خطط الإصلاح تفتح آفاقا جديدة للكاريكاتير السعودي

القاهرة – يرى الرسام الكاريكاتيري فهد الخميسي أن السعودية تعيش حالة من التصادم الفكري بين القديم والجديد، وتشهد تغيرات اجتماعية وثقافية حادة، تنقل شعبها لآفاق جديدة لم يعتدها أو يتخيلها، ومن شأنها أن تحدث نقلة في تاريخ الفنون بالمملكة ومن بينها الكاريكاتير.
وشهد المجتمع السعودي، خلال الشهور الأخيرة، انفتاحا مجتمعيا غير مسبوق بالسماح للمرأة بقيادة السيارة، وحضور مباريات كرة القدم، وعدم إجبارهنّ على ارتداء العباءة السوداء أو النقاب، وإعادة فتح دور السينما، وإقامة حفلات غنائية، والتخطيط لإنشاء دار أوبرا وأوركسترا وطنية.
وظلت قضية منع قيادة المرأة مادة خصبة للانتقاد الكاريكاتيري المبطن وغير المباشر منذ الثمانينات من القرن الماضي، تحاشيا للاصطدام بالتيارات الدينية التي كانت تحرّمه، لكن الرسامين يشعرون حاليا بأن عليهم دورا أكبر للمساعدة في دعم خطط الإصلاح وانتقاد المعارضين له، باعتبار أن رسوماتهم أكثر تأثيرا من المادة المكتوبة.
يراهن رسام الكاريكاتير السعودي فهد الخميسي على خطط الانفتاح والإصلاح الاجتماعي والثقافي التي تتبناها القيادة السعودية في إزالة العديد من الحواجز التي كانت عائقا أمام الإبداع بما يمنح الرسامين فضاء أكثر خصوبة في الانتقاد، ولعب دور أكبر في إعادة تشكيل المجتمع الجديد.
ويقول فهد الخميسي، لـ”العرب”، على هامش حضوره مؤتمر للكاريكاتير بالقاهرة، إن هذا الفن رأس حربة في معركة التغيير بالسعودية لنقل الأفكار الأكثر حداثة ومواجهة الرجعية، بجانب دوره التقليدي أيضا كمادة ممتعة تكسر حدة رتابة المتن، ما يجعله مؤهلا لمخاطبة الشباب في عصر التكنولوجيا الذين يريدون المعلومة السريعة ولا يفضلون قراءة الموضوعات الطويلة.
وعمل الخميسي، رساما في صحيفة “المدينة” خلال الفترة من العام 1999 وحتى 2004، ثم تفرّغ للعمل بعدها بصحيفة الاقتصادية السعودية منذ 14 عاما وحتى الآن، وحصل على جائزة أفضل عمل كاريكاتيري بمسابقة وزارة الحج لموسم 2011،
والمركز الأول والثاني بمسابقة الجمعية السعودية للكاريكاتير عامي 2011 و2013 على التوالي.
ويرى الخميسي أن “رؤية 2030” التي طرحها الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، تتضمّن قفزات غير مسبوقة على مستوى التغيير الاقتصادي والمجتمعي وتدخل المملكة عصر ما بعد النفط، لكنها تخلق تصادما مع المتمسكين بالماضي ورافضي الاختلاف، وهنا يأتي دور الكاريكاتير.
وتصدى الرسام السعودي في أعماله اليومية، أخيرا، لعدة قضايا مجتمعية مرتبطة بتطوير المملكة كالتعليم وحشو أدمغة الطلاب بمناهج بالية، كما خاض حملة صحافية انتقدت التوظيف بالقطاع الخاص من
انتقاص حقوق العاملين، واستمرار استقدام العمالة من الخارج رغم ارتفاع البطالة بين السعوديين.
ويشارك حاليا بلوحة واحدة في الملتقي الدولي الخامس لفن الكاريكاتير الذي تستضيفه دار الأوبرا المصرية، خلال الفترة من 15 وحتى 25 أبريل الحالي، والتي يسخر فيها من مطالبة الرجل العربي لزوجته بممارسة الرياضة والاحتفاظ بقوام رشيق رغم سمنته وإهماله لذاته.
ولا يقتنع الرسام السعودي بوجود محاذير سياسية تمنع الرسام، فالمحترف لا يرسم من أجل النشر، لكن للتعبير عن آرائه ومعتقداته، والكاريكاتير هو فن مقالي بالمقام الأول يتيح لصاحبه القدرة على انتقاد الظواهر السلبية في المجتمع أيا كانت، وكلما كان الفنان بارعا نجح في الالتفاف على الرقيب المتمثل بإدارات الصحف.
ويقول الخميسي، إن فن الكاريكاتير يقوم على ركيزتين أساسيتين هما الاختزال وذكاء الفكرة، وساهم تطوّره في التطوّرات الفكرية للقراء السعوديين وانفتاحهم على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل واسع، وعدم تقبلهم لأي طرح سطحي يفتقد العمق.
وتطوّر فن الكاريكاتير بالصحف السعودية على مستوى التنفيذ والفكرة باستخدام الرسم بالكمبيوتر وبرامج معالجة الصور “فوتوشوب” والرسومات الرقمية، والتقليل من استخدام التعليقات المطوّلة التي تقتل الكاريكاتير الحقيقي وتفرغه من محتواه الفني.
ونشأ الكاريكاتير في السعودية مع بداية الصحف في الستينيات بواسطة علي الخرجي، أول رسام كاريكاتير سعودي ينشر بصورة منتظمة على صفحات جريدة “الرياض” عام 1964، واتسمت رسوماته التي استمرت قرابة 40 عاما بالسخرية اللاذعة، رغم عدم تقبل المجتمع للنقد في تلك الفترة.
وأدخل الرسام محمد الخنيفر في السبعينات، التلوين على الكاريكاتير لأول مرة بالصحف السعودية عبر أعماله بصحيفة “الجزيرة”، وابتكاره شخصية “سلطانة” الافتراضية التي عبّر بها عن هموم المواطنين لتبدو شبيهة بـ”حنظلة” التي أبدعها الرسام الشهير ناجي العلي.
ولا يستطيع الفنانون السعوديون المبالغة كثيرا في إظهار عيوب الشخصيات المرسومة ولا يجنحون للانتقاد المباشر، تحاشيا لاعتبارات تتعلق بتحفّظ المجتمع دينيا على فكرة السخرية واعتبارها استهزاء.
ويرى الخميسي في حواره مع “العرب”، أن أهمية فن الكاريكاتير تكمن في الرسم المبسّط واستخدام المفارقات الساخرة سواء رمزية أو بتعليق، أما جوهره فيكمن في الفكرة المراد إيصالها والتي تعكس بلا شك رأي الفنان وقراءته للمشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي.