حركة مناهضة العنصرية تحدث هزة في عالم الثقافة

الحركات الاحتجاجية ضد العنصرية لم تتوقف حدودها في أميركا، ولم تقتصر أيضا على التظاهر في الشارع ضد عنف الشرطة العنصري مع ذوي البشرة السمراء، بل انعكس الاحتجاج كذلك على عالم الفن والثقافة، حث هوجمت الكثير من الأفلام المتهمة بالعنصرية ووقع سحب بعضها، فيما ارتفعت مبيعات الكتب الأدبية التي تحكي عن العنصرية، بينما طالت موجة نقدية كبيرة برامج التلفزيون، وتصدرت موجات موسيقية كثيرة المشهد ورسوما جدارية ونصوصا أدبية، كلها في إطار الرفض القطعي للعنصرية.
واشنطن - مع سحب فيلم "ذهب مع الريح" (غون ويذ ذي ويند) مؤقتا من خدمة للبث التدفقي وازدياد مبيعات الكتب حول العنصرية، أحدثت حركة "حياة السود مهمة"، التي تجدد زخمها بعد وفاة جورج فلويد في الولايات المتحدة، هزة كبيرة في عالم الفنون والثقافة.
من "نتفليكس" إلى "أمازون"، تفاعلت منصات البث التدفقي مع هذه التطورات من خلال التركيز على أعمال لفنانين سود، عن طريق تخصيص مجالات كاملة لها، لتسليط الضوء على قضايا العنصرية بشكل أكبر.
وأكدت “نتفليكس” في بيان “عندما نقول إن ‘حياة السود مهمة‘ نقصد أيضا أن المؤلفين السود مهمون أيضا”، مع تسليط الضوء على سلسلة أعمال في الولايات المتحدة، من “مونلايت” الحائز على جائزة أوسكار أفضل فيلم سنة 2017 ومسلسل “دير وايت بيبول”.
وقد أطلقت منافستها “أمازون برايم” في الولايات المتحدة قسما مسمى “بلاك هيستوري، هاردشيب أند هوب” (تاريخ السود، كفاح وأمل) مع أفلام بينها “جاست ميرسي” مع مايكل ب. جوردان.
كذلك أثارت خدمة “إتش.بي.أو ماكس” التي أطلقت نهاية الشهر الماضي، ضجة مع إعلانها سحب فيلم “غون ويذ ذي ويند” (ذهب مع الريح) مؤقتا من قائمة الأعمال التي تعرضها بحجة أنه يضم “أحكاما نمطية عنصرية كانت شائعة في المجتمع الأميركي”. وتعتزم الشبكة إعادة عرض الفيلم الحائز على ثماني جوائز أوسكار مع إرفاقه بإيضاحات تضع العمل في إطاره التاريخي.
ومن الآثار الجانبية الأخرى لهذه الحالة المستجدة، يسجل ازدياد كبير في مبيعات الكتب المرتبطة بالعنصرية في البلدان الناطقة بالإنجليزية، فمن “وايت فراجيليتي” لروبن دي أنجيلو إلى “هاو تو بي أن أنتي رايسست” للأستاذ الجامعي إبرام اكس كندي، يتناول سبعة من أكثر الكتب مبيعا عبر “أمازون” في الولايات المتحدة مواضيع العنصرية.
وفي بريطانيا، تصدر كتاب “واي آيم نو لونغر توكينغ تو وايت بيبول أباوت رايس” لريني إيدو-لودج المبيعات لدى سلسلة مكتبات “ووترستونز”، وكان هذا الكتاب الذي يتطرق إلى مسائل العنصرية قد أثار الجدل في البلاد لدى صدوره سنة 2017.
وعلى صعيد القصص الروائية، تصدر كتاب “غيرل، وومان، آذر” للإنجليزية النيجيرية برناردين إيفاريستو المبيعات، وهو يروي قصة عن حياة أسر السود في بريطانيا وفاز بجائزة بوكر العريقة سنة 2019 بالتساوي مع “ذي تيستامنتس” لمارغاريت أتوود.
ومع وقف عرض مسلسل تلفزيون الواقع “كوبس” في الولايات المتحدة والذي يواجه باستمرار انتقادات على خلفية المبالغة في تصوير مسؤولية السود عن الجرائم في الولايات المتحدة، وسحب “ليتل بريتن” من منصة “بي.بي.سي” الإلكترونية بسبب تجسيد ممثلين بيض لشخصيات سود، يرخي الجدل بشأن عنف الشرطة والعنصرية بظلاله على عالم الإعلام.
ويُعرف برنامج “ليتل بريتن” الشهير بتجسيده الساخر لشخصيات بريطانية من كل الأصول والأوساط، بينهم نساء سوداوات كان ممثلون بيض يضعون مساحيق تبرج لأدائها، وعلل ناطق باسم “بي.بي.سي” هذا القرار لمجلة “فراييتي” بأن “الزمن تغير منذ بدء عرض ‘ليتل بريتن'”.
ومن التصريحات التي أحدثت ضجة أيضا في هذا الإطار ما أوردته مارتا كوفمان أحد مبتكري مسلسل “فرندز” خلال ندوة أخيرا بأنها “لم تبذل ما يكفي من الجهود من أجل التنوع” في المسلسل الذي تدور أحداثه في نيويورك والذي واجه انتقادات منذ بداياته لكونه لم يعكس تمثيلا جيدا عن المجتمع.
وقالت في تصريحات أوردتها منشورات متخصصة “عليّ إيجاد وسيلة للتعاون مع فرق جديدة وكتاب وأصوات من دون أي استحواذ ثقافي”، مبدية الأمل في تظهير التغيير في أعمال مقبلة.
وفي المجال الموسيقي، طالت حركة “حياة السود مهمة” أخيرا مصطلح “الموسيقى الحضرية” المستخدمة للتعبير عن أنواع مختلفة تشمل الراب والهيب هوب وآر أند بي والتي غالبا ما يعنى بها فنانون سود.
وقد فتحت شركة “ريبابليك ريكوردز” التابعة لـ“يونيفرسال” التي تضم فنانين بارزين بين نجومها من أمثال الكنديان درايك وذي ويكند، الطريق من خلال وقف استخدام هذا المصطلح. وحذت حذوها سريعا جهات أخرى بينها القائمون على جوائز “غرامي” الموسيقية الأميركية التي ستغير تسميات بعض جوائزها خصوصا من خلال تبديل جائزة “الموسيقى الحضرية المعاصرة” بـ”موسيقى آر.أند.بي التقدمية”.