حظر التمويل الأجنبي للصحافة الجزائرية انتقائي

أصدرت السلطات الجزائرية قرارا بتفعيل قانون قديم مثير للجدل، يتضمن منع التمويل الأجنبي لوسائل الإعلام المحلية، لكن المسألة شائكة بالنسبة إلى الجزائر التي تضم قنوات فضائية مختصة بالشأن المحلي وتبث من خارج البلاد بسبب المعوقات التي تواجه التراخيص، الأمر الذي يراه صحافيون بأنه يستهدف المنابر الإعلامية الناقدة للسلطة.
الجزائر- استغرب الإعلامي الجزائري مصطفى بن جامع، مضمون بيان وزارة الاتصال بحظر التمويلات الأجنبية للصحافة الوطنية، واعتبره خطوة تصعيدية للالتفاف على الإعلام الحر في الجزائر، لأن إثارة مسألة تمويل وسائل الإعلام في هذا الظرف الحساس الذي تمر به البلاد، ينطوي على نوايا مبيتة لتكميم الأصوات التي لا توالي السلطة.
وأكد بيان وزارة الاتصال الصادر الأحد على “المنع التام للتمويلات الأجنبية للصحافة الوطنية على اختلاف وسائطها، مهما كانت طبيعتها أو مصدرها”، وحض على “ضرورة الاحترام الصارم للقانون”.
وتطرق البيان إلى أن “إذاعة أم” (التي تم حجبها) تندرج في هذه الخانة. وقالت الوزارة إنه “تم إطلاق هذه الإذاعة بعد جمع لأموال يحتمل أنه تم في إطار عملية تمويل جماعي وعبر هبات من الخارج تقدمت بها هيئات تشتغل على تعزيز المسارات التي تسمى بـ”العصرنة” و”الدمقرطة”.
وأفاد الموقع الإخباري “مغرب إيميرجون” وموقع “راديو أم” المرتبط به في بيان نشر الجمعة أنهما تعرضا لـ”حجب سياسي” في الجزائر، حيث لم يعد بإمكان القراء النفاذ إلى صفحاتهما.
وقال بن جامع في تصريح لـ”العرب”، إن حجب إذاعة أم وموقع مغرب إيمارجانت، وقبله عدة مواقع إخبارية أخرى، لا يستند إلى مسوغ قانوني، لأن نشأة تلك المنابر كان قبل صدور قانون الإعلام الجاري عام 2012، وأن القانون عادة ينظم ويحدد حركة قطاع بعينه، ولا يستهدف منابر معينة دون
غيرها.
وألمح بن جامع في تصريحات لـ”العرب”، إلى سياسة الكيل بمكيالين في التعاطي مع القطاع، ففيما شدد بيان وزارة الاتصال على مصدر التمويل وحظر الخارجي منه، لم يشر لا من بعيد ولا من قريب للقنوات الفضائية التي تهتم بالشأن الجزائري وتحمل الهوية الجزائرية، بينما تتبع لشركات في عواصم أوروبية وعربية.
وأشار في هذا الصدد إلى القنوات التلفزيونية المملوكة للقطاع الخاص، التي لا زالت تحمل هوية تجارية واقتصادية أجنبية، وتعتبر من وجهة النظر القانونية محطات أجنبية، ونشاطها في الجزائر عبارة عن نشاط مكاتب محلية، بينما الواقع يشير إلى عكس ذلك لأن مضامينها تركز بشكل كامل على الشأن المحلي، كما أنها تحصل على إعلان خاص وشبه حكومي، مما يثير إشارات استفهام حول مصير تلك القنوات في ظل وضعيتها المنافية للقانون المنظم للنشاط التجاري والاقتصادي.
وأفاد بيان وزارة الاتصال “في انتظار تعديل النصوص التشريعية والتنظيمية التي تُسيّر قطاع الصحافة والاتصال، بناء على الدستور القادم ومراعاة لسياق يشهد تحولات سريعة ومستمرة في القطاع، تدعو وزارة الاتصال جميع فواعل الصحافة الوطنية إلى الاحترام الصارم للقوانين السارية في مرحلة الانتقال الحالية”.
