حياة "السلفات".. مكائد تنتهي بتشتيت شمل العائلات

يؤكد علماء الاجتماع أن المشاكل التي تنجر عن الغيرة بين زوجات الإخوة (السلفات) لا تقل تداعياتها على العائلة الموسعة عن تلك التي تحصل بين الكنة والحماة. ويذهبون إلى أبعد من ذلك في اعتبار أن الغيرة التي تحدث بين زوجات الأشقاء نتيجة المقارنة والمنافسة الدائمة، قد تتفاقم لتؤثر في العلاقات الودية بين الإخوة فيحدث الشقاق بينهم.
تؤدي المقارنة والمنافسة الدائمتين بين زوجات الإخوة، خاصةً إذا كن متقاربات في السن ويتواجدن في نفس البيت إلى نشوء مشاعر الغيرة المزعجة بينهن، ما قد يحوّل الأجواء العائلية إلى التوتر الشديد ويزيد من كثرة المشكلات التي ربما قد تتفاقم لتؤثر في العلاقات الودية بين الأخوة، وتصل حد تفريقهم في السكن أو في مراكز العمل إذا كانوا يعملون في نفس المكان.
وفي حين تَنعم بعضُ “السلفات” بحياةٍ يَسودها الهدوء والموَدّة، تجتاح حياة أخريات المشاكل. ويمكن أن تَنشأ المشاكل بينهن نتيجة “القِيل والقال” أو التعليقات السلبية أو حظوة واحدة منهن بمكانة أفضل لدى العائلة الموسعة أو عيش واحدة منهن ظروف اجتماعية أفضل من الأخريات بحكم غنى زوجها ورفاهيته المادية.
وتقول عزيزة سبعينية و أم لولدين أحدهما متزوج والآخر أبطل زواجه نتيجة المشاكل التي افتعلتها زوجة أخيه “إن الغيرة بين السلفات قد لا تعرف حدودا وقد تصل حد تدمير علاقة زوجيه قبل بدئها”.
وتشير عزيزة إلى أن زوجة ابنها الأصغر حاكت كل الدسائس لتبطل زواج سلفتها نظرا لغيرتها الشديدة منها وحتى تبقى هي الكنة الوحيدة في البيت العائلي الممتد.
وتضيف لـ "العرب" أنها كانت دائما تسعى إلى التقليل من شأنها عندما تتم دعوتها إلى المنزل للعشاء، كما أنها تعمدت ذات مرة أن تذهب إلى بيتها دون علم زوجها وتخبرها أنها هي صاحبة المكانة المميزة لدى العائلة وفي المقابل لا تحظى هي بنفس الاهتمام، وأنها تحظى بقدر كبير لدى زوجها الذي لا يتوانى في جلب الهدايا لها في حين هي لا يغدق عليها خطيبها الأموال، مما زرع الفتنة بين كافة أفراد العائلة وأبطل الزواج.
بدورها تؤكد آمال أربعينية موظفة بالقطاع العمومي ومتزوجة من أخ لولدين هو أصغرهما أنها عانت الأمرّين من غيرة سلفتيها لكنها استطاعت بحكمتها أن تتجاوز ذلك حتى لا تتأثر العلاقات العائلية بمشاكلهم.
وتقول آمال لـ "العرب" بحكم إنني زوجة الابن الأصغر في العائلة كانت حماتي تدللني حتى أنها بقيت إلى جواري عدة أشهر حين أنجبت ابنتي الأولى وساعدتني في رعايتها. وقد خلق ذلك نوعا من الغيرة خصوصا لدى زوجة الابن الأوسط التي كانت دائما ما تقارن نفسها بي وتقارن علاقتها بحماتي بعلاقتي بها، وتكرر ذلك على مسمع مني ومن زوجها ومن كل أفراد العائلة.
وتضيف أنها بفضل حسن تصرفاتها كانت دائما تخمد نيران الغيرة لدى سلفتيها ولا تأبه لانتقاداتهم لها.
وتشير أخصائية العلاقات الأسرية تهاني العافت إلى أن الغيرة يمكن أن تكون متبادلة بين السلفات إلى حدّ توتير أجواء العائلة ككُل ويمكن أن تتطوّر الغيرة إلى شجار، والشجار إلى مشكلة مزمِنة لا تُحلّ عادةً بسهولة.
وتؤكد أخصائية التربية الأسرية أن من أهم الآثار السلبية لغيرة السلفات هي ما يمس العلاقات الأسرية، فالغيرة من شأنها أن تفتك بعلاقات الأسر فتظهر العلاقات غير المتوازنة داخل محيط الأسرة الواحدة.
وتقول العافت إن ناقوس الخطر يدق في الأسرة جراء غيرة السلفات عندما تمتد إلى أزواج السلفات وأبنائهن، ومن هنا تتسع دائرة الغيرة لتقضي على الأخضر واليابس بل تتعدى ذلك إلى علاقة الأبناء بأمهم التي قد تنجرف في بعض الأحيان إلى زوجة ابن دونما الآخر، في حال كانت زوجة الأخير لا تجيد تلك الفنون السلبية.
