حملات صحافية تنقب في ثروات مشاهير الإعلام والصحافة في مصر

الحملة تضمنت ثروات لإعلاميين مغمورين في أماكن بالداخل والخارج، وبتفاصيل دقيقة تفتح تساؤلات حول مصدر تلك المعلومات ومدى وقوف أجهزة رسمية خلفها.
الأربعاء 2018/11/28
مهنة ووجاهة اجتماعية تجلب الثروات أيضا

القاهرة – تبدو ثروات مشاهير الإعلام في مصر مثل ورقة توت يخشى كثيرون سقوطها أمام الجمهور، يحيطونها بسرية، ويرفض بعضهم كتابة أسمائهم على ممتلكاتهم، ويشترط آخرون على مصلحة الضرائب عدم الإفصاح عما يدفعونه سنويا لتحاشي المتطفلين.

وتنبهت الحكومات المصرية المتعاقبة لتلك الحساسية، واستخدمتها كبطاقة صفراء يمكن إشهارها لمن يخرج عن النسق المرسوم، أو التطرق لقضايا شائكة ولو من بعيد، بتهديد غير مباشر لا يخرج كثيرا عن مقالات صحافية ترتكز على سؤال، من أين لك هذا؟

وفي خضم التغيرات الجارية في المشهد واستحواذ شركة “إيجل كابيتال” للاستثمارات المالية على وسائل إعلام مسموعة ومرئية ومقروءة كثيرة، انزوى نحو 10 إعلاميين لعبوا دورا بارزا خلال السنوات الماضية، ليشبّه بعضهم حاله على صفحات التواصل الاجتماعي، بخيل الحكومة عندما يتم قتلها بعد تقدمها في العمر.

وشن صحافيون محسوبون على الحكومة هجومًا موازيا تقمصوا فيه دور المفتش المالي بتقدير ثروات بعض الإعلاميين من الممتلكات، في تحذير مبطن للمطرودين من المشهد، بالانكفاء على الذات وعدم التماهي بالتلميحات.

ونشر صحافي في روز اليوسف معروف بـ”رشدي أباظة”، مقالات طال جلها الوسط الصحافي، تطرقت إلى ثروات المنضوين تحت لواء المهنة، وتنوعت بين قصور في أحياء راقية ومقاه وفنادق بعضها بأوروبا.

ويوحي التشكيك في مصادر ثروات المشاهير دون تحركات قانونية تليها، بأن الطرفين يعرفان أن الرسالة لا تتعدى “قرصة أذن”، فلا الحكومة تريد التمادي بفتح تحقيق مع شخصيات قد تحتاجها مستقبلاً، ولا المتهمون يريدون التورط بدعاوى تتطلب كشفا رسميا عن ثرواتهم.

ويخوض محمد الباز، رئيس تحرير جريدة الدستور، حملة صحافية منذ منتصف أكتوبر الماضي، لم تخل من الغمز واللمز، حول امتلاك بعض الإعلاميين أموالا طائلة لا يمكن تحقيقها من المهنة، ضاربا المثل برموز كبيرة عاشت وماتت بمصر فقيرة دون أن تمتلك من المال ما يؤهلها لشراء بيوت كبيرة.

التلميحات ليست ظاهرة جديدة، لكن الاختلاف في طبيعة التناول، فقبل ثورة 25 يناير 2011، كان الإعلام الرسمي يعرض الظاهرة من منطلق مهني بحت يتعلق بتعارض المصالح في ظل سيطرة أباطرة العقارات على الفضائيات واستغلال شهرة مذيعيهم في مهاجمة مشروعات المنافسين والترويج غير المباشر لبضاعتهم.

الإعلانات مصدر لتحقيق الثروات للكثير من الإعلاميين بحصولهم على 50 بالمئة من قيمة حملات ينجحون في جذبها

وتمزج المعالجة الحالية بين الهجوم الشخصي والسياسي والمالي، ولا تخلو من إشارات عن علاقات إعلاميين بأنظمة سابقة ومشاركة بعضهم في حملات رئاسية، ومهاجمة كل محاولة لتقويم بعض مشروعات الحكومة وخططها، ليظهر الهدف الرئيسي من وراء تلك الكتابات، وإن تذرعت بالمهنة وتنقيتها من الدنس.

