار مهاراتها، التي تمّ اختيارها على أساسها، وهو ما يعترض عليه وكيل النائب العام، ومع إصرار رفضه على الاستعانة بأحابيلها، يأمر النائب العام وهو خصم لإيلغاز بسبب أنه تخلّى عن أخته في يوم الزفاف، بإيداعه الحبس، يسعى الاثنان لمعرفة صاحبة الجثة، وعلاقة الأخ بها، وعندما يتم التعرف على هوية الجثة، كانت المفاجأة أنها أخت المحامية جيلين، وفي لحظة فارقة يتحول الحليفان إلى خصمين، فتقدم الممثلة بينار دينيز مشهدا عالميّا، وهي تتعرف على أختها في المشرحة، وقدرتها على تبدل العواطف التي كانت حيادية من قبل إلى مشاعر داخليّة توحي بالكسرة والفجيعة اللتين تشعر بهما بمجرد معرفة اسم الضحية.

ومع تغير الوضع إلا أن وكيل النائب العام يصرُّ على استمرارها في الدفاع عن أخيه، فيسعيان معا للبحث عن القاتل بعدما تحاول استجواب الأخ المتهم. عندئذ يتضح أن الأخ سقط ضحية لعصابة مخدرات، وليس له دور في قتل إنجي بل على العكس تماما حاول مساعدتها بإحضار نقود وملابس لها، ثم تتجه أصابع الاتهام إلى معلمها في الجامعة، بعدما عرف أنها خرجت من عنده بعدما تهجمت عليها زوجته ظنا منها أن بينهما علاقة، وتتوطد العلاقة بين النائب والمحامية، في محاولة لمعرفة القاتل، خاصة بعدما طرد الأب ابنته بعدما علم أنها مازالت هي المحامية الخاصة بشنار المتهم بقتل ابنته.

وتتكشف الأمور بأن المتهم الحقيقي هو المحامي صديق جيلين، حيث كانت تربطه قصة حب من طرفه تجاهها، وحدث شجار يوم الحادث انتهى بضربها من الخلف بزجاجة، فسقطت صرعى، لكن والده محام كبير، يسعى جاهدا لأن يخرجه من التهمة، وإلصاقها بصهر أسرة جيلين، الذي كان على علاقة خاصة مع جارتهم.

حادثة مقتل إنجي واتهام الابن الأوسط لعائلة كايا تكشف الكثير من الأسرار التي لا تعرفها الأسرة عن الأبناء، فإنجي لديها سيارة خاصّة، وتربطها علاقة من نوع ما مع شخص يكبرها في السن، هو الذي يغدق عليها الكثير من الأموال، بالأحرى لها حياة أخرى غير تلك التي تعيشها بقية أفراد أسرتها، أخذت تتكشف تفاصيلها واحدة بعد الأخرى بعد حادثة مقتلها، وبالمثل الابن الأوسط الذي يرتبط بعصابة تروج مخدرات، إضافة إلى نشوء علاقة محرمة تجمع زوج أخت جيلين بإحدى القريبات. والأهم أن الأب متين كايا في محاولة لحماية ابنه يصير هو الآخر متهما، فالأب يقوم بإخفاء معالم الجريمة التي ارتكبها الابن دون قصد منه في حق والد إنجى الذي اقتاده ليقتله انتقاما لمقتل ابنته، فقتله الابن دفاعا عن نفسه.

 هكذا استطاعت الدراما أن تُسقط ورقة التوت التي يتوارى الجميع خلفها، محاولين إظهار الصورة الجميلة والمنمَّقة للعائلات السعيدة، وبقدر الجرأة في التناول إلا أن الهدف الحقيقي هو أن تسليط الضوء على المخبوء والمستتر، ومحاولة إصلاح ما تمّ إفساده بسبب غياب الأسرة (الفعلي والمعنوي) عن الأبناء، أو بسبب الثقة المطلقة التي منحها الآباء للأبناء، في إشارة ذات مغزى إلى أنه يجب أن تتبع هذه الثقة مراقبة ومتابعة، حتى لا تتحول هذه الثقة إلى انفلات وتمرد وخروج عن الأنساق المهيمنة. السؤال الأهم الذي طرحته هذه الأعمال، وكأنه اتهام للآباء لتحديد المسؤولية، وما يجب أن يفعلوه؟ لكن دون أن تقلل من الاتهام بأن الخطيئة الكبرى هي محاولات الدفاع عنهم بالتستر عليهم، وكأنها تقول يجب أن تُرفع الأيدي عنهم كي ينالوا جزاء ما اقترفوه، فالعقاب مشترك بين الاثنين.

 

14