وأوضح أن “التمويلات الأجنبية ممنوعة بموجب قانون الإعلام الصادر عام 2012، وقانون النشاط السمعي البصري في 2014، وأن البند 29 من قانون الإعلام يؤكد بشكل واضح ودقيق أنه يمنع الدعم المادي المباشر وغير المباشر الصادر عن أي جهة أجنبية، فضلا على إلزام نفس البند “كل وسائل الإعلام المكتوبة والسمعية البصرية بالتصريح وتبرير مصدر الأموال المكونة لرأسمالها والأموال الضرورية لتسييرها، طبقا للتشريع والتنظيم المعمول بهما”.
لكن رغم مرور ثماني سنوات على صدور القانون المذكور، إلا أن وزارة الاتصال لا زالت تسير المرحلة الانتقالية، في ظل غياب الهيئات التي قرر القانون إطلاقها كالمجلس السمعي البصري ومجلس أخلاقيات المهنة، حيث لا زالت تضطلع بالمهام التي أوكلها لها قانون 2012، نظرا لعدم تشكليها حتى الآن.
وربط الإعلامي مصطفى بن جامع وهو ناشط في تنظيم “مبادرة إنقاذ الصحافة”، الإجراءات الحكومية الأخيرة، خاصة في ما يتعلق بتصاعد وتيرة توقيف وسجن الصحافيين وحجب المواقع الإخبارية، بالأوضاع السياسية في البلاد.
وذكر في تصريحه لـ”العرب” أن “السلطة المستفيدة من هدنة سياسية أعلنها الحراك الشعبي طواعية من أجل مواجهة تفشي وباء كورونا، تريد المرور بنفس الهدنة إلى الأبد بعد تلاشي الوباء، وذلك عبر تحييد الأصوات والمنابر الإعلامية التي التزمت بالمهنية في تغطية الاحتجاجات السياسية التي عرفتها البلاد لأكثر من عام”.
وتابع بن جامع “مهما قيل عن نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، الذي انفجر الشارع الجزائري ضده في فبراير 2019، فإن المرحلة المذكورة لم تعرف حركة قمع وتضييق على الحريات كما يعيشها القطاع في الظرف الراهن، حيث كانت المعركة تدور بشرف بين الطرفين، والسلطة حينها توظف ورقة القتل الاقتصادي للمؤسسات الإعلامية دون المساس بنشاط الصحافيين”.
ولفت إلى أنه “على مدار عشريتين من نظام بوتفليقة، تحضرني حادثتان تتعلق بالإعلاميين محمد بن تيشكو، ومحمد تامالت، بينما تحدث في الآونة الأخيرة حادثتان أو أكثر في ظرف شهر فقط، حيث يقبع في السجون عدد من الصحافيين، يحاول النظام إخراجها عن سياق سلب الحريات والممارسة الإعلامية لقضايا حق عام، بينما تم توقيف الصحافي خالد درارني وهو يمارس مهمته”.
وشدد بيان الوزارة الصادر عقب الضجة التي أثيرت حول حجب إذاعة أم، وموقع مغرب إيمارجانت، وقبلها موقع كل شيء عن الجزائر، بنسختيه الفرنسية والعربية، على أن “عدم احترام هذه التدابير سيعرض حتما مرتكبيها للعقوبات المنصوص عليها في القوانين، وأن إذاعة أم تندرج في هذه الخانة”.
وفي المقابل أطلق عدد من الإعلاميين في الجزائر مبادرة “صحافيون جزائريون متحدون”، من أجل التضامن مع إذاعة أم، وموقع مغرب إيمارجانت، والتنديد بما وصفه بيان صادر عنها بـ”ضربة شديدة توجه للإعلام المحايد، ورصاصة في ظهر الصحافة الحرة المستقلة، ومسمار في نعش شعار الجزائر الجديدة”.
وذكر البيان “ما وقع للمنبرين المحجوبين، هو تأميم للمكتسبات المحققة من طرف حراك الـ22 فبراير، وإيذانا بالعودة إلى مرحلة التضييق واضطهاد الحريات وأسوأ منها، سواء بحجب المنابر الإعلامية أو متابعة الصحافيين وسجنهم”، وذكر أن تسعة صحافيين يتواجدون بين المتابعة أو السجن.