حصون الباحة شواهد خالدة على حضارة عربية فريدة في السعودية

بناء الإنسان في منطقة الباحة أحد أهم الشواهد على الحضارة العمرانية التي تعكس الثقافة العربية والتراث الشعبي.
الاثنين 2021/04/26
أبنية تخفي ثقافة وتراثا عريقين

الباحة (السعودية)- تعد منطقة الباحة واحدة من المناطق والمدن العديدة التي تكتنز إرثا كبيرا من فن العمارة القديمة الذي يبرز في قراها المتناثرة في أنحاء المنطقة، حيث روعي في تصميم مبانيها السكنية وقلاعها وحصونها أن تتواءم مع الظروف البيئية كالتضاريس والمناخ، وأن تتلاءم مع الظروف الاجتماعية كالعادات والتقاليد العربية القديمة.

ولعل أبرز ما يميز تلك العمارة القديمة اعتمادها على الطبيعة دونما سواها، حيث يبنى البيت من الأحجار والأشجار التي تُجلب من مختلف أنحاء المنطقة، وعادة ما تكون من صخور الغرانيت والبازلت التي تزين بأحجار المرو، فيما يسقف البيت بأشجار العرعر التي تُغطى بالطين.

ولا اختلاف على أن العمارة فن نتجت عنه تحف معمارية خالدة منذ العصور القديمة حتى الآن، تختزل ثقافات الشعوب وتراثها وتقاليدها، وهو ما تؤكده الكثير من الصروح المعمارية من ارتباط وثيق بين الفن والثقافة الشعبية والعمارة. هذه الأخيرة التي تتأثر أيضًا بمناخ المكان، فمن الممكن أن نرى اختلافات واضحة في معمار نفس الثقافة بسبب اختلاف المناخ على غرار ما نجده في معالم الباحة.

وقال أستاذ التصميم العمراني بجامعة الباحة الدكتور عبدالعزيز بن أحمد حنش إن بناء الإنسان في منطقة الباحة يعد أحد أهم الشواهد على الحضارة العمرانية التي تعكس التطور الحاصل عبر الزمان لهذا المكان، فعمارة الباحة التقليدية وتراثها العمراني يعدان من أهم المرتكزات والمزايا النسبية التي تتميز بها المنطقة، حيث تزخر بالعديد من الآثار التاريخية سواء في قطاع السراة أو تهامة والتي تحظى باهتمام الدولة لتطوير السياحة بالباحة وجعلها مقصداً صيفياً بالإضافة إلى تنمية السياحة الشتوية.

وأشار إلى أن النسيج العمراني في قرى الباحة قديماً متراص بسبب طبيعة المواد المستخدمة للبناء، ولتوفير مساحة أكبر من الأراضي للزراعة ولتعزيز النواحي الأمنية في القرى، فالمباني متلاصقة والشوارع ضيقة مع وجود ساحة في منتصف هذه المساكن لتؤدي العديد من الوظائف الاجتماعية والمعيشية، أما بالنسبة إلى المباني فهي عالية وقليلة الفتحات واستُخدمت الكتل الحجرية المحلية والمنتقاة بعناية لتشييد المباني، كما استخدمت الأشجار المحلية كالعرعر والسدر والطلح والزيتون البري في الأسقف والأعمدة الخشبية والأبواب، وهناك ثلاثة عناصر رئيسة يُشار إليها عند الحديث عن التراث المعماري في المنطقة وهي الحصون، والمساجد، والمساكن، حيث هناك أكثر من 4000 حصن منتشرة في العديد من المواقع بمنطقة الباحة، وعادة ما تتشابه في تصميمها وطرق بنائها، وبعض المصادر تقول إنه لم يتبق منها سوى 200.

Thumbnail

وأضاف الدكتور عبدالعزيز أن الحصون تمتاز بدقة البناء ومتانته واستقامة الأركان وارتفاعاتها مختلفة، ويتم تحديد ارتفاع هذه الحصون بناء على مواقعها فما كان في السهل منها يبلغ ارتفاعه 20 مترا وما كان في الجبل فحوالي 10 أمتار، وبعض هذه الحصون يعود بناؤها إلى ما قبل 600 سنة تقريباً، وتبنى هذه الحصون باستخدام الحجارة “مداميك” ويكون المسقط الأفقي للحصون عادة في منطقة الباحة على شكل مربع، ويكون متسعًا عند قاعدته ويأخذ في التناقص كلما ارتفع، ففي قمة الحصن هناك بروز يكون مماثلاً للقاعدة عادة، ويُزين بأحجار المرو، وعادة تأخذ الشكل المثلث، وفي أعلى الحصن تكون هناك فتحات صغيرة للمراقبة فترة الحروب.

وتتكون هذه الحصون من 3 إلى 4 طوابق، وبها مدخل رئيس وسلالم داخلية من الحجارة مثبتة في الحوائط لكي يصعد منها إلى أعلى الحصن، وقلة من الحصون أخذت الشكل الأسطواني، ومن أشهر حصون الباحة حصن الأخوين بقرية الملد، وحصون قرية حزنة ببني كبير، وحصن خيبر في دوس، وحصن قصر العيينة في الأطاولة، وغيرها من الحصون المنتشرة في المنطقة، وتم تصنيف هذه الحصون إلى ثلاثة مجموعات طبقاً لما تقوم به من أدوار، فمنها الحصون الإستراتيجية، وتكون في وسط القرية وبارتفاعات عالية، وحصون المراقبة وتكون على أطراف القرى وذات ارتفاع يصل إلى 10 أمتار، وحصون المحاصيل الزراعية وتكون صغيرة نوعا ما وبارتفاع 3 أمتار.

وأكد أستاذ التصميم العمراني بجامعة الباحة أن هناك العديد من المواقع الأثرية في المنطقة، والتي تمتاز بجودة بنائها وحسن مظهرها والدقة في استقامة جدرانها وزواياها وجمال نوافذها وأبوابها، وتعد قرية ذي عين أبرزها بالإضافة إلى الخلف والخليف التاريخية وقرية الملد وقرية بني سار الأثرية والتي يوجد بها أحد أهم المعالم وهو قصر بن رقوش التاريخي، وكذلك قرية الأطاولة. ولعل أهم ما يميز هذه القرى التراثية إبداع المعمار في بنائها من الحجر، فجدران المباني في المنطقة من الأحجار المحلية الصلبة، والتي يصل سمكها إلى المتر وقد يزيد بحسب ارتفاع المبنى. وهناك تقنيات مختلفة تستخدم لرص المداميك بحسب أحجام الحجارة وألوانها في بعض الأحيان، كما أن الأعمدة الخشبية الزافر أو المرزح وهو غني بالزخارف والنقوش المنحوتة في الخشب يبرز دورها في حمل الأسقف بجانب الحوائط في حال وجود فراغ كبير مثل المجالس والمساجد وكذلك في بعض الشرفات والمظلات.

Thumbnail
14