خبرة نسج المؤامرات تفشل في تحصين النظام الإيراني

تطوّرت نظرية المؤامرة في قمع الاحتجاجات الشعبية في الشرق الأوسط بشكل يستحق الاهتمام فعلا. وما حدث في إيران مؤخرا يدلل على ذلك بوضوح. الوصفة الجديدة التي قدّمتها طهران للعالم بسيطة جدا ومجدية جدا. نعزل البلاد عن العالم الخارجي لبضعة أيام، نقتل ونعتقل ونضرب خلالها الآلاف من المحتجين حتى يعود البقية إلى منازلهم. وعندما تنتهي المجازر نصدّر للإعلام صورة بعيدة لأشخاص مسلحين لا يمكن تمييز ملامحهم يطلقون النار على الأمن.
في اليوم التالي، تخط وسائل الإعلام الموالية للنظام فوق الصورة عنوانا عريضا يقول انتصرنا. ومن ثم يتبارى أبواق النظام في تفسير خطب القادة المنتصرين للمؤامرة الخارجية التي تُتهم فيها دول تعارض السياسة الإيرانية. لا ضرورة لأن يعرف أحد كيف ومتى وماذا حدث. كل ما هو مطلوب الدعاء للقادة باستمرار حكمتهم وقوتهم التي تدحر أعداء لا يمكن إدراكهم بالحواس الخمس.
لا تعرف من العدو في المؤامرة التي تدعي إيران أنها انتصرت عليها. لا ترى شخوصه ولا تتلمس مبرراته. كل ما يتوفر من معرفة حوله يأتي عبر مصدر واحد هو الشخص الذي حاك القصة، وأوصلها لمن يواصل سردها. أما البديل فهو أن تقتنع بعدم وجود احتجاجات.
عندما تحرق قنصلية إيران في النجف لثلاث مرات متتالية فهذا يعني أن العدو لم يعد هلاميا ولم يعد مجموعة مندسين
دُحِرت المؤامرة الخارجية وتمت حماية البلاد من الأعداء. لم تر هؤلاء الأعداء ولكنك يمكن أن تجري بعض المقاربات للتعرف عليهم. هم أشخاص يدّعون الفقر والظلم والاضطهاد. لا يعرفون نعمة أن تكون معاقبا اقتصاديا وسياسيا لأنك تفسد حياة الشعوب في خمس دول عربية.
الاستنتاج المنطقي يقول إن الشعب هو العدو. ولكن النظام يقول إن المحتجّين صادقون، والمشكلة تكمن في العدو الخارجي الهلامي وأدواته. أولئك المندسون الذين يريدون تسلّق الحراك للإطاحة بالنظام ونشر الفوضى في البلاد. فجأة يتحول الشعب من ضحية للنظام إلى ضحية للمندسين. وبدل أن يلبي النظام مطالبات الحراك المقهور تصبح مهمته حماية الدولة من المؤامرة الخارجية، ويصبح الواجب الوطني للحراك هو شكر النظام على حماية الدولة.
ثمة خبرة لدى نظام إيران في استخدام نظرية المؤامرة لقمع الاحتجاجات الشعبية تراكمت منذ ثورة الخميني قبل أربعين عاما. يعتقد الولي الفقيه أن قدرته على خلق المؤامرات وإحباطها هي ما تبقيه على قيد الحياة، ولكن الحقيقة هي أن الدول التي تستخدم إيران منذ عام 1979 هي من تحافظ على ديمومتها، وتتيح لها كل الوقت لقمع التظاهرات وقتل الأبرياء وخنق المعارضة.
يفاخر الإيرانيون بانتصار كبير لهم على المؤامرة الخارجية في سوريا. وعلى ركام هذا النصر يبشّرون العراقيين واللبنانيين بإحباط المؤامرات عليهم. على عكس ما يتوقّع خامنئي، فإن المقارنة بحد ذاتها تكفي لأن يثور العراقيون واللبنانيون على إيران وأنظمتهم المرتهنة لها. فالإنجاز الوحيد لخامنئي في “إحباط المؤامرة” على سوريا هو الخراب والدمار وانقسام البلاد بين أربعة محتلين إضافة إلى إيران.
الاستنتاج المنطقي يقول إن الشعب هو العدو. ولكن النظام يقول إن المحتجّين صادقون، والمشكلة تكمن في العدو الخارجي الهلامي وأدواته
لم يكن الإيرانيون ليحققوا أي “نصر” لهم في سوريا لو أن نظاما آخر غير نظام بشار الأسد هو الذي يحكم البلاد. ورغم ذلك كل ما حققوه هو مجرد وهم نصر لا طائل منه كما يثبت العراقيون واللبنانيون كل يوم منذ شهرين.
كل ما فعلته إيران في سوريا هو زرع وكلاء وأذرع لها هناك، وهي ترى اليوم كيف يتهاوى من زرعتهم في لبنان والعراق قبل سوريا بسنوات طويلة. خرج الإيرانيون من الأزمة السورية بقراءة سياسية مغلوطة يحاولون إقناع أنفسهم والعالم بها. ولكن التظاهرات العراقية واللبنانية اليوم تصوب هذه القراءة وتضع الأمور في نصابها الطبيعي. رهان نظام الملالي على موت شعوب المنطقة كان هشا جدا. ورهانه أيضا على ضوء أخضر أبدي من الدول الكبرى لإيران كي تتوسع شرقا وغربا خارج حدودها، كان هشا هو الآخر.
عندما تحرق قنصلية إيران في النجف لثلاث مرات متتالية فهذا يعني أن العدو لم يعد هلاميا ولم يعد مجموعة مندسين. وعندما يخرج شيعة لبنان ضد حكم يستند على حزب الله وحركة أمل بالدرجة الأولى، فإن المؤامرة الوحيدة التي تدحر في المنطقة هي مؤامرة خامنئي.
لن يستفيد النظام الإيراني من خبرة نسج المؤامرات وقمع الاحتجاجات التي راكمها على مدار عقود لمواصلة هيمنته على الشرق الأوسط. وإن تملكه الغرور بقمع تظاهرات الإيرانيين هذه المرة أيضا، فهو كالزهر الذي يخفي الموت وهو زؤام، كما يقول أمير الشعراء أحمد شوقي.