حسام حسن بين فلسفة نيتشة وأسطورة دون كيشوت

القاهرة- هناك عبارة منسوبة إلى الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشة تلخص فلسفته في الحياة تقول إنه “كي تجني من الوجود أجمل ما فيه عش في خطر”، وهي حكمة ربما لا يعرف حسام حسن مدرب المنتخب المصري لكرة القدم صاحبها، لكن المفارقة أنه وهو النجم التاريخي للكرة المصرية يطبّقها في حياته المهنية بشكل صارم.

في تعليقه على تصريحات مدرب الفراعنة الأخيرة، قال أحمد حسام ميدو مهاجم منتخب مصر السابق إن حسام حسن لا يستطيع العيش في سلام، ولو لم يجد مشكلة لخلق واحدة بنفسه لأنه ببساطة لا يستطيع العمل إلا تحت الضغط.

كان ميدو يشير في تعليقه إلى تصريحات مثيرة وغير مبررة لحسام في المؤتمر الصحفي الذي سبق مباراة منتخب مصر أمام نظيره الموريتاني في القاهرة قبل أيام، حين خرج عن سياق الحديث عن المباراة ليحذر من إعادة انتخاب المسؤولين السابقين في اتحاد الكرة المصري، قائلا “الدنيا لن تتقدم إلا بعد أن يرحل كل المسؤولين القدامى، نصيحة لا تعودوا إلى القدامى مجددا”.

وقبل أن تهدأ العاصفة أشعل حسن عاصفة جديدة بموافقته على انسحاب محمد صلاح من معسكر المنتخب بعد ساعات من نهاية المباراة التي جمعته بالمنتخب الموريتاني في القاهرة، ما يعني عدم مشاركة نجم ليفربول في مباراة العودة أمام موريتانيا التي أقيمت الثلاثاء على ملعب من النجيل الصناعي، بداعي الحفاظ عليه من الإصابة.

متلازمة مو صلاح

رغم نجاح حسام كمدرب مع منتخب مصر حتى الآن، وجد العديد من النقاد واللاعبين السابقين ومقدمي البرامج الرياضية في مختلف القنوات في قرار حسام إعفاء محمد صلاح فرصة تاريخية لطعنه في صدره، وإظهاره بمظهر المنافق، بسبب تعارض ما فعله مع تصريحات سابقة له وقت أن كان محللا لمباريات كأس الأمم الأفريقية الأخيرة في إحدى الفضائيات.

انتقد حسام حسن حينها سماح سلفه في تدريب المنتخب، البرتغالي روي فيتوريا بعودة صلاح نفسه إلى إنجلترا للعلاج من إصابته وعدم استكمال البطولة، وقال “لو كنت مدربا للمنتخب لطلبت من صلاح البقاء في إنجلترا وعدم العودة إلى المنتخب”.

الغريب أن محمد صلاح هو بطل معظم أزمات حسام حسن لدرجة جعلت البعض يتندرون بالقول إن المدرب يعاني من “متلازمة مو صلاح”، فقبل الموقف السابق تسببت تصرفات حسام غير الودية تجاه النجم المصري في بداية توليه تدريب المنتخب المصري، وهو ما دفع صلاح للاعتذار عن المشاركة في أول بطولة ودية يخوضها منتخب الفراعنة تحت قيادة حسام في مارس الماضي.

لكن المدرب الذي لا يعرف العيش في سلام بدلا من احتواء الأمر خرج بعد الخسارة بالأربعة من كرواتيا في نهائي البطولة، ليعدّد أسماء بعض اللاعبين الذين تسبب غيابهم في الخسارة دون أن يذكر صلاح بالاسم وإنما أشار إليه بقوله “كان هناك غياب للاعبين كان من المفترض قدومهم”.

واستدعى تفاقم الموقف إلى تدخل وزير الرياضة المصرية أشرف صبحي، الذي تواصل مع نجم ليفربول لتهدئة الأجواء، وقيل إنه أقدم على ذلك بطلب من مسؤولين كبار في الدولة رأوا أن الأمر لا يستحق الضجة المثارة حوله وأن الخاسر في النهاية سيكون المنتخب المصري، وفسر البعض عودة صلاح إلى المنتخب بهذا السيناريو جعلت منه مركز قوة لا يملك حسام الاقتراب منه أو مخالفة رغباته، وهذا سبب استجابته لرغبة اللاعب بعدم المشاركة أمام موريتانيا في نواكشوط.

