"حكايات من التراث اليمني".. قصص من عالم الجن والمخلوقات العجيبة

الباحث والفنان التشكيلي محمد سبأ يجمع حكايات من التراث الشعبي من رواتها وينقذها من النسيان في كتاب "حكايات من التراث اليمني".
السبت 2020/02/29
حكايات هي ثمرة الخيال والحكمة (لوحة للفنان مظهر نزار)

ليست الحكايات الشعبية مجرد قصص سطحية أو حكايات مشوقة فقط، إنها خلاصة ثقافة مصقولة من خلال احتكاك الأجيال ببعضها بعضا، ومن خلال قرون من التجارب الإنسانية، التي تخلص إلى استنتاجات هي أشبه بالحكم الخالدة. لكن تبقى الحكايات الشعبية العربية في أغلبها شفهية، وهو ما يهددها بالزوال في ظل رحيل الرواة والإخباريين، لذا فهي كنز كبير يجب إنقاذه.

يجمع كتاب “حكايات من التراث اليمني” للباحث والفنان التشكيلي محمد سبأ الحكايات الشعبية التي تعكس ثقافة الشعب اليمني بما يملكه من روح الفكاهة والحكمة والتاريخ والشخصيات والأماكن.

وقد قسم الكتاب إلى عدة فصول يتناول كل منها نوعا من هذه الحكايات. ووفقا لسبأ لا يوثق الكتاب سوى جزء يسير من الحكايات، حيث يؤكد أن اليمن بلد واسع متعدد التجليات الثقافية، وربما نحتاج إلى العشرات من الكتب والمئات من الجامعيين لتوثيق الكثير من الأسرار والحكايات  في التراث الشعبي لمختلف ربوع اليمن، والتي ضاع الكثير منها بفقدان رواتها من كبار السن.

حكايات ضد النسيان

حكايات شعبية تعكس ثقافة الشعب اليمني بما يملكه من روح الفكاهة والحكمة
حكايات شعبية تعكس ثقافة الشعب اليمني بما يملكه من روح الفكاهة والحكمة

يرى سبأ في كتابه، الصادر عن مكتبة خالد بن الوليد، أن ظهور وسائل الإعلام الحديثة ووسائل التواصل المرئية والمسموعة أدّى إلى نسيان الكثير من حكاياتنا الشعبية، ويقول “كانت بداية فقدان هذا التراث عندما احتل الراديو ثم التلفزيون مكان الحكواتي أو السامر أو كبار السن، الذين كانوا يحفظون الحكايات المتوارَثة عبر أجيال طويلة، فلم يعد الناس يتجمعون في وقت فراغهم، ولم يعد الحكواتي يحيي السهرات الليلية بالحكايات والسير، التي كانت الأجيال الصاعدة تتعلم من خلالها الكثير من القيم النبيلة”.

ويضيف “حاولت جاهدا في هذا الكتاب أن أجمع ما استطعت من هذه الحكايات الشعبية النابعة من حكمة الشعب اليمني الأصيل، وقد اعتمدت في جمعها على عدة مصادر، فاعتمدت بالدرجة الأولى على الرواة والإخباريين، ممن قابلتهم وعايشتهم، كما جمعت حكايات من الكتب والمراجع التي هي في الأساس كتب تاريخية أو كتب رحلات، أو كتب لا يظهر من عناوينها أن بين طياتها حكايات شعبية، وحرصت على قراءة الكثير من الكتب للبحث عنها والتأكد من مصداقيتها من عدة مصادر، ومن ثم تدوينها وجمعها في هذا الكتاب حتى تخرج للعيان ويفيد منها القراء؛ لما لها من أهمية كبيرة في حياتنا وخشية عليها من النسيان والضياع”.

وحرص محمد سبأ على أن لا يكرر ما قد جمع من الحكايات الشعبية اليمنية في كتب سابقة، مثل ما جمعه الأستاذ علي محمد عبده في كتابه “حكايات وأساطير يمنية”، كما لم يكرر ما جاء في كتاب “أساطير من تاريخ اليمن” لحمزة علي لقمان، أو ما جاء في كتاب أروى عثمان “حزاوي وريقة الحناء” بأجزائه الثلاثة، لذا لم يذكر من الحكايات إلا ما كان منها مختلفا عمّا دوّنه من سبقه.

ويشير سبأ إلى أن هذه الحكايات لم تأت من فراغ فهي نتاج تجربة وخبرات طويلة صقلتها التجربة الشعبية عبر العصور، وتحمل في طياتها العديد من المفاهيم والأهداف التعليمية والتربوية، وأحيانا ونحن نقرأ هذه الحكايات قد نجد نصوصا مستفزة لمشاعرنا في بعض مقاطعها، لكن هذا لا يعني أن الوعي الشعبي لم يكن يدرك ذلك، بل كان على دراية بكل التفاصيل، ولكن الوعي الجمعي أبقى على هذا النوع من الحكايات لما له من تأثير إيجابي، فإذا تعمقنا في خفاياها أكثر سنجد أن وراءها الكثير من الحكم، فهي خلاصة خبرات طويلة لأجيال سابقة.

