حكومة السودان تلغي قانونا انتهك حقوق النساء لسنوات طويلة

دفن قانون النظام العام بداية واعدة لمستقبل المرأة في السودان الجديد.
الخميس 2019/11/28
انتصار طال انتظاره

أقرّت الحكومة السودانية الانتقالية الثلاثاء مشروع قانون يلغي “قانون النظام العام” المثير للجدل تزامنا مع اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة الذي صادف الاثنين، ملبّية بذلك أحد المطالب الأساسية للمنظمات الحقوقية والنسوية التي كانت ترى في هذا القانون انتهاكا لحقوق المرأة وإذلالا لها.

الخرطوم – قال وزير الإعلام السوداني فيصل صالح إنّ مجلس الوزراء أقرّ خلال جلسة استثنائية عقدها الثلاثاء ثلاثة مشاريع قوانين أحدها “مشروع قانون إلغاء قوانين النظام العام والآداب العامة بالولايات”، وفق وكالة الأنباء الرسمية السودانية “سونا”.

وأضاف الوزير أنّ مشاريع القوانين هذه “سترفع للاجتماع المشترك للمجلس السيادي الانتقالي ومجلس الوزراء” لإقرارها كي تصبح نافذة.

وبحسب ما نقلت سونا عن فيصل، ففي ظلّ عدم تعيين برلمان انتقالي حتى الآن فإنّ “اجتماع المجلسين بحسب الوثيقة الدستورية يقوم مقام المجلس التشريعي الذي يجيز القوانين”.

ولفت الوزير إلى أنّه “من المتوقّع أن يتمّ الاجتماع المشترك خلال اليومين المقبلين لمناقشة هذه القوانين وإجازتها”.

واستولى البشير على السلطة في انقلاب دعمه الإسلاميون في عام 1989 ومنذ ذلك الحين تم تقييد دور المرأة بشدّة في البلاد.

وقالت منظمات حقوقية إن الآلاف من النساء تعرضن للجلد بموجب قانون النظام العام المطبّق في السودان منذ 1996 والذي يقيّد الحريات العامة والفرديّة، وينصّ على عقوبات مشدّدة مثل الجلد والسجن لفترات تصل لخمس سنوات وغرامات مالية كبيرة، في حق نساء أدنَّ بارتداء ملابس غير محتشمة أو شرب الخمر، على سبيل المثال.

وشاركت الآلاف من النساء في التظاهرات التي اندلعت ضد نظام البشير في ديسمبر 2018 احتجاجا على ارتفاع سعر الخبز، ثم تحولت الى مطالبة بسقوط النظام الذي أطاح به الجيش في أبريل. وبحسب منظمات حقوقية، فقد استخدم نظام البشير قانون النظام العام كسلاح ضد المرأة، خصوصا إذا كانت قوات الأمن تعتقل النساء لأتفه الأسباب مثل حضور حفلات خاصة أو ارتدائهن سراويل.

فتيات جلدن وأخريات تعرضن للابتزاز أو القتل أو أنهن انتحرن بسبب قانون النظام العام المعيب

كما فرض القانون عقوبات مشدّدة على شاربي الخمر وصانعيه، واستخدم أيضا لملاحقة “ستّات الشاي” اللواتي يبعن الشاي والأطعمة على الأرصفة.

لكنّ الحكومة السودانية الانتقالية برئاسة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك أكدّت مرارا عزمها على تعزيز حقوق المرأة.

وتعهدت وزيرة العمل والتنمية الاجتماعية في السودان لينا الشيخ، الأحد، بمكافحة كل أشكال العنف ضد المرأة ومراجعة أو إلغاء القوانين المقيدة لحرية النساء.

وجاءت تصريحاتها بالتزامن مع الحملة الدولية للقضاء على العنف ضد النساء والفتيات والتي تستمر 16 يوما، من 25 نوفمبر إلى 10 ديسمبر المقبل، حيث أعلنت مشاركة بلادها في هذه الحملة العالمية.

وأشارت الشيخ خلال مؤتمر صحافي عقد بهذه المناسبة في الخرطوم، إلى مساع حكومية لتعزيز القدرات لمكافحة كل أساليب العنف ومظاهره، وأفادت “سنراجع القوانين والتشريعات أو إلغائها مع وزارة العدل خلال الأيام المقبلة”.

وشددت على أهمية وجود آليات لضمان السلام والأمن للمرأة وحصولها على الحقوق السياسية والقانونية والاجتماعية.

