حراس الأمن في قطر.. حُماة الرفاهية يواجهون ضنك العيش

الدوحة- لم يضف تفجّر قضيّة العامل الكيني مالكولم بيدالي المعتقل في قطر بسبب نشره حقائق وتعاليق على مواقع التواصل الاجتماعي حول سوء أوضاع العمال الوافدين إلى هذا البلد، الكثير إلى الملف القطري المثقل بانتهاكات حقوق العمال الأجانب والتي أصبحت معلومة وموثّقة لدى الهيئات الحقوقية ومنتشرة عبر المنابر الإعلامية الدولية، بقدر ما أعاد تسليط الضوء على عدم إيفاء الحكومة القطرية بإدخال إصلاحات على سوق الشغل تحسّن ظروف العمال الأجانب وتحمي حقوقهم.
وينشط على الأراضي القطرية قرابة المليوني عامل أجنبي يشارك الكثير منهم في بناء منشآت نهائيات كأس العالم في كرة القدم 2022. بينما تنشط أعداد متزايدة في قطاع الحراسة الذي تضاعفت الحاجة إليه، ومعها تضاعفت الانتهاكات بحق العاملين فيه.
بمجرد وصول العمال الأجانب إلى قطر يكتشفون زيف آمالهم، فما خططوا لكسبه لا يجدونه في أرض الواقع
وبعد إعلان السلطات القطرية بشكل متكرّر عن دخول تلك الإصلاحات حيّز التطبيق، ومع اقتراب موعد المناسبة الرياضية التي بذلت قطر أموالا طائلة لأجل الحصول على حق تنظيمها ولإعداد البنى التحتية الضخمة اللازمة لإقامتها، ما يزال عشرات الآلاف من حراس الأمن يعملون لساعات طويلة في ظروف صعبة مقابل أجر منخفض.
وأورد تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية حالة عامل أوغندي يعمل حارسا ليليا في برج فخم بالقرب من الدوحة لاثنتي عشرة ساعة متواصلة لكل نوبة حراسة مقابل ما يعادل تسعة جنيهات إسترلينية (حوالي 12.7 دولار) ما يساوي 75 بنسا عن كل ساعة عمل.
ويقول الحارس الأوغندي إنه يكاد لا يحصل على يوم عطلة، وإنّه مضطر للكذب وادّعاء أنّه مريض في كل مرّة أراد فيها الحصول على إجازة بيوم واحد.
ورغم هذه المعاناة فإنّ حرّاس الأمن الأجانب سيتعيّن عليهم المشاركة في إظهار الوجه “المضياف والمشرق” لقطر عندما تنطلق فعاليات كأس العالم حيث سيكون هؤلاء في
مقدّمة مستقبلي مشجعي كرة القدم القادمين من أنحاء العالم، وسيتعيّن عليهم فحص حقائبهم بأدب في المطار وتحيّتهم على مداخل فنادقهم، وتأمين مراكز التسوق والحدائق والملاعب التي يرتادونها.
ومع توالي الانتقادات بشأن سجلّها غير النقي في معاملة العمال الأجانب كثّفت قطر من الترويج لما تقول سلطاتها إنها إصلاحات “شاملة وطويلة الأمد” تم إدخالها على سوق العمل، بما في ذلك وضع حد أدنى جديد للأجور والسماح للعمال الوافدين بتغيير مَواطن ومجالات عملهم دون إذن صاحب العمل.
وقالت منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة إن أكثر من 400 ألف عامل سيستفيدون من الحد الأدنى الجديد للأجور، بينما تشير السلطات القطرية إلى أن 100 ألف عامل غيروا وظائفهم منذ إدخال الإصلاحات.

ينشط على الأراضي القطرية قرابة المليوني عامل أجنبي يشارك الكثير منهم في بناء منشآت نهائيات كأس العالم في كرة القدم 2022
ومع ذلك، يقول عمال أجانب في قطر إنهم لم يروا نتائج ملموسة لتلك الإصلاحات. ويقول حارس الأمن الأوغندي إنه يتقاضى أجرا أقل من الحد الأدنى للأجور والمقدّر بجنيه إسترليني واحد في الساعة (1.42 دولار) بالإضافة إلى الطعام والمأكل.
