"حارس الجبل" دراما خليجية تنتصر للحب في زمن الحرب

مسلسل "حارس الجبل" سرد درامي يميل إلى الفانتازيا ويقترب من أجواء الملاحم العربية وقصص البطولة المحببة إلى الجمهور العربي.
السبت 2021/01/16
أحقاد دفينة ومؤامرات لا تنتهي

أحداث مسلسل “حارس الجبل” تدور، في قالب مليء بالتشويق، حول قصص الحب والحرب التي تنشأ في زمن النزاعات. حيث شهدت الجزيرة العربية في العام الذي سمّي بـ”عام الموت” جوعا وأمراضا وجفافا، أدّت إلى حروب وغزوات بين القبائل من أجل البقاء. ورغم ما يعصف بشخصيات العمل من أزمات، يبقى للحب مكان، إذ لم يستطع الموت القضاء على الحب الذي يسري في عروق الشخصيات.

يبدأ المسلسل الخليجي “حارس الجبل” بتقديم صورة قاسية لشخصية ذيب الذي يؤدّي دوره النجم الأردني منذر ريحانة، وهو يقود مجموعة من قطاع الطرق ويطمح للسيطرة على القبائل القريبة من الجبل، وهو شخص يتمتع بشخصية مركبة وقاسية، حتى أنه لا يتورّع عن قتل عمه بطاح لشكه في خيانته.

ويُعرض المسلسل حاليا على قناتي “أيه.آر.تي” و”خليجية”، وهو إنتاج إماراتي أردني مشترك، وتؤدّي فيه دور البطولة النجمة الأردنية صبا مبارك أمام النجم السعودي عبدالمحسن النمر، إلى جانب منذر ريحانة ونخبة من نجوم الخليج والأردن، بينهم خالد القيش ورهف ونورا العايق وهبة زهرة وخالد الطريفي. وهو من إخراج سائد الهواري وتأليف حازم فضة.

ويدور المسلسل خلال الفترة التي اجتاح فيها الوباء معظم أرجاء شبه الجزيرة العربية خلال العشرينات من القرن الماضي وحصد خلالها الآلاف من الأرواح، وسمي حينها بعام الرحمة أو عام الموت.

وفي هذه الفترة كانت القبائل العربية في شبة الجزيرة تعاني من شظف العيش والجفاف والصراعات المستمرة في ما بينها، غير أنها كانت محتفظة كما تزال بقيم البداوة العربية الأصيلة التي يسعى المسلسل إلى إبرازها وتقديمها من خلال هذا السياق الدرامي الذي لا يخلو من التشويق.

صراعات قبلية

صبا مبارك أجادت أداء دور البدوية التي تتمتع بالشجاعة والقوة، وهي التي تناطح الرجال بمهاراتها المتعددة في الرماية والقتال
صبا مبارك أجادت أداء دور البدوية التي تتمتع بالشجاعة والقوة، وهي التي تناطح الرجال بمهاراتها المتعددة في الرماية والقتال

بين هذه الأجواء الملبدة بالصراع والمحاطة بمحنة الوباء والمجاعة تدور مجموعة من قصص الحب والتضحية. كما تبرز في المسلسل بعض الشخصيات النسائية التي يقدّمها العمل كنماذج مغايرة لما هو شائع عن المرأة البدوية، إذ نراها هنا قوية وقادرة على التعامل مع الظرف الراهن بكل شجاعة وإقدام.

حين يقتل ذيب والد شامخ الذي يؤدّي دوره الفنان عبدالمحسن النمر، يقرّر شامخ الثأر والانتقام لقبيلته، وهو يلجأ إلى الحيلة للتغلب على ذيب ورجاله. ومن أجل التسلل إلى معسكره والانضمام لرجاله يتنكر شامخ في شخصية صقر. وفي المقابل تسعى رمال بنت الشيخ خلاف التي تؤدّي دورها صبا مبارك وابن عمها جسار للاستعداد لهجوم متوقع ومباغت لرجال ذيب على قبيلتهما.

ويطمئن ذيب لشامخ ويضمه إلى رجاله ويطلب منه الخروج لأسر رمال، غير أن رمال تستطيع التغلب على رجال ذيب، وتتعرّف على شخصية شامخ وطبيعة علاقته برجال ذيب، ويتفقان معا من أجل الإيقاع به.

