حزب القوى الاشتراكية والمتاجرة بالأمازيغية

الخميس 2017/01/26

في هذا الأسبوع عاد الأمين العام لحزب القوى الاشتراكية عبدالمالك بوشافة في الكلمة التي ألقاها بمدينة تيزي وزو إلى إثارة قضية الهوية الأمازيغية، مطالبا بنزع صبغة الفلكلور عنها وإبعاد التعامل معها على أنها مسألة جهوية، داعيا إلى جعلها لغة وطنية عبر الوطن كله وعدم حصرها في المنطقة الأمازيغية. وإلى جانب ذلك فقد حذر من المماطلة في ترسيم مناسبة يناير كعيد وطني لأن ذلك سيخدم التيار الأمازيغي المتطرف من جهة، وسيعمق التناقض بين أبناء الشعب الجزائري من جهة أخرى.

كرّر بوشافة الأغنية القديمة التي تتمثل في أركان الهوية الوطنية الجزائرية التي تنهض على الأمازيغية، العربية، الإسلام والحداثة. وهنا نتساءل: هل قام حزب القوى الاشتراكية بشيء يذكر لإخراج الهوية الأمازيغية من السجال البيزنطي، ومن استغلالها كورقة في الانتخابات؟ وماذا قدم هذا الحزب وكذا حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، الأمازيغي التوجه، للثقافة الأمازيغية بشكل عام وللغة الأمازيغية بشكل حصري؟ وما هي معجزة هذه الحداثة التي يتكلم عنها بوشافة؟ وماذا تحقق منها في المجتمع الجزائري الغارق في البدائية على جميع المستويات؟

الإنجاز السياسي السلبي والإيجابي في الوقت نفسه الأكبر الذي أنجزه الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، طوال فترة حكمه، هو أنه كشف انتهازية وهشاشة الأحزاب التي تدعي أنها معارضة، وعن غياب عمق شعبي لها، كما أنه حوَلها إلى مجرد أبواق تتلعثم باحتشام أثناء الانتخابات ثم تنطفئ، حيث لا تأثير لها على رسم وتنفيذ السياسات ذات الصلة بالتنمية الجادة وبحل المشكلات الكبرى التي عانى ولا يزال يعاني منها المواطنون الجزائريون على مدى سنوات طويلة.

لا شك أن حزب القوى الاشتراكية، لا يملك أي برنامج واضح لبناء وتطوير ما يدعوه بأركان الهوية الوطنية، كما أنه لم يؤصل الفكري والسياسي والبنية الثقافية البديلة التي تؤهله لتحقيق هذا الهدف الذي يرفع شعاراته. فاللغة العربية مهددة أكثر من أي وقت من طرف المعربين أنفسهم ومن مؤسسات التعليم

لا بد من القول إن الجيل الجديد من الطلاب والطالبات، يجهل المبادئ الأولية البسيطة للغة العربية، حيث لا يتقن الحاصلون على شهادة الليسانس والماجستير والدكتوراه كتابة رسالة خالية من أخطاء التركيب اللغوي. أما ما يتصل باللغة الأمازيغية، فإن حزب القوى الاشتراكية ومعه حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية لم يفعلا شيئا يذكر لها، حيث أن هذه اللغة لا تزال من دون حروف متفق عليها وطنيا، أما الحروف اللاتينية التي تكتب بها راهنا فهي نوع من الاستعمار اللغوي الفرنسي المقنع والمتغلغل في نفوس اليمين الأمازيغي المتطرف ولدى الترسانة البشرية للحزبين المذكورين آنفا.

لم يحصل الاتفاق لحد الآن حول كتابة اللغة الأمازيغية، التي تندثر تدريجيا، بحروفها التاريخية أو بالحروف العربية. إضافة إلى كل هذا، فإن اللغة الأمازيغية لا تملك المفاهيم العلمية والفكرية ما جعل منها لغة شفوية لا ترقى إلى مصاف اللغة الواصفة. أما المحيط اللغوي في المنطقة الأمازيغية، فهو محيط مفرنس جملة وتفصيلا، حيث لم يقم حزب القوى الاشتراكية وغيره بأي عمل لنزع الاستعمار الفرنسي من هذا المحيط الذي يشكل البيئة اللغوية المفروضة على المواطنين والمواطنات.

لم يخض حزب القوى الاشتراكية لحد الآن النضال السياسي الحقيقي والسلمي ذي العمق الشعبي من أجل إنشاء حتى كتابة الدولة للثقافة الأمازيغية بعيدا عن وزارة الثقافة التي تتحكم فيها البنية الثقافية الرجعية للنظام الحاكم، والذي يسد كل الطرق أمام قيام أي نهضة ثقافية وفكرية وطنية تشع على المواطنين وتكرس دولة المعرفة المتطورة والفن الراقي والعلم المتقدم.

أما إذا قيَمنا عمل حزب القوى الاشتراكية في مجال الآداب والفنون الأمازيغية، فإن الحصيلة هي صفر على الشمال، إذ لم يجمع ويصنف ويدرس التراث الأمازيغي في مجالات القصة والحكاية الشعبية والشعر والأغنية، كما أن المعمار المطبوع بالطابع الأمازيغي التاريخي يشهد تهشيما منهجيا ولم يبق منه سوى الفتات الذي يندثر رويدا رويدا في القرى والبلدات، أما في المدن الصغرى والكبرى فلا نعثر عليه أبدا.

الحداثة التي يتحدث عنها حزب القوى الاشتراكية من خلال أمينه العام عبدالمالك بوشافة ويعتبرها ركنا جوهريا للهوية الوطنية، لا وجود لها إلا في أحلام اليقظة. فالموجود هو الفوضى والتخلف في كل المجالات التي تعتبر عنوان أي تقدم، بدءا بالتسيير الإداري والبيئة المعمارية الرديئة الخالية من أي عصرنة وتميز في هويتها، مرورا بالحياة الثقافية العرجاء والتعليم المحطم من جميع النواحي، وانتهاء بالسياسة التي تحولت إلى مجرد تكالب على المناصب، والتسابق إلى النفوذ قصد الانفراد بالثروة.

وهكذا فإن شعار الهوية الثقافية والحداثة، بما في ذلك بعدها الأمازيغي الذي رفعه ولا يزال يرفعه حزب القوى الاشتراكية الذي تخلو هياكله من مهندسي المفكر والثقافة والفن والسياسة، ليس سوى لاصقة فضفاضة يروج لها أثناء التمهيد للانتخابات البلدية والتشريعية والبرلمانية، ثم سرعان ما تختفي بعد إقفال صناديق الاقتراع.

كاتب جزائري

9