المخلّص المنتظر

تأمّل مشوار حسام حسن الكروي يمكن أن يقود إلى قناعة بوجود تشابه لافت بين المهاجم السابق ودون كيشوت، تلك الشخصية الأسطورية التي كتب عنها الأديب الإسباني ميجيل دي ثيربانتس روايته الشهيرة التي حملت نفس الاسم.

بين حسام ودون كيشوت بعض الملامح المشتركة وإن اختلف الزمان والمكان والغاية التي سار فيها كل منهما، لعل أولاها أن البطلين يملكان فكرة مثالية غير واقعية عن نفسيهما، فدون كيشوت رأى في نفسه فارسا مغوارا من واجبه إحياء زمن الفروسية النبيل، والقضاء على الأشرار، مثلما يرى حسام نفسه “المخلّ رص المنتظر” للكرة المصرية الذي يستطيع وحده وضعها على سلم العالمية، وأن من ضمن مهامه القضاء على الإداريين الأشرار في المنظومة الكروية.

تسبب خيال دون كيشوت الجامح في إصابته بالجنون حتى صار يحارب طواحين الهواء ظنا منه أنها فرسان عمالقة أعداء، بينما يعاني حسام بحسب وصف بعض النقاد له من البارانويا، ما يجعله سريع الغضب وعنيدا ويميل إلى العدوانية، ومعظم هذه الصفات يشتهر بها حسام وتوأمه إبراهيم طوال تاريخهما الرياضي.

وجه ثالث للتشابه يتمثل في فكرة البطولة الزائفة التي يعتنقها المدرب والفارس، والتي أضفت على سعيهما وراء بلوغ أهدافهما العظيمة لمسة مأساوية مغلفة بإطار من الكوميديا السوداء تثير حيرة المتلقي بين التعاطف أو الضحك.

وكما جلب دون كيشوت السخرية على نفسه حين ارتدى درعًا قديمًا، وأخذ رمحًا وسيفًا حارب بهما طواحين الهواء، أثار حسام حسن سخرية البعض حين أرجع عدم اختياره لتدريب المنتخب في السابق إلى مؤامرة ضده، متجاهلا خلوّ سجله التدريبي من أي بطولة رسمية أو ودية على كثرة الفرق التي تولى تدريبها (10 فرق مصرية).

وفي تجربته الوحيدة مع المنتخبات أضاع على منتخب الأردن فرصة تاريخية للتأهل إلى مونديال 2014 بعدما تسلم تدريبه قبل مباريات الملحق المؤهل للبطولة، ولم يكسب أيّ لقاء في مبارياته الأربع التي قاد فيها منتخب النشامى.

ويشترك حسام مع دون كيشوت أيضا في خلق الأعداء الوهميين من العدم، فإذا كان الفارس ابن منطقة لامانشا الإسبانية تصوّر طواحين الهواء أعداء عمالقة، فإن المدرب وضع من ينتقد عمله من المسؤولين أو الاعلاميين أو المدربين في خانة الأعداء دون التفريق بين النقد البناء والهدام.

ورغم أوجه التشابه الكثيرة فقد تميز دون كيشوت بوجود رفيق رحلته سانشو الذي تميز بالواقعية وحاول كثيرا رده عن أوهامه، على عكس حسام الذي يعد رفيق رحلته الرياضية، توأمه إبراهيم أكثر جموحا، لدرجة دفعت البعض للقول إنه من المستحيل على المدرب التحلي بالواقعية والهدوء ولو حاول لأن ذلك يعني أنه سيفقد وجود شقيقه إلى جواره.

