حميدتي في إثيوبيا لإنقاذ مفاوضات سدّ النهضة

القاهرة - قام الفريق أول نائب رئيس مجلس السيادة بالسودان محمد حمدان دقلو (حميدتي) بزيارة مفاجئة إلى أديس أبابا الأربعاء، هي الأولى له منذ توليه مهام منصبه، لإجراء حوارات مع رئيس الحكومة الإثيوبية آبي أحمد، لإنقاذ مفاوضات سد النهضة، التي استؤنفت الأسبوع الماضي، عبر الفيديو كونفرنس، بدعوة من الخرطوم على مستوى وزراء الري، وتواجه انسدادا فنيا.
وانفردت إثيوبيا بتغليب الأبعاد النفسية على الفنية والقانونية والسياسية في تعاملها مع أزمة سد النهضة، وحققت أديس أبابا من وراء ذلك مكاسب كبيرة في مواجهة مصر، ونجحت في تصدير صورة إيجابية عن مشروعها كمنقذ تنموي لها.
ينطوي التوظيف المعنوي على أهداف عدة، أبرزها حشر مصر في زاوية ضيقة، ومحاولة ابتزازها بورقة المظلومية التاريخية والتهديد، وقد حاولت القاهرة امتصاص هذه الحملة والتمسك بالمفاوضات.
وظهر خطاب مصري أكثر حدة مؤخرا تجاه أديس أبابا. ويتنافى هذا الاتجاه مع أجواء التفاؤل التي شاعت مع إعلان الخرطوم مساء الثلاثاء، أن المفاوضات حققت تقدما في الملفات الفنية المتعلقة بأمان السد، والملء الأول، والتشغيل طويل الأمد، وتبادل البيانات، والدراسات البيئية، والاتفاق على أكثر من 95 في المئة من الأمور الفنية.
وطغت الحرب الإعلامية على المفاوضات الجارية، واتهم وزير الخارجية الإثيوبي جيدو أندارجاشيو، القاهرة بعرقلة مفاوضات سد النهضة، وقال الثلاثاء “موقف مصر العنيد أصبح عقبة في المحادثات”، واتهمها بالسعي لإحالة القضية لمجلس الأمن، وفي الوقت نفسه المشاركة في المفاوضات، لافتا إلى أن القاهرة تعمل على تشويه سمعة بلاده.
وعادت مفردات الظلام ونقص الكهرباء والفقر وانعدام التنمية، والأحقية المطلقة في استغلال المياه النابعة من إثيوبيا، لتتقدم الخطاب الرسمي والشعبي، مع التلويح بالاستعداد لمواجهة أي حرب تشنها مصر.
وقال نائب رئيس الأركان الإثيوبي الجنرال برهانو جولا، إن بلاده ستدافع عن مصالحها حتى النهاية في سد النهضة “مصر لا تعرف أن الشعب الإثيوبي شعب بطولي لا يخاف من موت بلاده، ويعلم المصريون وبقية العالم جيدا كيف يمكننا إدارة الحرب كلما حان وقتها”.
وكثفت القاهرة من مفردات التشاؤم والتعنت والمماطلات والمناورات، واستهلاك الوقت، وعدم رغبة الحكومة الإثيوبية الدخول في مفاوضات جدية، وضرورة الحل العادل والمنصف، والتلويح بإجراءات سياسية عبر مجلس الأمن، دون إشارة إلى أي حل عسكري.
بدوره أخذ موقف السودان يتغير، ويميل نحو التشدد، وأنه شريك كامل ومباشر وأصيل، وليس وسيطا، والأكثر تضررا، وبدا أقرب لمصر في مسألة الاتفاق على تفاصيل الملء والإدارة، والتفاهمات القانونية والمكتوبة، بعد التوصل إلى حل عادل لا يوقع ضررا على طرف.
وابتعدت المفاوضات عن نطاقها الفني، وأصبحت في مقدمة الاهتمامات العامة في الدول الثلاث، من قبل الحكومة والنخبة، والشعوب أيضا، وبدأت تنخرط فئات عدة في الأزمة، وتدلي بدلوها في الكثير من التفاصيل، حيث شعر الجميع بأنها تتعلق بمصير الدول.
وخرجت الحوارات الإعلامية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، من إطار التعبير عن الرأي إلى الحشد خلف القيادة السياسية الحاكمة، وضدها من جانب المعارضة، ودخلت الأزمة شق المزايدة السياسية من قبل شرائح مختلفة، وتحولت صفحات متخصصين إلى منتدى للشهرة والوطنية في آن واحد، ما خلق تشويشا خارج مفاوضات الفيديو كونفرانس.
وقال الخبير في الشؤون الأفريقية هاني رسلان، إن الصمت المصري لليوم الثالث على التوالي يبرهن على أن المفاوضات لا تسير في طريقها السليم، ومن الصعب التنبؤ بإمكانية الوصول إلى اتفاق في ظل الأجواء المحيطة بها.
وأضاف لـ”العرب”، أن المحادثات تواجه عثرات قانونية بسبب رغبة إثيوبيا بعدم التزامها بما سيجري التوصل إليه من تفاهمات، وتسعى لأن تكون هناك اتفاقات جزئية بعيدا عن مناقشة الأزمة من جميع جوانبها، في حين أن القاهرة تدرك أن الوصول إلى تفاهمات من دون أطر قانونية ملزمة لا قيمة له، وهو جعل المواقف لا تزال متباعدة بين الطرفين.
واهتمت وسائل إعلام مصرية الأربعاء، بتقرير أعده خبراء بمعهد ماساتشوستس الدولي للتكنولوجيا، قال إن سد النهضة بوضعه الحالي سوف تترتب عليه مشكلات كبرى من الناحية الإدارية والفنية، وهو ما ينبغي أن يأخذه المفاوض المصري والسوداني في الحسبان، في إشارة تحوي إدانة للتصرفات الإثيوبية الحالية، وما يحمله السد من مخاطر لوجود عيوب فنية.
وأخذ خبراء سودانيون، مثل خبير المياه الدولي أحمد المفتي، وضع الاستعداد مبكرا لتعرية المخاطر التي ينطوي عليها سد النهضة لبلاده، وكتب المفتي العشرات من المقالات على صفحته فيسبوك، محذرا فيها من التداعيات، وراصدا مجموعة من السلبيات.
وقام نشطاء إثيوبيون بتشكيل صفحات باللغة العربية موجهة ضد مصر وشعبها، وتستخدم لهجة خشنة في الدفاع عن السد والهجوم على مصر، وأحيانا السودان، بعيدا عما يدور في المفاوضات من مناقشات، لتتحول الأزمة إلى حرب معنوية.
يبدو أن هذا البعد سوف تكون له تأثيرات في التوصل إلى تفاهمات نهائية أم لا، لأن عيون المفاوضين لا تبارح ما يجري خارج قاعاتهم، كأن ذلك أصبح بوصلة لتحديد المصير.
وأفضت الحرب النفسية إلى حالة أكبر من الاستنفار والتربص، ضاعفت من حساسية موقف المفاوضين، في ظل التباعد الحاصل في الرؤى، وجعلت مسألة الاتفاق النهائي غاية في الصعوبة، لأن فكرة التوافق والتنازل تراجعت في سلم الأولويات بعد أن أضحى سد النهضة قضية محورية، تصاعدت الرهانات الإيجابية والسلبية عليها.