خالد فودة جنرال مصري تسند إليه الحكومة مهمة إنجاح مؤتمر المناخ

إعلان فودة عن تخصيص أماكن مغلقة للمحتجين في أثناء قمة المناخ التزاما من الحكومة، إشارة تعكس إلمام الرجل بمقتضيات الحريات وحقوق الإنسان.
الثلاثاء 2022/11/01
محافظ جنوب سيناء يتمكن من تحويلها إلى مزار سياحي

عكس التطور الحاصل في مدينة شرم الشيخ الواقعة على البحر الأحمر والتابعة لمحافظة جنوب سيناء والتي تستضيف مؤتمر المناخ “كوب 27” بعد أيام، إلى أي درجة يمكن أن يصبح المسؤول المحلي قادرا على تجاوز الصعاب في وقت قياسي، طالما منحه النظام الحاكم ثقة ليصبح حاكما مكتمل الصلاحيات.

وتبدو تلك المسألة جلية في علاقة النظام المصري باللواء خالد فودة، محافظ جنوب سيناء، الذي حمّلته الحكومة مهمة خروج مؤتمر المناخ المنعقد خلال الفترة من السادس إلى الثامن عشر من نوفمبر المقبل بشكل مشرف، ليعبر عن صورة مصر سياسيا وسياحيا وأمنيا، حيث كلف بتحويل المنطقة التي تستضيف المؤتمر إلى مدينة جاذبة بعد المؤتمر أيضا.

العبور إلى المستقبل

استطاع فودة خلال أشهر قليلة تحويل شرم الشيخ إلى مدينة خضراء، لا تُستخدم فيها مشتقات البترول لتوليد الكهرباء ولا تتم تغذية السيارات بالوقود، بل تعتمد بشكل كامل على الطاقة الشمسية، على مستوى المؤسسات الحكومية والفنادق وإنارة الشوارع وشحن السيارات، حتى صارت أول مدينة مصرية صديقة للبيئة.

تبدو الحكومة مطمئنة إلى حد بعيد بأن وجود فودة على رأس المسؤولين عن نجاح “كوب 27” يكفي لعبور الحدث إلى بر الأمان، فهو شخصية عسكرية منضبطة وصارمة وهادئة، لا يقبل الحد الأدنى من التقصير، ولم يعرف عنه الاعتراف بالتقارير المكتبية التي تجمل الصورة، ويصر على متابعة التفاصيل بنفسه.

ويصنف فودة بأنه من المحافظين القليلين الذين بقوا في منصبهم فترة طويلة، حيث أسندت إليه مسؤولية الحكم المحلي في جنوب سيناء منذ عام 2011 وحتى اليوم، مع أن تقاليد الرئيس عبدالفتاح السيسي عدم الإبقاء على أي مسؤول سنوات طويلة في مكان واحد كنوع من تجديد الدماء وتدوير المسؤولين في أماكن مختلفة.

من الأقصر إلى سيناء

شرم الشيخ كانت منتجعا رسميا لمبارك واحتضنت فعاليات رئاسية عديدة، قبل أن تتعرّض للشيخوخة
شرم الشيخ كانت منتجعا رسميا لمبارك واحتضنت فعاليات رئاسية عديدة، قبل أن تتعرّض للشيخوخة

كان من الطلبة المتفوقين في الدراسة في المرحلة الثانوية، لكنه فضل الانضمام إلى الكلية الحربية التي تخرج فيها عام 1976 برتبة ضابط متخصص في المدرعات وتدرج بعدها في المناصب العسكرية ليشغل منصب مدير معهد المدرعات قبل أن يصبح قائدا لقوات الدفاع الشعبي والعسكري، ثم تكونت لديه خبرات جيدة عقب الحصول على عدة دورات عسكرية في الولايات المتحدة.

حصل على العديد من الأوسمة، بينها نوط الواجب العسكري، ووسام تحرير الكويت التي شارك في تحريرها وهو قائد كتيبة، ونوط المعركة من السعودية، ونوط القدوة الحسنة، ونوط الخدمة الممتازة، ونوط الجمهورية من الطبقة الأولى، وترأس بعثات عسكرية لمصر في كل من فرنسا والولايات المتحدة وإيطاليا واليونان والسعودية والإمارات.

كانت أول علاقته بحكم الأقاليم عندما تولى منصب محافظ الأقصر في جنوب مصر عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 لمدة ستة أشهر، ثم انتقل بعدها محافظا لجنوب سيناء.

القرب من السيسي

استخدمت جماعة الإخوان كثيرا ما يسمى بورقة فودة لاستهداف السيسي والإيحاء بأنه يجامل بعض الأسماء على حساب المنصب، بحكم أن ابن فودة متزوج من ابنة السيسي، لكن الأخير لم يعبأ بذلك، طالما أن فودة يعمل دون احتماء حقيقي به، ونجح في تحويل جنوب سيناء إلى محافظة فريدة، فقد عزل السيسي سابقا رئيس الأركان اللواء محمود حجازي وهو من أقرب أصدقائه وعلى علاقة نسب به أيضا.

