حين يلتصق الشِّعر بحياة الناس

الانتصار للمرأة ليس شعارات سياسية ولا نرجسية تستغرق الكتابة النسوية في النثر والشّعر، ولكن هي القيم التي يسعى لتحقيقها الشّعر.
الأحد 2022/12/04
ارتباط بين المثقف والالتزام

ليس مقالا في هوية الشّعر، ولكن في البحث عن التصاقه بالحياة.

القصة ترتبط بوزيرة المرأة في تونس، الشاعرة التونسية المعروفة عربيا آمال موسى، وصاحبة دواوين ”أنثى الماء” و”خجل الياقوت” و”يؤنّثني مرّتين” و”الحياة لم تضع بعد مساحيقها”.

الوزارة اسمها وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن. وزارة لا تجلب الأضواء سياسيا، وليس فيها تصادم مع المعارضة أو اتحاد الشغل، وهذا عنصر سمح للوزيرة أن تعمل براحة وبعيدا عن الأضواء، سوى أضواء تصنعها بنفسها من خلال تنقلات ولقاءات يومية يُنشر البعض من تفاصيلها على حسابها أو حساب الوزارة في فيسبوك.

ما يثير هنا أن الشاعرة التي تغرق عادة في قضايا النصوص وعالم من الرموز والأساطير، وقصيدة النثر أو التفعيلة، باتت تلتصق بالتفاصيل الحسية للحياة اليومية للناس خاصة فئة المسنين والأطفال وتعيش على وضع قضايا النساء في مجتمعات عربية يسيطر عليها العنف بأنواعه ضد المرأة.

هناك خلايا متنقلة ومراكز إرشاد تعنى بالوقوف إلى جانب المرأة المعنفة ودعمها قانونيا ونفسيا وتوجيهها لاستعادة حقها، والهدف تأكيد أن الانتصار للمرأة ليس شعارات سياسية ولا نرجسية تستغرق الكتابة النسوية في النثر والشّعر، ولكن هو تفاصيل صغيرة تقود إلى البحث عن العدل والإنصاف والتضامن، وهي القيم التي يسعى لتحقيقها الشّعر، وإن بمفردات ملتبسة تحتاج إلى التأويل.

هل يمكن للشاعر أو المثقف أن يلامس مثله من خلال الالتصاق بالناس، والوقوف على حياة المسنين، أو تتبع أخبار البنت التونسية التي رمى بها والداها في قارب لمهاجرين بصورة غير قانونية وتصل إلى إيطاليا، وتساهم الوزارة مع غيرها في استعادة البنت وإعادتها إلى أسرتها.

هل يقدر الشاعر/المثقف الذي يميل عادة إلى التعالي عن تفاصيل الناس وهمومهم اليومية، أن يتنقل صباح مساء بين الأحياء الشعبية والقرى البعيدة عن العاصمة لتدشين رياض حكومية للأطفال بعد أن وضع القطاع الخاص يده على هذا المجال الحساس في حياة الأسر التونسية، وحوّله إلى عبء مالي بخدمات محدودة.

يمكن أن تكون تجربة الشّعر الملتصق بالناس بعيدا عن الضجة في تجربة تونسية، وبالتأكيد ثمة حالات عربية أخرى ولكن محدودة، إشارة للمثقفين كي يمزجوا بين الإبداع كحالة فردية لها طقوسها وقد يكون من بينها العزلة، وبين النزول إلى حياة الناس وتعقيداتها، ففيها يلتقطون اللحظة الشعرية، واللمعة التي تبني القصة القصيرة، والمعاناة التي تراكم تجارب الروائي.

لكن الأهم أنها تربط بين الإبداع والحياة، بين المثقف والالتزام، فليس هناك شعر للشّعر، أو التزام منغلق على النفس، وإلا صار بلا جدوى.

20