وأوضح وزير العدل السوداني نصرالدين عبدالباري، في 20 أكتوبر الماضي، أن الحكومة الانتقالية ملتزمة بإلغاء جميع القوانين المضطهدة للمرأة، التي وضعها تنظيم الإخوان الإرهابي وطبقها خلال سنوات حكمه البالغة 3 عقود.

وشدد عبدالباري على أن الإلغاء سيشمل قانون “النظام العام” وتعديلات بالقانون الجنائي، لافتا إلى أن رئيس الوزراء عبدالله حمدوك وجّه بانضمام السودان للاتفاقيات والمعاهدات الدولية، حيث تطالب نساء السودان بمصادقة الخرطوم على معاهدة مكافحة التمييز ضد المرأة “سيداو”.

انتصار للنساء
انتصار للنساء

ويعتبر قانون النظام العام، والمادة 152 من القانون الجنائي والمتعلقة بـ”الزي الفاضح”، أكثر أدوات نظام البشير للتضييق على النساء وملاحقتهن بالعقوبات الرادعة، التي تصل إلى الجلد والسجن والغرامة تحت ذريعة دواعي الدين والأخلاق.

وقالت المديرة العامة لـ”وحدة مكافحة العنف ضدّ المرأة والطفل” في السودان سليمى إسحق شريف (44 عاما) لوكالة فرانس برس إصدار مشروع قانون الغاء “قانون النظام العام”، “نحن لدينا أصلا عنف كثير ممنهج ممارس على النساء للحدّ من مشاركتهن السياسية والاجتماعية. ولدينا حتى قوانين تلزم أو تحثّ على ممارسة العنف على النساء، بالقانون”.وأوضحت أنّ “قانون النظام العام” لا يتضمن “ثوابت معروفة معمولا بها، وليس قانونا واضحا بل يطبّق وفق مزاج من ينفّذه”.

وكان البشير أقرّ في خضم التظاهرات التي اندلعت ضد نظامه بأنّ “الذين خرجوا إلى الشوارع شباب، وغالبيتهم فتيات”، وبأنّ قانون النظام العام هو “واحد من أسباب تفجّر غضب الشباب”. ولقي القرار ردود فعل مرحّبة في أوساط المنظمات الحقوقية والناشطين في سبيل الدفاع عن حقوق المرأة.

وقالت تهاني عبّاس، الناشطة السودانية البارزة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة لوكالة فرانس برس إنّ “الحكومة وعدت ووفت. نحن نعتبر هذه الخطوة انتصارا كبيرا لنا وللحركة النسوية في السودان ولحقوق المرأة”.

وأضافت أنّ قانون النظام العام “أذلّ الناس والنساء والشعب السوداني بأكمله. هناك شهيدات سقطن ضحية له. هناك فتيات جلدن وأخريات تعرضن للابتزاز أو القتل أو أنهن انتحرن بسبب هذا القانون المعيب”.

وشدّدت الناشطة النسوية على أنّه بإلغاء هذا القانون “ينتقل السودان نحو حياة أفضل، حياة كريمة تضمن كرامة المرأة السودانية”.

وفي المقابل قال محمد الحسن الأمين القيادي في “المؤتمر الوطني”، الحزب الذي كان يتزعّمه البشير، لفرانس برس إنّ “المشكلة لم تكن في قانون النظام العام بل في تطبيقه”، مشيرا إلى أنّ بعضا من عناصر الشرطة كانوا يشهرون سيف هذا القانون، بصورة استنسابية، ضدّ أي امرأة تقع مشكلة بينهم وبينها. وأضاف الأمين وهو محام وعضو فريق الدفاع عن الرئيس المعزول، أنّ المادة المثيرة للجدل في هذا القانون الولائي والتي تجرّم الزيّ الفاضح موجودة أساسا في القانون الجنائي الاتّحادي، وتحديدا المادة 152 منه التي تجرم “الزيّ الفاضح أو الفعل أو السلوك الفاضح أو المخل بالآداب”.

وأوضح أنّ “القانون السوداني يعاقب على الزيّ الفاضح منذ 1925 ولم يتم إلغاء هذا الجرم في أي من التعديلات القانونية التي جرت منذ ذلك التاريخ”، مطالبا بالإبقاء على المادة 152 التي تجرّم الزيّ الفاضح ولكن “مع وضع ضوابط تحكم تطبيقها سواء لجهة تعريف ماهية الزيّ الفاضح أو تطبيق هذه المادّة وفق ما يتم التعارف عليه في مكان وزمان محدّدين بأنه مقبول من المجتمع”.

21