اعتقادات خاطئة للأسد

الأسد الابن اختار الطريق السهل وقرر تعطيل كل الحلول إلى حين حدوث تغيرات دولية تعيد واقع الحال إلى سوريا كما كان قبل عام 2011 رغم كل ما حدث في البلاد.
الجمعة 2022/12/30
رئيس يعيش وهم الماضي

جوهر الأزمة السورية بالنسبة إلى الداخل اليوم، هو غياب الأمن وضيق العيش. فلم يعد النظام قادرا لا على حماية الناس ولا على تأمين مستلزمات حياتهم.

ما حدث في محافظة السويداء مؤخرا يعكس واقع الحال ومآلاته، عندما تظل “الدولة” تتجاهل حاجة الناس إلى الحياة بالحدود الدنيا من الخدمات. وتستدعي العقوبات الغربية للهروب من كل مطلب اقتصادي أو خدمي. وكأنها أسقط في يدها ولا تمتلك من أمرها شيئا، فلا يسعها إلا انتظار رحمة المجتمع الدولي على الشعب الذي يتضور جوعا وبرداً.

الواقع أن نظام بشار الأسد يدعي العجز ليس فقط في إدارة شؤون الاقتصاد، وإنما في كل الجوانب السياسية والمدنية والعسكرية. لا أحد ينكر الضغوط الدولية التي تعيشها البلاد منذ سنوات، ولا أحد ينكر أيضا قيود العقوبات على حركة الاقتصاد بالنسبة إلى الأفراد والشركات والدول، ولكن هل يبذل النظام جهده لمساعدة الناس فعلا؟

الأسد الابن اختار الطريق السهل، وقرر تعطيل كل الحلول إلى حين حدوث تغيرات دولية تعيد واقع الحال إلى سوريا كما كان قبل عام 2011. لا حاجة إلى تغيير أو إصلاح رغم كل ما حدث في البلاد. وكأن الزمن سيعود إلى الوراء يوما، ليستيقظ السوريون على مدنهم وحياتهم ومؤسساتهم وليرتهم دون تشوه أو ضرر أو حتى تبدل.

◙ لقد أمضى النظام السوري السنوات الثلاث الأخيرة وهو يعيش وهم الماضي وحلم استعادة حضوره في المنطقة، فقط عبر المماطلة بحل أزمته الراهنة إلى حين تبدل الظروف الدولية لصالحه

في الوهم الذي يعيشه اليوم، يتمنى الأسد لو أن الشعب يغفو كأهل الكهف لسنوات، ثم يصحو وكأن شيئا لم يتغير، ولم تمس شعرة واحدة من محددات الدولة ولا حدودها. ولكن الواقع يقول إن كل شيء قد تبدل، والرهان على عودة الحياة إلى ما قبل 2011 هو مجرد حسابات خاطئة لا تعكس نضجا ولا تعبر عن دهاء سياسي.

قبل أيام نقلت وكالة رويترز عن مصادر سورية أن بشار الأسد يماطل في عقد لقاء مع نظيره التركي بوساطة روسية. وتبرر المصادر ذلك بأن الأسد لا يريد أن يمنح أردوغان “نصرا انتخابيا” مجانيا. لكن السؤال هو، من يحتاج إلى “انتصارات” تعينه على مساعدة نفسه وشعبه في الداخل والخارج، أردوغان أم بشار الأسد؟

كثيرة هي لاءات الأسد التي تعطل حل الأزمة السورية. رفض المصالحة مع تركيا واحدة منها. وكذلك عدم الجدية في مفاوضات جنيف الدستورية، بالإضافة إلى عدم الاعتراف بالخراب الذي جره ويجره تدخل إيران وذراعها حزب الله الإرهابي في الشأن الداخلي. وقبل كل هذا، رفض الاعتراف بحقيقة الأزمة الوجودية التي تعيشها البلاد في ظل انقسام الأرض والشعب بين دول عدة منذ سنوات.

لهاث النظام وراء أوهامه، وتمسكه بالرهان على عطف العالم وقبوله بمساعدة “الدولة العاجزة” في نهاية المطاف، يستند على 5 اعتقادات خاطئة تزيد من تعقيد الأزمة.

