حراك مصري- صيني لتحصين العلاقات السياسية

القاهرة وبكين تعملان لتحقيق المزيد من التقارب السياسي والاقتصادي والثقافي بينهما.
الأحد 2019/11/10
تقارب مثمر

القاهرة – نظمت جامعة القاهرة احتفالية السبت، بمناسبة اليوم الثقافي الصيني، شارك فيها عدد كبير من الطلاب والأكاديميين، في خطوة من شأنها الترويج لتدريس اللغة الصينية بالجامعات والمدارس المختلفة في مصر، ما يعزز سعي القاهرة وبكين لتحقيق المزيد من التقارب السياسي والاقتصادي والثقافي بينهما.

وشهدت العلاقات بين البلدين حراكاً متسارعا الأيام الماضية، وتستعد وزارة التربية والتعليم لإجراء استطلاع آراء الطلاب والمعلمين بشأن إمكانية تدريس اللغة الصينية في المدارس الثانوية بدءاً من العام المقبل، في الوقت الذي شاركت فيه نخب ثقافية في افتتاح أول صالون ثقافي مصري مهتم بالشأن الصيني “صالون بيت الحكمة الثقافي” الخميس الماضي.

وتسعى القاهرة لتوظيف كل المكونات لخدمة الاستثمارات الصينية التي تركز على توطين التكنولوجيا الحديثة في القطاعات المختلفة، على رأسها إقامة حي المال والأعمال في العاصمة الإدارية بشرق القاهرة، وإنجاز المنطقة الصناعية في منطقة قناة السويس التي تأخذ أبعادا سياسية تتعلق بالربط بينها وبين مبادرة الحزام والطريق، بحيث لا يؤثر كلاهما على الآخر بالسلب.

وتعوّل القاهرة على الاستفادة من المبادرة الصينية التي تعود بالنفع على حركة التجارة العالمية، بما ينعكس إيجابا على قناة السويس، ويجري تحويل المنطقة القريبة من المجرى الملاحي إلى منطقة خدمات لوجيستية لخدمة بلدان عديدة.

وتركز تعاملات الصين مع مصر وغيرها من الدول العربية على الأنظمة الحاكمة بصورة رسمية ولم تستثمر في النخب الثقافية والأكاديمية والإعلامية والسياسية والاقتصادية، وأدركت أهمية ذلك وتسعى لمد جسور الثقة بينها وبين المجتمع المدني المصري حاليا.

يتوقع مراقبون أن تعرف العلاقات الثقافية تطوراً ملحوظاً خلال الفترة المقبلة، ارتكاناً على حاجة بكين إلى تحسين صورتها السياسية أمام الشعوب العربية من المجتمع المدني والديمقراطية وحقوق الإنسان. واقتصرت علاقات الصين فترات طويلة على النظر إليها كمورد أساسي للسلع الرديئة، ولذلك عليها إنفاق أموال باهظة لتغيير الحالة المزاجية السياسية تجاهها.

عماد الأزرق: التعاون السياسي والاقتصادي انعكس على المستوى العسكري
عماد الأزرق: التعاون السياسي والاقتصادي انعكس على المستوى العسكري

وقالت نادية حلمي، مديرة وحدة دراسات جنوب وشرق آسيا بجامعة بني سويف المصرية، إن القاهرة تسعى لإدراج اللغة الصينية في مناهجها لزيادة حجم التبادل والتعاون المعرفي مع بكين، في خطوة تستهدف ترجمة السياسة المرنة التي اتخذتها مصر تجاه الشرق وعمدت خلالها إلى تعزيز الروابط مع دوله الرئيسية، ما يتطلب توفير أواصر ثقافية توازي الاهتمام بالثقافة الغربية.

وأضافت في تصريح لـ”العرب”، أن صعوبات تعلم اللغة الصينية أحد عوامل عدم التطبيع الثقافي العربي- الصيني، ما يجعل خطوات القاهرة التعليمية والثقافية نحوها تجريبية بالدرجة الأولى، والأمر سوف يحتاج إلى ضخ المزيد من المنح لتهيئة الطلاب وتشجيعهم على دراستها، ما ينطبق بالدرجة ذاتها على المثقفين الذين لا يولون اهتماما كبيراً بترجمة الأعمال الصينية.

وناقش طارق شوقي وزير التربية والتعليم في مصر، مع لياو لي شيانج سفير الصين بالقاهرة، الأسبوع الماضي، إمكانية تدريس اللغة الصينية في المدارس المصرية، وتطرقا إلى تطوير التعاون في مجال التعليم الفني، وتم توقيع عقود تعاون مشترك مع عدد من المصانع الصينية لتدريب الطلاب المصريين هناك.