ويقول حارس أمن كيني آخر إنه يكسب أقل من زميله الأوغندي حيث يتقاضى 65 بنسا فقط في الساعة، بينما ينص عقده على أنه يجب أن يعمل 12 ساعة في اليوم لسبعة أيام في الأسبوع. ويضيف “أشعر بالإرهاق وإذا طلبت يوم إجازة يخبرونك أنّهم سيخصمون أجرة ذلك من الراتب”.
أما تغيير مَواطن العمل دون إذن المشّغل فيظل رغم إقراره قانونيا حقا نظريا إلى أبعد حدّ إذ لا يفتقر المشغّلون لوسائل الضغط على العمال لمنع مغادرتهم إلى أعمال أخرى. ويقول حارس الأمن الكيني “أنا أعمل لمدته 12 ساعة في اليوم وليست لدي أيام عطلة. فكيف يمكنني البحث عن وظيفة”. وخلال الأسابيع الأخيرة، نظم حراس من شركتين أمنيتين احتجاجات على رواتبهم وظروفهم. وتقول السلطات القطرية إنها تدخلت لحل الخلافات، لكن الحوادث كشفت الفجوة بين وعود الإصلاح وتجربة بعض العمال.
ورغم المطاعن الحقوقية التي تشوب تنظيم قطر للمناسبات الرياضية الكبرى فإنّ الأمور تظل تسير بسلاسة في ظل حالة من التسليم بالانتهاكات. وقامت إحدى الشركات مؤخرا بتقديم حراس لكأس العالم للأندية الذي ينظّمه الاتّحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” في قطر خلال شهر فبراير القادم.
ويمكن لحراس الأمن المعينون مباشرة في الملاعب الرياضية أن يستفيدوا من معايير الرفاهية الصارمة التي تفرضها اللجنة المنظمة للفعاليات، لكن الآلاف من الأشخاص المنتشرين في مواقع أخرى في جميع أنحاء البلاد أكثر عرضة لسوء المعاملة.
ومع تزايد الطلب على حراس الأمن في قطر، ومع وجود أكثر من 40 ألف حارس و74 شركة أمن خاصة تعمل بالفعل في الدولة الخليجية، تم تجنيد المزيد من العمال المهاجرين من شرق أفريقيا وغربها مع وعد بوظائف آمنة ورواتب مجزية. ويقوم معظمهم بتسليم رسوم كبيرة لوكلاء التوظيف في بلدانهم الأصلية لتأمين الوظائف.
رغم المعاناة فإنّ حرّاس الأمن الأجانب سيتعيّن عليهم المشاركة في إظهار الوجه “المضياف والمشرق” لقطر عندما تنطلق فعاليات كأس العالم
ويقول هؤلاء إنه بمجرد وصولهم إلى قطر تنكشف الكذبة. ويؤكّد الحارس الكيني الذي دفع للوكيل ما يعادل 1500 جنيه إسترليني مقابل وظيفته “ما تعتقد أنك ستكسبه ليس هو ما تجده في الواقع”.
ويقول العمال إنهم غالبا ما يجدون أنفسهم في مساكن ضيقة وقذرة، ويعملون لفترات طويلة مع أيام راحة قليلة ويضطرون إلى الوقوف لساعات في درجات حرارة شديدة.
وتواجه قطر والفيفا دعوات متزايدة من الاتحادات الوطنية لكرة القدم لتكثيف جهودهما لحماية حقوق العمال. ومؤخّرا كتبت ست جمعيات من بلدان الشمال الأوروبي إلى رئيس الفيفا جياني إنفانتينو تحثه على ضمان احترام حقوق الإنسان في “جميع المرافق المستخدمة قبل كأس العالم وأثناءه وبعده”. وجاء في الرسالة “إنها مسألة ذات أهمية قصوى لمجتمع كرة القدم في جميع أنحاء العالم أن يكون مسرح أعظم الأحلام في كرة القدم أيضا مسرحا لحقوق الإنسان والاحترام ومناهضة التمييز”.