ونجد الحكايات تارة تعلم الأبناء حب الأرض وحب الخير، وتنفرهم من الشر، مثلا حكاية “وريقة الحناء” التي أوردها علي محمد عبده في كتابه، فقد صور فيها الخيال الشعبي للفتاة كرام، وهي ذاهبة لتغتسل في البركة فتخرج مغطاة بالحيّات والثعابين والعقارب، ثم تعود إلى منزلها على تلك الحالة والحيات على جسمها، وتنادي والدها لكي يقوم بإحضار أداة القطع “الشريم”، لإزالتها عنها، قد يجدها البعض قصة أبعد ما يكون عن أن تقبلها عقولُ أهل هذا الزمان، لكن الحقيقة أن الخيال الشعبي كان يهدف من وراء الخيال والمبالغة إلى صقل وتهذيب عقول الأطفال.

ويضيف المؤلف “إذا تعمقنا أكثر في هذه المفاهيم وقارنّا ما جاء فيها بأساليب التربية وعلم النفس الحديث، لوجدنا أن هذه القيم هي التي ينادي بها خبراء علم النفس في وقتنا الحاضر، وقد قرأت ذات مرة في دراسة حديثة صدرت مؤخرا أن الأطفال الذين تربوا في أسر تعودوا فيها على سماع الحكايات الشعبية يصبحون أكثر شجاعة وإقداما في أمور حياتهم من غيرهم”.

مئة وخمسون قصة

الحكايات الشعبية ترتبط بالهوية الثقافية والحضارية للبلدان، واليمن من أهم الحضارات التي يجب الحفاظ على تراثها
الحكايات الشعبية ترتبط بالهوية الثقافية والحضارية للبلدان، واليمن من أهم الحضارات التي يجب الحفاظ على تراثها

يؤكد سبأ أنه حرص أثناء جمع هذه الحكايات على تدوينها كما هي في بيئتها دون زيادة أو نقصان لإيصالها كما هي بطينتها الأصلية نقية من أي تحريف. وعمل على استخدام لغة سلسة تحافظ على مضمون الحكاية ولا تفقدها فكرتها وروحها، كما حرص على أن تكون اللغة عربية تفهمها كل الشعوب العربية أو الأجنبية في حال ترجمت، فهذه الحكايات رويت بعدة لهجات، وتختلف طريقة سردها من مكان إلى آخر، وهذا ليس عيبا، فمن مميزات الأدب الشعبي أن المجال يكون مفتوحا للإضافة والحذف والسرد بالطريقة التي تتناسب مع المكان والزمان، وربما سقطت أجزاء من الحكاية لدى البعض واكتملت عند آخرين.

وفي تقديمها للكتاب لفتت وكيل وزارة الثقافة اليمنية الأسبق نجيبة حداد إلى أن الحكايات الشعبية ترتبط بالهوية الثقافية والحضارية للبلدان، ودولة اليمن من أهم الحضارات التي يجب علينا أن نحافظ على تراثها وموروثها الثقافي. وذلك من خلال التوثيق لهذا التراث في كتابات ودراسات تحافظ عليه وتنقله إلى الأجيال القادمة، فاليمن بتنوع تضاريسه وعاداته وتقاليده وطقوسه العريقة، يحتاج إلى المزيد من الدراسات التي تظهر مدى ما يدخره من فنون وثقافات.

وتقول حداد “لقد اجتهد الكاتب محمد سبأ من خلال البحث والقراءة والمقابلات الشخصية مع الإخباريين من الرواة وكبار السن في جمع وتدوين هذا النوع من الأدب، المتمثل في الحكايات الشعبية اليمنية الأصيلة. ابتداء من الحكايات التاريخية المرتبطة بماضي وحضارة اليمن. ثم الحكايات التي ترتبط بالأرض والزراعة والحكمة. وكذلك الحكايات التي تمتاز بالفكاهة والدعابة، وهي ميزة من مميزات الشعب اليمني”.

وتضيف “كذلك عمل سبأ على رصد وتوثيق الحكايات التي ترتبط بالمعتقدات والمعارف الشعبية كحكايات الجن والمخلوقات الغريبة والكواكب، وكذلك حكايات حكيم اليمن علي ولد زايد وحكايات أيام الغمام وغيرها من الحكايات التي بلغت مئة وخمسين حكاية. وقد عمل على جمعها من بيئتها الحقيقية. وقد كانت العائلات قديما لا تستغني عن حكايات الجدة التي ترويها للأبناء كل مساء، ولهذا أصبح هذا النوع من الأدب يقدم الولاء والانتماء للوطن ويرتبط بالقيم والمعتقدات والصراع بين الخير والشر والحق والباطل والضعيف والقوي والخائن والوفي، إلخ.”.

وتقول حداد إن “اليمن بلد كبير وفنونه متعددة ومتنوعة، وتكتنز أقاليم وقرى ومدن اليمن الكثير من أصناف الأدب الشعبي والحكايات التي تمثل جزءا هاما منه. لقد اجتهد الباحث محمد سبأ في هذا الكتاب وقدم شيئا جديدا للمكتبة اليمنية والعربية بل لكل الباحثين في حضارة اليمن وتراثه حول العالم”.

14