خطوة واحدة ويتحول ملف التآمر إلى اهتمام ثانوي في الأردن

طُويت مرحلة الخطورة على أمن المملكة واستقرارها في قضية التآمر المفترضة واليوم تبدو الفرصة مواتية أكثر من أي وقت مضى للشروع في عملية الإصلاح الشاملة بإرادة حقيقية تبدأ بتعديل الدستور.
السبت 2021/04/17
استقرار الحكم لا يزال محاطا بمخاطر ضعف المشاركة السياسية

في الأردن المشغول الآن بتداعيات الخلاف العلني داخل الأسرة المالكة وانعكاساته السياسية والاجتماعية وآثاره الممكنة على وعود الإصلاح، ظهرت جوانب من بيئة التشريعات الحقوقية فيها من المجاز والسخرية والعجب أكثر مما فيها من الحقيقة.

ممنوع أن تصرّح بأن محبتك لأبيك لا تفوقها محبة لإنسان ولو كان الملك. ليس ممنوعا فحسب، ولكنّ كلاما مشابها قد يقودك إلى السجن. هذا يحدث في الأردن، مثلما يحدث أيضا أن يُمنع مسلسل محلي في اللحظة الأخيرة لأسباب سياسية في زمن منصات البث والسوشيال ميديا.

كانت متوقعة سرعة اتصال العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بالسيدة التي حُكم عليها بالسجن سنة لأنها قالت لسيدة أخرى إن “أبي عندي أحسن من الملك”، العبارة التي كيّفتها المحكمة على أنها “إطالة لسان” على المقام الملكي.

اتصال الملك كان ضروريا لكنه ليس كافيا مع بقاء هذه المادة القانونية القادمة من عصور مضت والمحملة لغويا بكناية مهينة حتى من دون إدانة. مواد قانونية أخرى تجرّم الإساءة لأي شخص وتكفل حق المتضرر في التقاضي، لكن “إطالة اللسان” لم تعد تناسب مؤسسة العرش ولا تفيدها وهي تضر بصورة “المملكة العصرية” التي يحرص الخطاب الرسمي على تقديمها للعالم.

“إطالة اللسان” المتعلقة حصريا بالملك والملكة وولي العهد هي في الواقع تهمة مطاطية، يعرف الأردنيون أن مجرد الادعاء بها يأتي بوجعة رأس طويلة ويختلط فيها التأويل بين الحُكم والحكومة والقصر وشخص الملك.

غاب خبر “إطالة اللسان” عن وسائل الإعلام الحكومية والقريبة من الحكومة ونشرته مواقع التواصل، لكنه حضر بقوة بعد الاتصال الملكي وبعد أن أشبعه الناس جدلا وتساؤلات وانتقادات، كان يمكن توفيرها بسهولة.

كما صارت “إطالة اللسان” حديث الساعة الآن، خصوصا بعد أن تسربت إلى وسائل الإعلام توجهات ملكية إلى وقف متابعة أو مقاضاة الملاحقين بهذه التهمة أو إلغائها في تعديل قانوني.

أما “رئيس القرية المستبد” فهي قصة أخرى ولكنها شبيهة وقفزت فجأة إلى السطح في نفس الوقت. مسلسل “أم الدراهم” المحلي الذي وافق التلفزيون الأردني على عرضه في رمضان ثم امتنع. احتج بطل المسلسل الذي هو نقيب الفنانين سابقا، واعتبر أن المنع جاء بسبب الإسقاطات السياسية التي يحملها العمل. وهكذا انحصر النقاش العام بما قاله بطل العمل، والتلفزيون ساكت.

Thumbnail

بعد أيام، أصدر التلفزيون الأردني بيانا تفصيليا كان موجها بصفة خاصة إلى بطل المسلسل أكثر من المسلسل نفسه الذي يتناول بقالب كوميدي حكايات عن مختار القرية الإقطاعي المتسلط. وتحدث التلفزيون الرسمي عن جوانب كثيرة من العمل إلا الإسقاطات السياسية التي اكتفى بذكرها في إشارة عابرة آخر البيان.

هل ثمة من يتعمد إثارة الرأي العام ضد مؤسسة القصر في الأردن في هذا الظرف الدقيق؟ على الأغلب، لا. لكن حزمة القوانين الناظمة للحياة السياسية بصفة عامة وحرية التعبير على وجه الخصوص، ملغومة بمفاجآت ومطبات محبطة من هذا العيار إلى جانب نصوص تشريعية أخرى قاصرة من عيار أثقل تمس العملية السياسية برمتها.

في البلد الذي يحتفل بالذكرى المئوية لتأسيسه، لا تزال البرلمانات متشابهة ولا تكاد تفعل شيئا مما كلفها الدستور والحكومات منزوعة الولاية العامة وغير مستقرة، فضلا عن الأحزاب التي أضعفتها سنوات التضييق الأمني ونقص الأموال وقوة الانتماءات العائلية والمناطقية.

تنسجم الحالة الحقوقية تماما مع هذا الجمود السياسي وربما تدعمه وتغذيه، في ظل الاختفاء المستمر للأصوات المعارضة بفعل القوانين التي تسمح بحبس الناس بناء على آرائهم السياسية سواء في الصحف أو وسائل التواصل أو المواقع الإخبارية التي أغلقت الحكومة المئات منها في السنوات العشر الأخيرة.

اليوم تحول الأردن إلى بلد “شبه حر” بعد أن كان “حرا جزئيا” في مجال حقوق الإنسان وفقا لمؤسسة فريدوم هاوس. وصارت حرية التعبير في دول تشهد حروبا واضطرابات مثل أفغانستان ومالي ونيجيريا، أفضل حالا من الأردن بحسب منظمة مراسلون بلا حدود. وعلى الأرض، حرصت قوات الأمن على تفريق المظاهرات قبل أن تندلع الشهر الماضي للمطالبة بإصلاحات سياسية جذرية.

دستوري وصحي أن يتدخل الملك في المسائل الكبرى المتصلة بالحكم وفي التوازن بين السلطات الثلاث، لكنه ليس مطلوبا في المهام الاعتيادية للإدارات الحكومية التي من المفترض أنها تعمل في “دولة قانون ومؤسسات”.

في ملف “الفتنة” الذي هز الرأي العام الأردني، انتقادات حادة للأداء في أجهزة الحكم على لسان ولي العهد السابق الأمير حمزة القريب من أوساط الحركة الاحتجاجية التي تطالب بمشاركة سياسية أوسع وبحكومات لا يعينها الملك بل ينتخبها البرلمان.

في الملف أيضا صفحات مرتبطة باتهامات الفساد وضعف الحكومات وتساؤلات عن التحول السياسي المنشود والموعود. لكن الغموض لا يزال يكتنف القسم الأكبر من الملف وهو ملابسات المؤامرة والجهات الخارجية التي تقف خلفها وكانت تستهدف “هز أمن الأردن”.

طويت مرحلة الخطورة على أمن المملكة واستقرارها في قضية التآمر المفترضة. لكن استقرار الحكم لا يزال محاطا بمخاطر ضعف المشاركة السياسية والتثاقل المزمن في خطوات الإصلاح.

اليوم تبدو الفرصة مواتية وربما ضرورية أكثر من أي وقت مضى، للشروع في عملية الإصلاح الشاملة بإرادة حقيقية وواثقة تبدأ بتعديل الدستور ثم تطوير قوانين الانتخاب والأحزاب والتشريعات المرتبطة بالحريات العامة وحقوق الإنسان. وبعد ذلك قد يتحول ملف التآمر الشائك إلى اهتمام ثانوي لدى الأردنيين.

8