صحيح أن شرم الشيخ كانت في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك منتجعا رسميا له واحتضنت الكثير من الفعاليات الرئاسية، لكنها مع مرور الوقت تعرضت للشيخوخة بعدما اعتمدت فقط على السمعة الطيبة والمظاهر الخلابة وعناصر الجذب السياحي، دون تطوير يتناسب مع متطلبات الأفواج السياحية التي تقصدها.

أكثر ما يميز فودة أنه يدير جنوب سيناء بعيدا عن عقلية الرجل العسكري، رغم أن الحكومة تتعامل معها بطبيعة أمنية خاصة كمحافظة حدودية وقريبة من إسرائيل.

رؤية سياسية

فودة تمكن خلال أشهر قليلة من تحويل شرم الشيخ إلى مدينة خضراء، لا تُستخدم فيها مشتقات البترول
فودة تمكن خلال أشهر قليلة من تحويل شرم الشيخ إلى مدينة خضراء، لا تُستخدم فيها مشتقات البترول

تحركه رؤية سياسية ساعدته على النجاح في الكثير من المهام التي أوكلت إليه، فهو قارئ جيد للأحداث ويُدرك كيف يستثمر إمكانياته في إحداث الفارق، وهي ميزة جعلته يتفوق على الكثير من الجنرالات الذين سبقوه في جنوب سيناء.

أعلن فودة أنه قام بتخصيص أماكن مغلقة للمحتجين في أثناء قمة المناخ التزاما من الحكومة باحترام التظاهر وقت الأحداث المرتبطة بالبيئة، في إشارة تعكس إلمام الرجل بمقتضيات الحريات وحقوق الإنسان، داعيا أي مسؤول دولي يرغب في الاطلاع على مكان التظاهر بزيارة شرم الشيخ.

استقبل العديد من سفراء ومسؤولي الدول الغربية لإطلاعهم على الخطوات التي تم اتخاذها في توفير أماكن للتظاهر السلمي دون قيود أمنية، إلا قيد احترام القوانين المنظمة للاحتجاج في مصر، بحيث يكون ذلك وفق تصاريح مسبقة وتحت رقابة أجهزة الأمن. وهو تصريح تعامل معه معارضون للقاهرة بسخرية.

برر هؤلاء سخريتهم بأن مصر لديها العديد من القوانين التي تضع قيودا صارمة على التظاهر في الشوارع منذ سقوط نظام حكم الإخوان، عقب ثورة شعبية عارمة شارك فيها الملايين من المصريين عام 2013، لكن الرجل أكد أن “التظاهر السلمي وقت مؤتمر المناخ حق للجميع، طالما التزموا بالتعليمات، والقواعد التي تضعها الأجهزة الأمنية لحفظ سلامة الوفود المشاركة وبما لا يخل بخطة التأمين”.

يُدرك الجنرال فودة أن الحكومة تضع الكثير من طموحاتها ورهاناتها السياسية على نجاح مؤتمر المناخ، ما جعله يتعامل في تحركاته وتصريحاته بطريقة تعكس أنه مسؤول أن يكتب شهادة تفاعل السلطات مع مشاغل المجتمع الدولي وقدرتها على الانفتاح مع متطلباته، وفي مقدمتها الموافقة على منح حق التظاهر في مناسبة عالمية.

العارف بسكّان سيناء

الحكومات المصرية المتعاقبة همّشت بدو سيناء، وهي سياسة رفضها فودة
الحكومات المصرية المتعاقبة همّشت بدو سيناء، وهي سياسة رفضها فودة

يمتلك حنكة في التعاطي مع البيئة السكانية في جنوب سيناء جعلته في مأمن عن الإقصاء في أي حركة محافظين تقدم عليها الحكومة، إذ يمتلك شعبية واسعة بين القبائل البدوية بعدما نجح في جلب خدمات حكومية متكاملة لمساعدة سكان المحافظة.

يستعين فودة في أغلب المشروعات التي تجري على أرض سيناء بأبناء المحافظة للحد من البطالة، ورغم تدني مستوى التعليم، إلا أنه يتعامل بمبدأ “أهل المنطقة أولى بها”، وهي قاعدة كسرت الكثير من الجمود الذي كان يعتري علاقة النظام الحاكم في أوقات سابقة بسكان البدو في المحافظات الحدودية، وسيناء على وجه الخصوص.

كانت الحكومات المصرية خلال حكم الرئيس مبارك تتعامل مع بدو سيناء بطريقة تهميشية، وتكررت وقائع اعتقال البعض من شبابهم لمخاوف من ارتباطهم بتنظيمات متشددة، وهو المسار الذي رفض فودة استمراره، حيث أسند العديد من المهام لأبناء المحافظة فأبعدهم عن التطرف وباتوا حاضرين في مشروعات عديدة.

عزز الرجل داخل وجدان أهالي جنوب سيناء مفهوم المواطنة الذي كان مفقودا بالنسبة إلى كثير منهم، وصاروا اليوم حراس المحافظة بما انعكس على حياتهم المعيشية، وعلاقتهم الجيدة بالحكومة بعدما أعيد إليهم الانتماء إلى المكان الذي كان سببا في منغصات لهم بسبب الحراسة الأمنية الشديدة عليه، حيث تحول إلى معقل آخر للحكم في أواخر عهد مبارك.