وإذا كان ثيربانتس في روايته الشهيرة جعل بطلها يعود إلى قريته منهكًا ومحبطًا بعد العديد من المغامرات الغريبة والفشل في تحقيق أهدافه، ويستعيد عقله معترفا بأن كل ما قام به كان خطأ، فإن هناك من ينتظر مشهد النهاية في قصة حسام حسن مع الكرة وما إذا كان سيعترف بأخطائه أم يواصل المكابرة حتى النهاية؟

غاوي مشاكل

العنوان مشتق من فيلم كوميدي قديم للنجم عادل إمام، لكن المضمون يخص حسام حسن الذي تفنن في خلق المشكلات منذ أن كان لاعبا ليصبح صاحب الرصيد الأكبر، ليس بأهدافه التي نصّبته هدافا تاريخيا لمنتخب بلاده، لكن في كمية الأزمات التي تسبب بها أو التي أحاطت به، وهي أزمات جعلته في نهاية المطاف يقف في وسط الطريق بين حب الجماهير وكراهيتها له، بين تعاطف الإعلام والمسؤولين معه ومع تاريخه الكروي المشرّف، وبين نقمتهم عليه بسبب اختلاق المشاكل بشكل مستمر.

ومع وجود ما يشبه الإجماع على قيمة حسام حسن الكروية، إلا أن هناك إجماعا في المقابل على افتقاده للذكاء الاجتماعي الذي يسمح له بكسب ود الجمهور والإعلام، بل إن أزماته المتكررة جعلت البعض يتجاهلون أمجاده الكروية كلاعب والتركيز فقط على مشاكله الكثيرة.

يملك حسام حسن تاريخا ناصعا في كرة القدم، حيث لا يزال يحتفظ بلقب الهداف التاريخي لمنتخب مصر برصيد 68 هدفا بفارق 11 هدفا عن محمد صلاح أقرب المنافسين له.

هو أول لاعب يفوز مع المنتخب بثلاثة ألقاب في بطولة الأمم الأفريقية (86 و98 و2006) ويشارك إلى جانب ذلك في نهائيات كأس العالم عام 1990، كما كان أكثر لاعبي العالم في المشاركات الدولية لفترة من الوقت في بداية القرن الحالي قبل أن يتجاوز لاعبون آخرون أرقامه آخرهم البرتغالي كريستيانو رونالدو.

تخصص حسن في كسب عداوة جماهير الكرة المصرية على اختلاف ميولها، بداية من جماهير فريق الأهلي الذي بدأ مشواره معه وحقق له بطولات عدة، لكنه دخل في صدام مع الجمهور حين قرّر مع توأمه إبراهيم فجأة الرحيل عن النادي والانتقال إلى الزمالك، وهو آخر فريق يمكن لمشجعي الأهلي أن يروا نجمهم المفضل يدافع عن قميصه.

وعندما بدأ في دخول قلوب جماهير الزمالك قرر مغادرته بعد خلاف مع مجلس الإدارة، وبعد اعتزاله نجح في أن يصبح أسطورة في محافظة بورسعيد عندما قاد فريق المصري للمنافسة على المراكز المتقدمة في الدوري، لكنه أيضا قرر الرحيل عنه في مرتين بحثا عن المال، الأولى لتدريب فريق بيراميدز، والثانية لتدريب فريق مودرن فيوتشر، ليخسر حب وتقدير الجمهور ويدخل مع توأمه في قضايا وبلاغات متبادلة مع النادي المصري.

وبعد توليه تدريب المنتخب، وبدلا من جمع الجمهور والإعلام على الالتفاف حول تجربته، آثار مع توأمه الكثير من الجدل، بداية بتصريح إبراهيم حسن عن أمنيته أن يخفق محمد صلاح في تجاوز حسام ليكون الهداف التاريخي للمنتخب، مرورا بتصريح حسام نفسه الذي قلل فيه من الدوري المحلي ولاعبيه، ما يتعارض مع تصريحاته حين كان مدربا لأندية مختلفة في نفس الدوري.

تضاف إلى ذلك أزمته مع المدافع الدولي أحمد حجازي الذي حوّله إلى لاعب احتياطي، وصولا إلى أزمته مع الأهلي حين تحدث عن الأندية التي تتسبب في عدم انتظام جدول الدوري لكنها ترفض إرسال لاعبيها مبكرا إلى معسكرات المنتخب وتتمسك بمواعيد الفيفا.