وتشير العافت إلى أن هناك أسبابا كثيرة لتلك المكائد ولعل من أهمها الغيرة التي تجد بيئتها الخصبة في البيوت الممتدة في حال غاب التوجيه والتصرف بحكمة من قبل الأزواج، وعن المبرر لتلك الغيرة تؤكد العافت أن لها أسبابا عدة فمنها ما يتعلق بالناحية الاقتصادية خصوصا إذا ما كانت إحدى السلفات موظفة والأخريات لا يشتغلن، وفي بعض الأحيان يكون للجمال دور في إثارة تلك الغيرة والتحفيز عليها.
ويشير أحمد الأبيض المختص في علم النفس إلى أن النساء اللاتي ليست لهن اهتمامات اجتماعية أو فكرية وليس لهن طموح هن اللاتي يعمدن في غالب الأحيان إلى إثارة المشاكل والفتن داخل العائلة الموسعة بغاية فرض سيطرتهن.
وقال الأبيض لـ”العرب” إن صراع السلفات هو أساسا صراع على السلطة أو الثروة، مؤكدا على أن هناك فئة كبيرة من النساء لا يكتفين بفرض سلطتهن على أزواجهن فقط بل يتجاوزن ذلك إلى الرغبة في فرض سيطرتهن على مختلف عناصر العائلة الممتدة ومنها السلفة. ويضيف المختص في علم النفس أن ذلك النوع من النساء يتعمّد كسر صورة الآخر ومكانته لدى العائلة حتى يبرز هو في مسعى للحصول على نفس المكانة.
وتنصح العافت السلفات بضرورة تحري الوعي والقناعة، داعية إلى ضرورة تحكيم العقل من قبل الأزواج في الحد من تلك التصرفات التي تصدر من زوجاتهم. فالرجل مهم جدا ويلعب دور البطولة سواء في التأييد أم المعارضة والحد من تلك التصرفات التي تسيء إلى الأسرة بكاملها وتفرز سم الغيرة في نفوس الأطفال فينشأون تنشئة غير سوية في مجتمعهم الصغير الذي أقحم بالمكائد وعدم الاستقرار.
وينصح الخبراء المرأةَ بأن تكون تصرّفاتها ومتطلّباتها في إطار بيتها وحياتها نابعةً منها، وليست ردّةَ فعل على ما تقوله وتفعَله سلفتُها، مؤكدين على أن وضع الحدود يحافظ على هذه العلاقة ويفيد استقرارَها من ذلك احترام خصوصية بيت أخ الزوج وعدم التنقّل فيه بحرّية.
ناقوس الخطر يدق في الأسرة جراء غيرة السلفات عندما تمتد إلى أزواجهن وأبنائهن، فتقضي على الوئام العائلي
ويرى الخبراء أنه على كلّ واحدة منهنّ عدم تصعيد الموقف أو إقحام الزوج في خصوماتهن، بل من المهمّ التعامل بصبر وحكمة مع سوء التفاهم أو الإشكال، لأنّ هذه العلاقات العائلية طويلة الأمد ولا تُنصَح المرأة أبداً بالاستهانة بها.
ويؤكد الخبراء على أن تَجَنّب المرأة للغيرة من سلفاتها وابتعادُها عن المشاكل معهنّ، يساعد على استقرار حياتها الزوجية والعائلية والنفسية. لذلك مِن المهمّ أن تعتني كلّ سيّدة بشؤونها وبأمور منزلها بدلَ تضييع وقتها بالانشغال بحياة الآخرين عموماً وبحياة سلفاتها خصوصاً.
ويشير الخبراء إلى أنه من العلامات التي تدل على مدى الغيرة التي تشعر بها السلفة من سلفتها هي التعليقات السلبية التي تصدر منها أمام باقي أفراد الأسرة لتبدو مسيطرة ومتحكمة إلى جانب عدم التحدث معها بود، مؤكدين على أن ذلك يعتبر بمثابة شرارة تعلن عن بدء المعارك والخلافات بينهما. كما قد يتفاقم الأمر لتجعل إحداهما الأخرى تبدو مخطئة أو مهملة خصوصا في أمور تتعلق بزوجها وأطفالها.
كما أن عدم إبراز أي مشاعر حب أو تودد بينهما والاهتمام لإنجازاتهما الخاصة، قد يكون علامة على الغيرة بينهما حيث قد لا تحظى الأخبار السعيدة الخاصة بواحدة منهما بالقدر نفسه من الاهتمام لدى الطرف الآخر، بل على العكس، قد تحاول واحدة التقليل من قدر الأخرى وإنجازها مهما كان حجمه. هذا إضافة إلى أن إحداهما ستحاول دائما أن تكون هي الأفضل، لتبدأ المقارنات بشكل متكرر وواضح.
وهنا ينصح خبراء العلاقات الأسرية بالتعامل مع السلفة بطريقة مناسبة لتجنب الخلافات معها. ويرون أنه على المرأة أن تتوقف عن المحاولة عندما تدرك أن سلفتها لا تبالي بتصرفاتها تجاهها حتى مع المحاولات المتكررة، وذلك لتحظى بالقدر الكافي من الاستقرار النفسي.
وعلى السلفة أن لا تظهر أي ردود أفعال إذا اضطرت لقضاء الوقت مع سلفتها ومواجهة سلوكها ومقارناتها المزعجة، وأن تحرص على تجاهل ذلك تمامًا دون أن تظهر أي ردود أفعال.