الحكومة المصرية تبدو مطمئنة إلى أن وجود فودة على رأس المسؤولين عن "كوب 27" يكفي لعبور الحدث إلى بر الأمان، فهو شخصية عسكرية منضبطة وصارمة وهادئة

يخاطب فودة سكان سيناء بلغة الرجل الذي نشأ بينهم ويتعامل معهم باعتبارهم أبطاله الذين يحتمي بهم لتظهر المحافظة في صورة سياحية واقتصادية واجتماعية وأمنية جيدة، وفي مناسبات عدة أشار إلى أن أهالي المحافظة لا يتنازلون عن فعل المستحيل.

في ذروة تدني حركة السياحة الروسية والأوكرانية والغربية الوافدة إلى شرم الشيخ عقب حادث سقوط الطائرة الروسية في أكتوبر عام 2015، لم ييأس الرجل من استغلال أقل فرصة للبحث عن مورد بديل يجلب قطاعات مختلفة من السياح، معتمدا في ذلك على الحس العالي لسكان المحافظة، فتوسع في فتح مسارات أخرى، مثل السياحة الدينية والعلاجية وسياحة الجبال والغوص.

يُحسب لفودة أنه المحافظ الذي أعاد الاهتمام بالسياحة الدينية في جنوب سيناء، وجعل لها أهدافا اقتصادية كبيرة، حيث انصب تركيزه على تطوير المعالم الدينية في سيناء للترويج للمقاصد السياحية المصرية مثل ملتقى الأديان السماوية، ونجح في أن يجعل من جنوب سيناء مزارا لمتدينين من العقائد الإسلامية والمسيحية واليهودية.

بعدها اتفق مع مستثمرين على تقديم المزيد من الإغراءات للوافدين، وانعكس ذلك على حركة السياحة في المدن السياحية بالمحافظة، وقفزت حجوزات الفنادق إلى أرقام كبيرة، ما جعل شرم الشيخ في مقدمة المدن التي تحتضن السائحين الوافدين من دول عربية مختلفة.

أعاد تأهيل مطار شرم الشيخ، ونشر الأمن في كل مكان بالمحافظة، واتفق مع الجيش على تمشيطها بشكل كامل ومنع وصول الإرهابيين إليها، واستثمر علاقاته الجيدة مع وسائل الإعلام للترويج لما يجري على الأرض.

تعهد الرجل منذ حوالي ستة أعوام بأن يجعل من مدينة شرم الشيخ السياحية التي فرضت دول عدة حظرا على السفر إليها بأن تصبح في وقت قريب مدينة غنية بالمؤتمرات على مستوى العالم.

استثمار العلاقة مع الجيش

ثثث

علاقته القوية بالقوات المسلحة يستثمرها فودة لتنفيذ مشروعات كبرى في أوقات قياسية وجودة عالية من خلال الهيئة الهندسية التابعة للمؤسسة العسكرية، ويستغل علاقاته الجيدة بالمستثمرين للتبرع ودفع جزء من تكلفة بعض المشروعات دون تحميل موازنة الدولة المزيد من الأعباء.

ضاعفت النجاحات الأعباء السياسية والاقتصادية على الرجل، لكنه غالبا ما كان يتفوق في كل اختبار، وكشفت العديد من الشواهد والأحداث لأي درجة يمتلك قدرا كبيرا من الكفاءة وسرعة الإنجاز، لاسيما أنه يعتبر كل مهمة يكلف بها بمثابة تكليف عسكري، لا يمكن أن يتقاعس عنه أو يتراخى في أدائه.

أصبح فودة من حكام الأقاليم الذين يتعامل معهم الرئيس السيسي بخصوصية، بعيدا عن علاقة المصاهرة، فهو الرجل الذي يصعب أن تثار في محافظته أزمة سياسية أو أمنية أو اقتصادية، يشعر غالبية المواطنين أن جنوب سيناء منطقة خالية من المنغصات.

وتمكن من أن يعيد توظيف الجبال في جنوب سيناء لتصبح مزارات سياحية، حتى صارت كل منطقة تحتضن جملة من المشروعات المختلفة، وجعلت منها نموذجا لمحافظة مصرية رائدة نجحت في اللحاق بركب التطور والتنمية لتبدو مدينة عصرية، بعدما تم توظيف الكثير من إمكانياتها البشرية والطبيعية والاستثمارية.

وإذا كانت أزمة الحكومة أنها لا تجيد اختيار قادتها التنفيذيين بشكل يرفع عنها عبء المركزية سوف يظل فودة نموذجا لرجل الدولة التنفيذي الذي يعي جدية النظام الحاكم في التطوير، ويعمل باعتباره ركنا من أركانه ليغير الكثير من الصورة الذهنية السلبية التي ترسخت في أذهان الناس عن الجنرال عندما يتولى منصبا مدنيا.

12