أول الاعتقادات الخاطئة، هو قراءة التغيرات الدولية كمؤشرات إيجابية يمكن الاستفادة منها. ومع مرور الوقت يكتشف الأسد أن إهمال تفاهماته الراهنة من أجل تبدلات لن تحدث يقود إلى خسارة أصدقائه وحلفائه الذين أرادوا سابقا مساعدته لتجاوز مشكلاته. فالدول تحتاج إلى علاقات حية تخدم مصالحها وتعزز نفوذها.

الاعتقاد الخاطئ الآخر هو توهم الأسد بالنصر على خصومه عندما يبدون مرونة تجاهه. ثم يتجاهل الرسائل التي تصله منهم بشكل مباشر أو غير مباشر، معتقدا أن التجاهل سيدفعهم إلى التنازل تلو الأخر من أجل إرضائه. ولكن الحقيقة هي أن الظروف تتغير والحاجة إلى الانفتاح عليه اليوم قد تنتهي غدا، ليعودوا إلى معاداته.

◙ في الوهم الذي يعيشه اليوم، يتمنى الأسد لو أن الشعب يغفو كأهل الكهف لسنوات، ثم يصحو وكأن شيئا لم يتغير، ولم تمس شعرة واحدة من محددات الدولة ولا حدودها

الاعتقاد الثالث لوهم الأسد يتمثل بالمبالغة في الاتكالية على الدول التي تريد مساعدته خدمة لمصالحها. فيعتقد أن هذه الدول يمكن أن تستنزف نفسها من أجله. ولكنها في الواقع ستفقد الأمل منه وتبتعد عنه، ثم تحاول تلبية مصالحها عبر بوابة أخرى. ولا مشكلة لديها من طرق أبواب تضر به إن اقتضت الضرورة.

الاعتقاد الرابع هو أن الدول تفضل التعامل مع حكومات ضعيفة وهشة لأنها تتحكم بشروط العلاقة بين الطرفين. ولكن الحقيقة أن البلدان التي تخطط لمستقبلها إستراتيجيا لا تفضل تقديم دعم مالي أو سياسي أو عسكري لدولة ضعيفة. فلا جدوى من الاستثمار بنظام زائل، أو قيادة لا تتحمل مسؤولياتها تجاه شعبها وجيرانها وحلفائها.

في الاعتقاد الخامس، يظن الأسد أنه يمثل عمقا دوليا وإقليميا لا يمكن تجاوزه، أو الاستمرار من دونه. ولكن التجربة أثبتت أن حتى الدول الكبرى لا تبالغ في تقدير مواطن قوتها. فهناك دائما من يتحكم بخيط من خيوط اللعبة، ويمكن أن يتحالف مع أعدائك من أجل أن يستفيد من خصومتك معهم، ويقدم لهم البديل عن خدماتك.

ما يهم في هذه النقطة أيضا أن تعرف كيف تحمي مواطن قوتك التي تتباهى بها. فكيف يمكن لدولة تزدحم الطائرات الحربية في سمائها، وأرضها تتقاسمها جيوش ودول، أن تقول إن المنطقة لن تعرف الاستقرار من دونها، وبيدها حلول الحرب والسلام. السيادة المنقوصة لا تقنع أحدا في الداخل والخارج، ولا تبعث الاطمئنان في فرد أو دولة.

لقد أمضى النظام السوري السنوات الثلاث الأخيرة وهو يعيش وهم الماضي وحلم استعادة حضوره في المنطقة، فقط عبر المماطلة بحل أزمته الراهنة إلى حين تبدل الظروف الدولية لصالحه. لم تحقق له هذه النظرية شيئا إلا مزيدا من العجز في الأداء، والقلق على مستقبل كان في الأمس ضبابيا واليوم قاتما.

يقول الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا “إن الوهم أشد رسوخا من الحقيقة”. وهذا ما حدث في سوريا، توهم الأسد أن الثورة لم تقم أصلا، وجلس في انتظار غودو..

9