حزب القوى الاشتراكية الجزائري والحركة الأمازيغية الانفصالية
في هذا الأسبوع وجه الأمين العام لحزب القوى الاشتراكية، عبدالمالك بوشافة، نقدا صارما للنظام الحاكم في الجزائر حيث اتهمه بأنه غير دستوري، كما وصف الأغلبية البرلمانية بسلاح الدمار الشامل ويقصد حزبيْ الموالاة وهما حزب جبهة التحرير الوطني وأمينه العام عمار سعداني وحزب التجمع الوطني الديمقراطي وأمينه العام أحمد أويحيى الذي يشغل أيضا منصب مدير ديوان الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة. وصرح بوشافة بأنه “لا مستقبل لمنطقة القبائل من دون الجزائر، والوحدة الوطنية خط أحمر”. ويعني تصريحه هذا أن حزبه يقف ضد الحركة الأمازيغية الانفصالية التي طالبت مرارا إما بالانفصال الكامل وإقامة الجمهورية الأمازيغية، وإما بالحكم الذاتي في إطار الدولة الواحدة. وهكذا نرى حزب القوى الاشتراكية يحارب على جبهتين في آن واحد، جبهة نقد النظام الحاكم، وجبهة التصدي للحركة الأمازيغية خاصة في محافظتي تيزي وزو وبجاية. لماذا يغامر حزب القوى الاشتراكية ويفتح جبهتين على نحو متزامن في الوقت الذي لا يملك فيه أوراقا قوية في الساحة الجزائرية؟ للإجابة عن هذا السؤال ينبغي علينا أن ننظر في الحجج التي يستند إليها هذا الحزب، سواء في ما يتعلق بموقفه من سلوك النظام أو في ما يتعلق بموقفه من الحركة الأمازيغية الانفصالية.
من البديهي أن هذا النقد الذي يوجهه بوشافة للنظام الجزائري في هذه الأيام يدخل ضمنيا في إطار معارضة القوانين التي يطبخها البرلمان الذي يرأسه محمد العربي ولد خليفة بسرعة ومن دون إشراك أحزاب المعارضة، منها حزب القوى الاشتراكية، في وضع أسسها فعليا ومناقشتها بحرية كاملة، وتعديلها أو رفضها جملة وتفصيلا إذا اقتضت المصلحة الوطنية ذلك. وزيادة على هذا فإن أمين عام حزب القوى الاشتراكية يتهم النظام الحاكم في الجزائر بأنه غير ديمقراطي وفاشل وأنه لم يستطع أن يتغلب على الأزمات المركبة التي تعصف بالبلاد منذ سنوات طويلة وفي مقدمتها الأزمة السياسية والأزمة الاقتصادية. وأكثر من ذلك فإن عبدالمالك بوشافة يرى أن الأغلبية المتحكمة في البرلمان الجزائري “مفبركة” وأن “الدولة الوطنية بدأت في التفكك” جرّاء بروز “سلوكات منافية” للقيم الوطنية الجزائرية.
يفسر المحللون السياسيون تصاعد اللهجة الحادة للأمين العام لحزب القوى الاشتراكية في هذه الأيام بالقول إن هذا الحزب الذي أنشئ في عام 1963 قد طفح كيله ولم يعد يستطيع التنزه أكثر على سفينة البلاد التي تغرق. ويذكّر هؤلاء المحللون الرأي العام الوطني بأن مواقف هذا الحزب تمثل استمرارا لتقاليده القديمة مثل رفض الحكم الفردي المتسلط، ورفض المشاركة غالبا في الانتخابات التي يشك في مصداقيتها، والتنديد بإلغاء المسار الانتخابي في تسعينات القرن الماضي والذي زج بالبلاد في صراع دموي لا تزال تبعاته تثقل كاهل المجتمع الجزائري إلى اليوم. ولكن هناك من يرى أن حزب القوى الاشتراكية، الذي ينتمي إلى الأممية الاشتراكية ويفترض أنه يلتزم بأيديولوجيتها، لم يعد حزبا اشتراكيا وليس له موقف راديكالي من التوجه الرأسمالي الذي يطبقه النظام الجزائري، وذلك في ظل صمت جميع التيارات التي تؤمن بالنهج الوطني المعادي للتفاوت الطبقي في البلاد.
إضافة إلى ما تقدم فإن نقاد هذا الحزب يستغربون رفضه للنظام الحاكم وعدم استقالته من البرلمان بل يقبل بالجلوس مع أحزابه التابعة له وهو يعلم أنها تسيطر عليه لحصولها على الأغلبية في الانتخابات التشريعية بطرق ملتوية وتفرض ما يخدم مصالح النظام الذي تدافع عن مخططاته.
وفي الحقيقة فإن نقاط ضعف حزب جبهة القوى الاشتراكية كثيرة إذ لا يملك المؤسسات الثقافية والنخب المفكرة المتخصصة في إنتاج الفكر المناهض للرأسمالية، كما يفتقد إلى المنابر الإعلامية التي تروج لهذا النمط من الفكر في الأوساط الطلابية والعمالية والفلاحية. وفضلا عن ذلك فإن قياداته في المركز بعاصمة الجزائر وفي المحافظات لم تفعل مثقال ذرة لاستقطاب مختلف شرائح اليسار الوطني الجزائري وجعلها قاعدة له وقوته الناعمة والمادية، وبسبب كل هذا يُنظرُ إلى هذا الحزب على أنه لم يخترق على مدى أكثر من 50 سنة وإلى يومنا هذا جدار الجهوية من حيث مساحة حركته وجغرافية نفوذه النسبي في المنطقة الأمازيغية التي ينافسه فيها حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية ذو التوجهات الثقافية الأمازيغية، كما أنه لم ينفذ أي سياسة مؤسسة على المعرفة الحقيقية والواقعية بتطورات المجتمع الجزائري الذي يفتقد فعليا إلى القيادة الفكرية والأخلاقية والسياسية.
أما موقف حزب جبهة القوى الاشتراكية من حركة “الماك” الأمازيغية التي توصف بـ”المتطرفة” فيغلب عليه الهاجس الانتخابي البراغماتي في محاولة للظهور بمظهر الحزب الوطني وليس بمظهر الحزب الاثني الأمازيغي. حزب جبهة القوى الاشتراكية يخلط بين أيديولوجيا الانفصال وتقسيم الوطن، وبين أيديولوجيا الحكم الذاتي الذي تعمل به الكثير من الدول الديمقراطية في العالم الغربي وفي البعض من دول آسيا بما في ذلك العراق. ومن جهة أخرى فإن حزب القوى الاشتراكية لا يزال موقفه من توطين وإحياء اللغة الأمازيغية هلاميا رغم الاعتراف بها دستوريا كلغة وطنية ورسمية.
إن قيادات حزب القوى الاشتراكية تلتزم الصمت والسلبية تجاه تفاقم عمليات إحلال اللغة الفرنسية محل اللغة الأمازيغية بشكل منهجي في المحيط الاجتماعي الأمازيغي العام، علما أن هذا المحيط هو الحاضنة الطبيعية للغة الأمازيغية والشرط الأساسي لنموها إذ أنه بدون توفر هذه الحاضنة لا يمكن إطلاقا أن تنجو من الموت التدريجي.
كاتب جزائري