"خرفان سياسية تمت ترقيتها إلى حجم أبقار سياسية" مقال ساخر يشعل أزمة في الجزائر

موجة غضب واسعة اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر، بسبب عمود صحفي اعتبره ناشطون بأنه إهانة وتحريض على الكراهية ضد إحدى المحافظات الجزائرية المعروفة بولائها السياسي للأنظمة المتعاقبة.
الجزائر - أثار عمود صحفي للكاتب المخضرم سعد بوعقبة، حول تحويل محافظة الجلفة بجنوب البلاد من حظيرة لتربية الخرفان السياسية إلى تربية الأبقار السياسية، سجالا قويا في الجزائر خاصة لدى سكان من المنطقة، بسبب ما أسموه نشر خطاب العنصرية والكراهية وسط المجتمع، وتقدموا بشكاوى جماعية ضد الكاتب المعروف بأسلوبه الناقد والساخر.
وقال الكاتب الصحافي بوعقبة، في عموده المثير “إذا اختار الرئيس تبون فعلا محافظة الجلفة، وبلدية البرين على وجه الخصوص، لتربية أبقار المشروع القطري، فقد أصاب هذه المرة عين الحقيقة! فالأمر يعد ترقية لمنطقة الجلفة، من مستوى الخرفان إلى حجم الأبقار! حتى سياسيا.. فسكان هذه المحافظة كانوا دائما خرفانا، وترقيتهم إلى (أبقار سياسية) يعد تطورا لافتا!”. وخلص فيه إلى أن “ظاهرة معالجة قضايا السّكان (بما يطلبه المستمعون)، وجدت قبل الاستعمار الفرنسي، واستمرت معه، وبقيت بعده في الاستقلال”، في تلميح إلى سياسات توزيع الريع على جهات البلاد، تحت مسمى التوازن الجهوي، بينما الغرض هو كسب الولاء والاستقرار الاجتماعي.
واضطر الكاتب الصحافي إلى تقديم اعتذاره لسكان محافظة الجلفة، تحت ضغط موجة الغضب والاستياء التي أثارها مقاله الساخر المعنون بـ”بعيدا عن السياسة” الذي نشره في عموده “نقطة نظام”، بموقع “المدار.تي.في” في لندن، والمملوك لناشطين سياسيين معارضين للسلطة.
وذكر في مقال بعنوان “رقبتي فداكم يا أولاد نايل”، بعد شرح خلفيات المقال المثير “أسجل اعتذاري لكل من فهمني بالخطأ.. فقد أكون مسؤولا أيضا عن هذا الفهم الخطأ، لأنني وبعد نصف قرن من ممارسة الصحافة، لا يجوز لي كتابة ما يحمل التأويل!”.
وقال “أثار مقالي السابق المعنون ‘بعيدا عن السّياسة’ موجة عارمة من سوء الفهم من قبل محترفي اصطياد سُوء الفهم والمُتاجرة بهِ، فاتهمني هؤلاء بتعمد الإساءة لمنطقة أولاد نايل الشهمة، بالرغم من أّني داعبت بتهكم واضح العديد من المحافظات، بما فيها الجلفة! وقد تهكمت على ظواهر عايشتها، ولم أتهكم على السكان في المحافظات!”. وأضاف “واجبي التوضيح للذين يحتاجون التوضيح، أنني سعيد لبقاء منطقة الجلفة حساسة لما أكتب، فقد كانت هذه المنطقة من بين أكثر المناطق متابعة لمقالاتي الصّادرة في الشروق الأسبوعي، (صيحة السردوك)، سنوات الجمر، حيث كانت الصحيفة توزع في هذه المحافظة وحدها قرابة مئة ألف نسخة! لهذا أتفهم حجم حساسية الجلفة لما أكتبه، وأُطمئن هؤلاء الأحرار أنني لم أقصد الإساءة، وما هو إلا سوء فهم غير مؤسس”.
وكان المقال المعنون بـ”بعيدا عن السياسة” قد أثار موجة من الغضب والاستياء لدى العديد من الفعاليات الأهلية المحلية والناشطين السياسيين والاجتماعيين، وسجل تقديم شكاوى جماعية لدى مصالح الأمن، من أجل فتح تحقيق في ما وصفوه بـ”خطاب الكراهية والعنصرية ضد سكان محافظة الجلفة”.