ولا تخلو هذه الملامح الثقافية والتعليمية من مضامين سياسية، لأن بكين تريد أن تضاعف نفوذها في العالم ولا بد أن تتغلب على المعوقات التي تحول دون ذلك، ومن بينها اللغة.

وشدد أحمد قنديل، الخبير في الشؤون الآسيوية بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، على أن الخطوات المصرية الأخيرة تحاول أن تتواءم مع الاهتمام الصيني في ظل وجود فجوة كبيرة بين البلدين، غير أنه وصف هذه التحركات بـ”العشوائية ولا تتركز على فئات معينة بإمكانها أن تكون قادرة على دفع العلاقات بين الجانبين”. وأوضح لـ”العرب” أن تأسيس شراكات سياسية من الضروري أن يأخذ في الاعتبار طبيعة العلاقة بين العمال المصريين والصينيين الذين يعملون داخل الحي المالي والإداري بالعاصمة الإدارية الجديدة، وهو ما تقوم به بعض مراكز الأبحاث المحلية من البلدين في الوقت الحالي، وأن نتائج تلك الدراسات ستكون في شكل توصيات ترفع إلى القيادة السياسية في البلدين.

ويتواجد آلاف العمال في المناطق الصناعية التي يعمل فيها الصينيون داخل مصر، وشهدت تنظيم فعاليات ثقافية هدفت إلى التشارك بين الصينيين والعمال المصريين الذين يتواجدون معهم في أكثر من 1600 مصنع تشكل غالبية استثمارات بكين في مصر، والتي بلغت 7 مليارات دولار، ما يشي بأن هناك رغبة صينية في استغلال نفوذها الاقتصادي الهائل، بهدف توسيع نفوذها الثقافي الذي ينعكس مباشرة على تعظيم مكاسبها السياسية.

ويذهب البعض إلى التأكيد على أن الصين وضعت خطوطاً عريضة لسياساتها تجاه المنطقة العربية بما يضمن وضوح رؤى التحرك المستقبلي في علاقاتها مع العرب شعوبا وحكومات، وظهر ذلك من خلال وثيقة “سياسة الصين تجاه الدول العربية” التي قامت على مبدأ المنفعة المتبادلة بعيدا عن ممارسة ضغوط في الشؤون الداخلية، ما شجع حكومات عربية على زيادة الانفتاح.

وحسب قنديل، فإن العلاقات السياسية بين القاهرة وبكين تتقارب في حدود الملفات التي تتدخّل فيها الصين بشكل سطحي دون أن تنخرط في الخلافات الإقليمية المتنامية، ما ينعكس على الاستفادة من بكين باعتبارها عضوا دائما في مجلس الأمن، كما أنها تعول على دور مصري في أفريقيا حاليا من بوابة ترأس القاهرة الدورة الراهنة للاتحاد الأفريقي.

ويقول متابعون، إن القاهرة تدرك أن علاقات بكين السياسية الجيدة مع كل من تركيا وإسرائيل وإيران، يمكن أن تكون مفيدة لها، حال اقتضت الحاجة إلى وسيط يمهد لحلول سياسية متوازنة خلال السنوات المقبلة، لكن يظل رهينة مدى الفائدة التي ستعود على الصين.

وأكد عماد الأزرق، الباحث المصري في الشأن الصيني، أن الاحتفال بالعام الثقافي المصري الصيني منذ ثلاثة أعوام، كان عنوانا للمزيد من التعاون السياسي والاقتصادي بين البلدين، وهو ما تسعى القاهرة لإعادة تفعيله من خلال جملة من المبادرات مؤخراً، الأمر الذي ظهرت تجلياته في وجود 19 قسما لتدريس اللغة الصينية في الجامعات المختلفة.

وأشار لـ”العرب” إلى أن القاهرة تراهن على دور صيني أكبر ضمن خطتها التنموية 2030، وبدت معالم ذلك في زيارات الرئيس عبدالفتاح السيسي السنوية لبكين، وعقد 9 لقاءات مباشرة مع الرئيس شي جين بينج، ما يفتح الباب أمام المزيد من التعاون. ولفت إلى أن التعاون السياسي والاقتصادي انعكس أيضاً على التعاون العسكري، بعد أن حصلت مصر على بعض القطع البحرية الصينية للاستفادة منها في قواعدها البحرية في البحر الأحمر، وتوظيف التقنيات الصينية في مجال الطائرات دون طيار.

2