حمد بن جاسم في زمن كورونا: لا تنسونا

صدور دعوة إنهاء مقاطعة قطر عن حمد بن جاسم أحد أبرز صنّاع السياسات القطرية التي تسببت بتلك المقاطعة، في هذا الظرف بالذات الذي فرض فيه فايروس كورونا تحديات غير متوّقعة على مختلف دول العالم، يمثّل مؤشّرا على أنّ الدوحة تعيش صعوبات استثنائية في مواجهة الفايروس بالنظر إلى عزلتها وسقوط رهانها على “حليفتيها” الإقليميتين إيران وتركيا.
الدوحة - دعا حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس الوزراء القطري الأسبق، دول مجلس التعاون الثلاث السعودية والإمارات والبحرين، المشترِكة مع مصر في مقاطعة بلاده بسبب سياساتها المهدّدة للاستقرار وعلاقاتها بالتنظيمات الإرهابية إلى التصالح مع الدوحة وإنهاء مقاطعتها لها.
وأقام الشيخ حمد الذي يُنظر إليه باعتباره أحد المهندسين الرئيسيين للسياسات التي أدتّ إلى عزلة بلاده، دعوَته تلك على الظرف الاستثنائي الذي تعيشه المنطقة والعالم بفعل انتشار فايروس كورونا وتأثيراته الخطرة على صحة وسلامة المجتمعات، فضلا عن تبعاته المالية والاقتصادية الثقيلة.
وتوقّعت مصادر خليجية أن يكون دافع رئيس الوزراء القطري الأسبق المعروف بحدّة خطابه تجاه الدول المقاطعة لبلاده، ولتوجيهه هذه الدعوة في هذا الظرف بالذات، المصاعب الاستثنائية التي تواجهها قطر في مواجهة انتشار الفايروس في ظل العزلة التي تشهدها.
وتوضّح ذات المصادر أنّ قطر أقامت استراتيجيتها لمواجهة المقاطعة وفك العزلة الناتجة عنها، على اللجوء إلى كل تركيا وإيران وتقوية العلاقات معهما لتعويض خسارتها لعلاقاتها الحيوية مع ثلاث بلدان خليجية.
سقوط رهان قطر على إيران التي حتم كورونا فك أي ارتباط بها، وعلى تركيا المنشغلة بمواجهة مصاعبها الاقتصادية
وقال دبلوماسي خليجي سابق طلب عدم الكشف عن اسمه أنّ الرهان على كل من طهران وأنقرة لا يجدي نفعا للدوحة في الوقت الحالي، فإيران أصبحت بؤرة رئيسية لانتشار فايروس كورونا، ليكون الأجدى بذلك لقطر أن تقطع أي علاقات وارتباطات مادية معها، بينما تركيا منشغلة إلى حدّ كبير بالتصدي للكارثة التي تداهمها مثل الكثير من بلدان العالم الأخرى والتي قد تكون شديدة الوطأة عليها باعتبار أوضاعها الاقتصادية الهشّة والتي تعدّ انعكاسا لكثرة المشاكل التي أقحمت فيها حكومة حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان البلد.
ودعا الشيخ حمد بن جاسم دول مجلس التعاون الخليجي لوضع خلافاتهم جانبا وسط الأوضاع التي فرضها انتشار فايروس كورونا في المنطقة والعالم.
وقال في تغريدات على موقعه في تويتر “لا أحد منا يستطيع تحديد الوقت الذي ستتم فيه السيطرة على هذا الوباء الذي يجتاح العالم. ولكن الأمر المؤكد أنه ستكون هناك عواقب ونتائج صحية واقتصادية وسياسية واجتماعية لهذه الجائحة على العالم بأسره، وسيتحدث المؤرخون والدارسون عما قبل كورونا وما بعده، تماما مثلما أصبحنا نقول ما قبل 11 سبتمبر وما بعده”.
وتقول قطر إنّها نجحت في تجاوز تبعات المقاطعة المفروضة عليها منذ سنة 2017 من قبل الدول الأربع، لكن متابعين للشأن القطري يقولون إنّ الدوحة تظل في حاجة ماسّة لحاضنتها العربية والخليجية، خصوصا وأنّها قدمت تنازلات كبيرة ودفعت أثمانا مالية باهظة لقاء توطيد علاقاتها مع تركيا على وجه الخصوص، وهي علاقات غير مضمونة العواقب في ظل ما هو معروف من تقلّب السياسة التركية وانتهازية الرئيس رجب طيب أردوغان الذي لن يتوانى على استغلال أوضاع قطر و”شراكته” غير المتكافئة معها لاستغلال ثروتها المالية المتأتية من الغاز الطبيعي.
واضطرت الدوحة أيضا إلى التنازل عن جزء من سيادتها وفتح المجال لتواجد عسكري تركي على أراضيها ما يزال يثير الخلافات داخل الأسرة الحاكمة في قطر بسبب اعتراضات عدد من أعضائها على تلك الخطوة التي يعتبرونها خطرة.
وتابع الشيخ حمد بن جاسم قائلا في تغريداته “ما أتمناه ويتمناه كل العرب أن يستخلص قادتنا في عالمنا العربي والخليجي بالذات العبر والدروس، ويعرفوا ضخامة المسؤوليات الكبيرة الملقاة على عاتقهم وما يترتب عليهم من عمل كبير لتخفيف أعباء التبعات السلبية وبالأخص في المجال الاقتصادي”.
وأضاف “أريد أن أهيب بالذات بدول مجلس التعاون وأقول لهم أما آن لكم أن تضعوا خلافاتكم، التي أضرت بكم جميعا جانبا، وأن تجلسوا على مائدة واحدة لوضع الاستراتيجيات التي تخفف على شعوبكم ما ستواجهه من تبعات قد تطال وتغير كثيرا من الثوابت والمحرمات التي كان يحترمها المواطن الخليجي ويلتزم بها”.
ولا تعارض الدول المقاطعة لقطر من حيث المبدأ إنهاء المقاطعة لكنّها تضع في المقابل اشتراطات واضحة لذلك، تتلخص إجمالا في تراجع الدوحة عن السياسات المهددة للاستقرار وفك ارتباطاتها بالحركات المتشدّدة والتنظيمات الإرهابية.
وما زاد من الموقف القطري ضعفا أن القيادة القطرية سبق لها أن استمعت إلى تلك الاشتراطات وتعهّدت بالالتزام بها، ولكنها ماطلت في ذلك، وراهنت على ربح الوقت وتراجع الدول الأربع عن موقفها، وهو ما لم يحدث بعد حوالي ثلاث سنوات من المقاطعة.
ونفى رئيس وزراء قطر الأسبق في تغريداته أن يكون دافعه لتوجيه هذه الدعوة سعيه لإنهاء المقاطعة لبلاده والتي يسميها الخطاب الرسمي القطري “حصارا”. وقال “لا أريد هنا أن يعتقد أحد أنني أريد بهذه المناسبة المؤلمة التماسا لفك الحصار عن بلدي. فنحن عشنا ثلاث سنوات من الحصار واستطعنا أن نتجاوز عواقبه، ولله الحمد، بفضل صمود القيادة والشعب القطري، ونستطيع الاستمرار بالعزم نفسه، ولكن التحديات التي تواجهنا جميعا أكبر من ذلك بكثير. إذن أليس منا رجل رشيد يبادر بإصلاح الوضع تجنبا لما هو أخطر”.