حمّالات البضائع المغربيات يقفن في طابور البطالة

كساد المنطقة التجارية بين جيب سبتة الإسباني وشمال المغرب يلقي بظلاله على تجارة "التهريب المعيشي" التي كانت حمّالات البضائع يتمعّشن منها.
الاثنين 2020/02/03
لا يعرفن مهنة أخرى

الفنيدق (المغرب)- أوقف الإغلاق المفاجئ للمعبر الحدودي بين جيب سبتة الإسباني وشمال المغرب تجارة “التهريب المعيشي” التي كانت تشغّل على الخصوص النساء حمّالات البضائع، ما خلق أزمة اقتصادية واجتماعية على جانبي الحدود في غياب أي نشاط بديل.

ومنذ إغلاق المعبر قبل أربعة أشهر فقدت فاطمة الخمسينية -التي عملت حمالة بضائع طيلة حياتها- مصدر عيشها. وتشكو غاضبة وضعها الهش “يريدوننا أن نصبح متسولين”.

وكان الآلاف من المغاربة رجالا ونساء  يعبرون ذلك المركز الحدودي يوميا لنقل البضائع لحساب تجار يبيعونها في مدينة الفنيدق المجاورة ومنها إلى أسواق في مختلف المدن المغربية، مستفيدين من الإعفاء من الرسوم الجمركية، خلافا لناقلي البضائع في سيارات أو شاحنات.

وتأسف فاطمة على الفترة “التي كانت فيها التجارة رائجة، لكننا اليوم لم نعد نربح شيئا ولا نجد أي عمل هنا”، مشيرة إلى أنها استطاعت إعالة خمسة أبناء بفضل هذه التجارة التي حظيت لسنوات بتسامح السلطات رغم أنها تلحق ضررا بالاقتصاد المحلي.

البضائع المهربة تلحق أضرارا بالاقتصاد وتدمر المقاولات المغربية المنتجة
البضائع المهربة تلحق أضرارا بالاقتصاد وتدمر المقاولات المغربية المنتجة

واشتهرت حمالات البضائع إعلاميا باسم “النساء البغلات” نظرا إلى طرود السلع الضخمة التي يحملنها فوق ظهورهن في مشاهد مهينة، قبل أن يشرعن في استعمال عربات صغيرة مجرورة باليد، بمبادرة من تجار سبتة في 2018، بعد سلسلة من الحوادث المميتة بسبب التدافع.

ورغم تلك الحوادث المأساوية كان “التهريب المعيشي” يخلق رواجا تجاريا في مدينة الفنيدق ومدن أخرى مجاورة، ويدر على الحمالات ما معدله 20 دولارا. وتأمل فاطمة اليوم -شأنها في ذلك شأن الكثير من زميلاتها وزملائها وكذلك تجار مدينة الفنيدق- من السلطات إيجاد بدائل أو برامج تواكب التحول نحو مهن أخرى.

وفي انتظار ذلك تكتفي اليوم ببيع سلع متنوعة منخفضة القيمة تفرشها على الأرض في إحدى أسواق الفنيدق، “دون أن تربح منها شيئا” كما تهمس آسفة.

ولم تدل السلطات المغربية بتوضيحات حول إغلاق الحدود ووقف تجارة “التهريب المعيشي”، بينما صدرت العديد من التصريحات في أوقات سابقة حول ضرورة محاربة الاقتصاد غير المهيكل، أي الأنشطة الاقتصادية التي تحرم خزينة الدولة من مداخيل ضريبية وجمركية.

وأوضح مدير إدارة الجمارك المغربية نبيل لخضر أن البضائع المهربة “تلحق أضرارا بالاقتصاد وتدمر المقاولات المغربية المنتجة”. وأكد في حديث مع صحيفة الإيكونوميست، أن الحمالين والحمالات هم “أول ضحايا (…) المافيات التي تستغل أوضاعهم الهشة وأحيانا (تستغل) يأسهم”.

وقدر حجم خسائر الاقتصاد المغربي من هذه التجارة بنحو 6 إلى 8 ملايين درهم سنويا (ما بين 620 إلى 830 مليون دولار). وتباع تلك السلع بأسعار منخفضة بالمقارنة مع السلع المغربية نظرا إلى استفادة مورديها من إعفاءات جمركية باعتبار أن مدينة سبتة تتمتع بوضع “ميناء حر”. وكانت تصل إلى الفنيدق عن طريق النساء الحمالات، خصوصا، ومنها إلى أسواق شعبية في مدن مختلفة بما فيها الرباط والدار البيضاء (أكثر من 300 كيلومتر جنوبا).

لكن معبر “تاراخال 2” الحدودي الذي شكل على مدى سنوات شريان هذه التجارة صار اليوم خاليا من الحركة ومحاطا بسياج حديدي تحت أعين رجال الدرك اليقظة.

أما مدينة الفنيدق، الشهيرة بأسواقها وشواطئها التي يملأها المصطافون صيفا، فقد أصبحت تعاني كسادا تجاريا يثير قلق سكانها.

ويقول التاجر عبدالله حضور متحسرا “كانت التجارة تعيل الكثيرين هنا، اليوم ارتفعت الأسعار وانخفضت القدرة الشرائية. لم يعد هناك زبائن”.

ويضيف مشيرا إلى خزانة محله التجاري الفارغة، “الكثيرون غادروا المدينة، وأسعار إيجار البيوت انخفضت”.

ويظهر الكساد أيضا في محطتي الحافلات اللتين تبدوان خاليتين من المسافرين، بينما كانت الحركة فيهما دؤوبة. ويشكو سائق سيارة أجرة ستيني قائلا “تراجع دخلي ثلاث مرات”.

ويضيف متكئا على جانب سيارته “لا يوجد شيء هنا، لا مصانع ولا مزارع، باستثناء السياحة الشاطئية التي لا تدوم سوى شهرين في السنة”.

أوصى تقرير برلماني مطلع يناير بإنشاء منطقة صناعية في الجهة لتحفيز ممتهني التهريب على العمل في الصناعة. لكن هذا الحل لا يبدو مقنعا في رأي التاجر عبدالله الذي يتساءل “من سيوظف امرأة خمسينية وأميّة”، في إشارة إلى النساء الحمّالات.

وعلى الجانب الآخر من الحدود انتقدت كونفدرالية مقاولي سبتة منتصف ديسمبر ما اعتبرته “أزمة خانقة للتجارة” في المدينة.

وتبدو مظاهر الكساد في المنطقة التجارية التي كانت تستورد منها سلع “التهريب المعيشي” داخل سبتة غير بعيد عن المعبر الحدودي، والتي أضحت اليوم فارغة والكثير من محلاتها مغلقة “فالتجارة متوقفة، إننا نخسر وقتنا هنا” كما يقول رشيد صاحب محل لبيع الأحذية (48 عاما).

ويضيف، “إذا استمر الوضع هكذا سنكون مضطرين إلى إغلاق محلاتنا، على الأقل نحن محميون بنظام الحماية الاجتماعية الإسباني، لكن ماذا عن المغاربة؟”.

وبالنسبة إلى جاره البقال جمال “هذه أزمة غير مسبوقة. لقد تهاوى رقم تعاملاتنا، ومنتجاتنا معرضة للتلف”.

20