دبلوماسية الجفاف تنعش العلاقات الأردنية – الإسرائيلية

وسط مخاوف رسمية في الأردن من تفاقم أزمة شحّ المياه وتداعياتها الكارثية على الأمن الغذائي، يبدو التعاون الثنائي بين عمان وتل أبيب في مكافحة الجفاف أمرا حتميا كونه يعود بالنفع على البلدين، ما قد يساهم حسب مراقبين في تبريد العلاقات الدبلوماسية المتوترة.
عمان - تدفع الضغوط المناخية المتفاقمة كلا من الأردن وإسرائيل إلى زيادة غير مسبوقة في التعاون من أجل مكافحة الجفاف، ما قد يساعد البلدين على إنعاش العلاقات الدبلوماسية شبه المقطوعة.
ويرى خبراء أن التعاون في مجال الموارد المائية قد ينتعش تحت ضغط التغيّر المناخي الذي يتسبب بموجات جفاف تزداد حدة، ما يلعب دورا أيضا في تحسين العلاقات بين البلدين على أصعدة أخرى.
وخلال الشهر الحالي، أظهرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ في الأمم المتحدة، أن المناخ يتغير بوتيرة أسرع مما كان متوقعا، ما يؤدي إلى زيادة الضغط على إمدادات المياه المحدودة، في حين أن الطلب يشهد بدوره نموا أكثر من أي وقت مضى.
وبدلا من إثارة الخلافات، يرى خبراء أن الوضع قد يحمل إسرائيل والأردن على زيادة غير مسبوقة في التعاون في مجال المياه في ظل التقدم التكنولوجي والضغوط المناخية، وتعزيز العلاقات.
وتقول إريكا وينثال الأستاذة في جامعة ديوك الأميركية المتخصصة في السياسة البيئية العالمية، إن التحذيرات العالمية بشأن “حروب المياه” متوقعة في العالم بما في ذلك في الشرق الأوسط، مبالغ فيها في الكثير من الحالات.
وتوضح وينثال التي عملت على الكثير من القضايا الإسرائيلية – الأردنية، أن “المياه مورد يسمح للخصوم بإيجاد طرق للتعاون”.وتضيف “إذا نظرنا إلى المعطيات نرى تعاونا بشأن المياه أكثر من نزاعات حولها، وعند الحديث عن نزاع يكون غالبا شفهيا”.
ويعتبر الأردن من أكثر الدول التي تعاني نقصا في المياه وهو يواجه موجات جفاف شديد، ويعود تعاونه مع إسرائيل في هذا المجال إلى ما قبل معاهدة السلام التي وقعاها في عام 1994.
وتعود دبلوماسية المياه هذه إلى العام 1921 وإنشاء محطة للطاقة الكهرومائية في نقطة التقاء نهر اليرموك بنهر الأردن، واستمرت بعد قيام دولة إسرائيل في 1948 وعلى المدى العقود الماضية التي كان البلدان في مراحل كثيرة منها في حالة حرب رسميا.
المياه والطاقة يمثلان إحدى الفرص القليلة لإعادة بناء الثقة بين إسرائيل والأردن وبالتالي تصويب العلاقات بينهما
وكان المهندس اليهودي الروسي بنخاس روتنبرغ الذي انتقل للإقامة في فلسطين أقنع حينها سلطات الانتداب البريطانية والعائلة الملكية الهاشمية بالموافقة على إنشاء تلك المحطة. وعلى غرار كل أوجه العلاقات الثنائية بين الأردن وإسرائيل، عانى ملف المياه أيضا في عهد رئيس الوزراء السابق بنيامين نتانياهو، إذ اتهمه خصومه بالسعي لتوطيد العلاقات مع أعداء إيران في الخليج على حساب الأردن.
ولكن منذ تولي رئيس الوزراء نفتالي بينيت السلطة في يونيو، تلوح إشارات إيجابية في الأفق بعد الموافقة في يوليو على أكبر صفقة للمياه على الإطلاق بين الطرفين. ويُلزم اتفاق يوليو إسرائيل ببيع 50 مليون متر مكعب إضافي من المياه للأردن.
وتعقد إسرائيل والأردن منذ منتصف خمسينات القرن الماضي اجتماعات حول التعاون في مجال المياه، وكانت من بينها محادثات عقدت عند التقاء نهري اليرموك والأردن بوساطة الولايات المتحدة والأمم المتحدة.
وتصف وينثال الرائدة في مجال بناء السلام البيئي الأكاديمي الناشئ، تلك المحادثات بأنها “شريان حياة حتى عندما كانت هذه البلدان من الناحية التقنية في حالة حرب”. لكنها حذرت في الوقت نفسه من التعويل كثيرا على الدبلوماسية البيئية. وتضمن اتفاقية المياه الأخيرة زيادة سقف الصادرات الأردنية إلى الضفة الغربية المحتلة من 160 مليون دولار سنويا إلى حوالي 700 مليون دولار.
وشدد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي عقب الاتفاق على الحاجة إلى إقامة دولة فلسطينية على خطوط الرابع من يونيو 1967 مع القدس الشرقية عاصمة لها. وتنظر حكومة بينيت إلى هذه الشروط على أنها لعنة في ظل تصاعد الضغوط الناجمة عن أزمة المياه.
ويقول المسؤول في منظمة “إيكو بيس ميدل إيست” غير الحكومية جدعون برومبرغ، إن التقنيات الجديدة التي تخفض الكلفة جعلت تحلية المياه “مصدر قلق مربحا” خصوصا أن مستثمرين من البلدين أبدوا اهتماما واضحا بالمشروع. ويوضح برومبرغ أن “الذين سيستثمرون أكثر في مجال تحلية المياه يرون فرص الربح”.
ويرى خبراء أن ثمة حافزا جديدا يدفع إسرائيل إلى هذا الاتجاه، إذ أنها تريد شيئا في المقابل من الأردن.
وأقرّت حكومة بينيت قبل فترة قصيرة خطة لخفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 85 في المئة على الأقل بحلول العام 2050 كخطوة للإيفاء بالتزاماتها تجاه اتفاق باريس للمناخ. وتظهر تقديرات مختلفة أن الدولة العبرية لا تمتلك أراضي كافية لتكثيف إنتاج الطاقة الشمسية اللازمة وسيتعين عليها شراءها من الأردن لتحقيق أهدافها.
ويقول برومبرغ الذي تعمل منظمته في إسرائيل والأردن والأراضي الفلسطينية التي تعاني أيضا من أزمة مياه متفاقمة، “سيكون لدى كل الأطراف للمرة الأولى ما يبيعونه وما يشترونه”. ويضيف أن “توافق المصالح غير المسبوق قد يساعد في تصويب العلاقات الدبلوماسية شبه المقطوعة”، معتبرا أن “ثمة فرصا قليلة نسبيا لمحاولة إعادة بناء الثقة، المياه والطاقة هما من هذه الفرص القليلة”.