وذكرت عريضة وجهت إلى المدير العام للأمن الوطني، وتحمل توقيع تسع جمعيات محلية، اطلعت عليها “العرب”، “يطيب لنا سيادة المدير العام للأمن الوطني أن نتوجه إليكم بشكوانا ضد المدعو سعد بوعقبة، صحافي، صاحب العمود: نقطة نظام، حيث وصف هذا الصحافي غير المحترف والذي تجرد من كل قيم الصحافة وانحاز إلى أفكاره الخبيثة، منطقة مجاهدة كمنطقة الجلفة عاصمة أولاد نايل، بأنها ‘خرفان سياسية تمت ترقيتها إلى حجم أبقار سياسية’، في إشارة إلى شروع المشروع القطري لتربية الأبقار ببلدة البيرين”.
وأضافت العريضة “إن هذه الأوصاف غير اللائقة مست بكرامة المواطن الجلفاوي، حيث سعى بواسطتها إلى نشر الكراهية وسط المجتمع الجزائري، وهو ما يتنافى مع القوانين والشرائع في الجزائر الجديدة”. وشن مدونون وناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي حملة ضد مقال الصحافي بوعقبة، ووجهت دعوات من أجل تبني القضية لدى القضاء، حيث عبر العديد من المحامين عن استعدادهم للدفاع عما وصف بـ”الإهانة” لسكان محافظة الجلفة، فيما ذهب آخرون لحد الإساءة إلى شخصه وإلى ماضيه المهني.
وقال الصحافي بلال عقاب في تغريدة:
واتهم معلق:
واتهم مغردون الصحافيين بالعمالة. وكتب معلق في هذا السياق:
ويذكر أن الكاتب الصحافي بوعقبة هو رمز كتاب العمود الصحفي في الجزائر، حيث حافظ عموده “نقطة نظام” الذي تجول به في مختلف الصحف والمواقع المحلية طيلة عدة عقود، على شهرة عالية ومتابعة واسعة لدى القراء الجزائريين، وكثيرا ما كان مصدر تضييق عليه، فكانت السلطات الوصية تقايض في بعض الأحيان الصحيفة التي ينشر فيها عموده، بوقفه مقابل الاستمرار في الحصول على الدعم الحكومي.
ويعتبر بوعقبة من الأقلام الصحافية النادرة في الجزائر التي واصلت الكتابة والوفاء لنفس الخط الناقد والساخر، فرغم تجاوزه سن السبعين، إلا أنه يواصل كتابة عموده في موقع مهاجر بلندن يملكه ناشطون سياسيون معارضون، مجانا.
ومنذ قرار الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة بفتح الترشح الرئاسي والمرور إلى الولاية الرئاسية الرابعة العام 2014، اتخذ الرجل موقفا سياسيا مناوئا للسلطة، وانخرط في العديد من الفعاليات السياسية المعارضة، على غرار حركة “بركات” (يكفي) في عام 2013، ثم تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي العام 2014، ثم الحراك الشعبي في 2019، وهو ما يكون قد كلفه حصارا غير معلن حول عموده المقلق، فنقله إلى الموقع اللندني.
وفي تسجيل بثه مدير الموقع الإعلامي والناشط السياسي المعارض سليم صالحي، عبر فيه هو الآخر عن اعتذاره لسكان الجلفة، ولسوء الفهم الذي لف مقال الكاتب بوعقبة، وذكر بأن “الموقع والمقال لا يستهدفان الإساءة أو إهانة أي جهة من جهات الوطن، وأن نوايا غير بريئة أرادت استغلال الواقعة لفبركة قضية تعد امتدادا للاصطفافات السياسية بين السلطة والمعارضة”.
وانتقد المتحدث بشدة من وصفهم بـ”الأوصياء” على منطقة الجلفة وعرش (قبيلة) أولاد نايل، من سياسيين وإعلاميين، وخاطبهم بالقول “ها نحن نعتذر لأهل الجلفة، فمتى تعتذرون أنتم من الشعب، بسبب التضليل والتعتيم الذي تمارسونه عليه، فقد كان الشعب الجزائري يسير بالملايين في العاصمة ومختلف المدن، وأنتم تبثون المسلسلات التركية والرسوم المتحركة، وتنكرون في مقالاتكم وجود شعب يحتج”.
وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مساء الأحد، معلومات حول وضع الصحافي سعد بوعقبة، تحت النظر من طرف أمن العاصمة، للتحقيق معه حول المقال، بناء على أمر من النائب العام المختص إقليميا.