والعرف السائد عن الإعلام في مصر، أنه مهنة وجاهة اجتماعية، والصحافي النزيه لن يكفيه ما يجنيه طوال تاريخه الوظيفي سوى امتلاك وحدة سكنية وسيارة وتعليم أبنائه تعليما جيدا، لكن ذلك لا يمنع من جني البعض ثروات كبيرة من مصادر أخرى لا يجرّمها القانون.

ويقول الباز، في مقال “خُدَّام المال والسلطة في الإعلام”، إن أحد الإعلاميين بدأ حياته فقيرا يسكن في شقة مشتركة مع زملائه ليكمل ما كتبه في مقال سابق عن الشخصية ذاتها بأنها أمضت حياتها معارضة شرسة، ورغم ذلك جنت ثروة تناهز المليار جنيه، مطلقًا تعميما واسعا بأن ولاء الإعلاميين لمن يدفع لهم ولا فرق لديهم بين رجال الأعمال ورجال السلطة.

ويخشى إعلاميون ردة فعل الجمهور، فامتلاك الملايين في مجتمع تعيش نسبة كبيرة منه عند حد الكفاف ويجاهد لاستكمال الشهر دون استدانة لن يكون مقبولا، واضعين في اعتبارهم تجربة الإعلامي الشهير محمود سعد الذي فقد شعبيته بكشف أنس الفقي، وزير الإعلام الأسبق، عقب ثورة يناير عن تلقيه 9 ملايين جنيه سنويا من التلفزيون الرسمي (1.4 مليون دولار بأسعار الصرف في ذلك الوقت).

ولم يشفع لسعد تأكيده أن ثروته شرعية وأنه جناها من الإعلانات التي كان يحققها برنامجه “البيت بيتك” لكن ظلت تلك الثروة سدا أمام وصوله للجمهور مرة أخرى، رغم ارتباطه بمنطقة السيدة زينب الشعبية قرب وسط القاهرة، ونوعية برامجه التي تحاول الاقتراب من الفقراء وعرض تجاربهم الحياتية.

ويظل نشاط الإعلانات مصدرا لتحقيق الثروات لكثير من الإعلاميين بحصولهم أحيانا على 50 بالمئة من قيمة حملات ينجحون في جذبها، ليجني البعض في صفقة واحدة مبالغ قد تتجاوز المليون جنيه (حوالي 60 ألف دولار)، ما جعل البعض من الصحافيين يرفضون التخلي عن مصادر إخبارية يغطونها، مثل البنوك حتى بعد وصولهم لمنصب رئيس التحرير.

ويعتبر بعض الإعلاميين الأمر ترصدا، ولا ينكرون أن المهنة تضم سماسرة حصلوا على عضوية نقابة الصحافيين بالتدليس وتورطوا في وقائع فساد، لكنهم يلومون التركيز على الإعلام فقط، فالمجتمع مليء بموظفين حكوميين في مهن متواضعة ويملكون ثروات ضخمة.

يبدو أن مقدمة البرامج قصواء الخلالي من أنصار ذلك الاتجاه بعدما كتبت مقالاً نشرته “الدستور” أيضًا تعجبت فيه من حكايات محمد الباز وسردياته الدقيقة وتساءلت: ماذا يريد كاتبها؟ وما هدفه؟ ولماذا هذا التوقيت؟ ولم الإسهاب؟، وطالبته بالكشف عن مصادر ثروته، وأنه يلوم البعض لتعاملهم مع الحكومة، رغم أنه يحصل على معلومات لا تدور إلا في غرف مغلقة.

ربما تكون الشهرة عاملا مساعدا للكشف عن الثروات ولفت الانتباه كتفاخر البعض بوجود مشاهير في المنطقة التي يعيشون فيها، لكن المثير أن الحملة تضمنت ثروات لإعلاميين مغمورين في أماكن بالداخل والخارج، وبتفاصيل دقيقة تفتح تساؤلات حول مصدر تلك المعلومات ومدى وقوف أجهزة رسمية خلفها.

18