خيّال مارلبورو الجديد

تمثّل وسائل التواصل حاليا، خيّال مارلبورو الجديد، الذي يحمل منجله، ونحن نعيش معها بشكل اعتيادي كما تعايشنا مع التدخين.
الجمعة 2021/10/08
خطوات نحو الخطر

ما الذي تعلّمه الإنسان من وسائل الإعلام خلال الأعوام الماضية، غير الحرية في التعبير والتفاعل والرأي ونقيضه، تلقى الإنسان جرعات عالية جدا من مادة سامة لم يكن يتخيّل أنه سيقبل يوما بسريانها في عروقه؟

إنه العنف.

جرى من خلال البث اليومي لأخبار القتل والفوضى والضحايا والقسوة اللفظية والمادية بحق الآخر، تعزيز التعايش مع العنف، وكأنه أمرٌ طبيعي في حياة البشر المتحضرين، وهو آخر ما يمكن أن تتقبله الحضارة، أي حضارة.

عند ذاك بات الإنسان مهيئا لهضم العديد من صور القسوة، قبل أن يكون هذا مدخلا لتقبل ما هو أسوأ؛ الخطر. على النقيض من عادات الكائنات الحية التي تفرّ من الخطر وتتجنبه حتى بأبسط أدواتها الغرائزية. إلا أن إنسان القرن الحادي والعشرين يتأقلم مع الخطر، حتى أنه لم يعد يكترث بنتائجه المدمّرة مهما كانت.

تعالوا أحدّثكم عن الخطر والعيش معه. حين يقول علماء مرموقون بأعلى أصواتهم إن وسائل التواصل الاجتماعي ذات تأثير مدمّر على الأطفال وعلى غيرهم من البشر عموما، ويشرحون ذلك جليا، ومع ذلك نتهاون في ترك هذه الوسائل بين أيدي أطفالنا، لساعات طويلة، فإننا نتعايش مع الخطر. ولا شيء يشبه هذه الحالة سوى الإدمان على المخدرات التي قبل أن يعرف الناس مضارها كانوا يتيحون استخدامها، لكن حين ظهرت الآثار الرهيبة لتلك الآفات على الأجساد انتشرت التوعية بين الناس بضرورة الابتعاد عنها.

الأمر ليس مرتبطا بالمحتوى، سواء كان سياسيا أو جنسيا أو دينيا. بل بكيفية تقديمه. تلك الآلية التي تجعل من التدفّق المعلوماتي ضربا من الجنون يصيب العقل بالهذيان.

لتقريب الصورة، حتى وقت قريب كان التدخين عادة محمودة ومن صفات الرجولة ولا أدل على ذلك من خيّال مارلبورو الشهير، صاحب الإعلان عن سجائر شركة فيليب موريس العملاقة الحمراء والبيضاء، والذي ظهر بعد الحرب العالمية الأولى، حين كانت الشركة تريد أن تعلن عن منتجاتها بحملات لكسب المزيد من الزبائن. ولم يكن هناك أقوى تأثيرا من راعي بقر بملامح جذابة، تحوّل مع الوقت وخلال أربعين سنة تلت العام 1926 إلى الشخصية الأكثر شعبية في العالم، حتى وصلنا إلى العام 1992، حين أصبحت علامة “مارلبورو” العلامة رقم “واحد” في عالم يخسر سنويا قرابة 8 ملايين إنسان بسبب التدخين وحده.

Thumbnail

تمثّل وسائل التواصل حاليا، خيّال مارلبورو الجديد، الذي يحمل منجله، ونحن نعيش معها بشكل اعتيادي كما تعايشنا مع التدخين، والويل لمن لا ينظر إلى المستقبل ويرى كيف سيصبح عليه عقل طفل ينشأ وسط مكتبات علامات فيسبوك وتويتر وإنستغرام وواتس أب وتيك توك وسناب تشات بدلا من أمّهات الكتب وبنات الأفكار.

24