هذه العلاقة التي بدأت تتوطد بين شامخ وذيب توغر صدر رجال ذيب المقربين، ومن بينهم غصاب الذي يؤّدي دوره الفنان محمد الإبراهيمي، فيتربص له محاولا قتله.

وتطالعنا هنا بعض الحكايات الغرامية، كحكاية شهم ابن عم ذيب ونعمة، التي تهرب معه، ويرسل والدها وراءها أحد الأشخاص من أجل قتلها هي وحبيبها، ما يثير الضغائن بين قبيلتي صفوان وخلاف.

يضطر شامخ أخيرا لكشف شخصيته الحقيقية أمام ذيب ويستطيع الفرار من معسكره، ومن هنا تبدأ محاولات الانتقام والصراع بين الطرفين، بمعاونة رمال وابن عمها جسار لشامخ.

وينجح ذيب في غزو قبيلة خلاف، ويستطيع أسر رمال، فيتعاون كل من شامخ وجسار من أجل الإيقاع بذيب وينجحان في أسر أمه وزوجته، لكنهما يضطران إلى إعادتهما مرة أخرى خوفا على أرواح السبايا اللواتي اختطفهنّ ذيب ويهدّد بقتلهنّ، وفي هذه الأثناء يتمكن شامخ من فكّ أسر رمال.

منذر ريحانة أجاد أداء شخصية ذيب، وهي شخصية مركبة تتمتع بالدهاء والمكر، في الوقت نفسه الذي يحمل معه خلفية بائسة

يشتد الصراع على رئاسة قبيلة الشيخ خلاف، في حين تموت والدة ذيب ويحزن عليها حزنا شديدا، وتتخلى عنه زوجته دلمة (فاديا عزام) ويهرب رجاله جميعا إلى الجبل، وحين يصل ذيب لمكان شامخ بحثا عن زوجته يقتله شامخ انتقاما منه.

المسلسل هو واحد من الأعمال ذات الطبيعة التراثية أو البدوية التي تتمتع بقبول لدى شريحة من المشاهدين، غير أن هذا العمل تحديدا قوبل عند عرضه باهتمام جماهيري واسع، نظرا لنوعية السرد الدرامي والمعالجة الإخراجية اللافتة لأحداثه، بالإضافة إلى الجماهيرية الواسعة التي يتمتع بها معظم نجومه وعلى رأسهم النجمة الأردنية صبا مبارك ومنذر ريحانة وعبدالمحسن النمر.

ويعد هذا المسلسل أحدث الأعمال الدرامية البدوية التي تشارك فيها الفنانة صبا مبارك بعد انقطاعها لسنوات ومشاركاتها المكثفة في الأعمال الدرامية المصرية خلال السنوات الأخيرة، فقد كان آخر عمل بدوي شاركت فيه مبارك هو مسلسل “طوق الإسفلت” بمشاركة النجم منذر ريحانة أيضا.

وأجادت مبارك في هذا المسلسل أداء دور البدوية التي تتمتع بالشجاعة والقوة، فهي تناطح الرجال بمهاراتها المتعددة في الرماية والقتال. وعلى الرغم من استهجان شباب قبيلتها لسلوكها، إلاّ أنها لا تأبه لهم وتسعى لتأكيد مكانتها بينهم بكل إصرار.

أداء متميز

الأجواء البدوية والشامية تجتمع في مسلسل واحد
الأجواء البدوية والشامية تجتمع في مسلسل واحد

ربما ساهم في نجاح العمل جماهيريا أنه يضم عدة بيئات مختلفة، فهو يجمع بين الأجواء البدوية والشامية من حيث كونه يدور في مناطق الصراع القبلي بين

 

الجزيرة العربية ومنطقة الشام، كما أنه في الوقت نفسه يميل إلى الفانتازيا ويقترب من أجواء الملاحم العربية وقصص البطولة المحببة إلى الجمهور العربي.

ومن الأدوار اللافتة تبرز كذلك شخصية شامخ ابن شيخ القبيلة التي يؤدّيها الفنان عبدالمحسن النمر، فقد استطاع النمر أن يؤدّي شخصية البدوي هنا بإتقان. وهي شخصية ليست غريبة في الحقيقة على الفنان السعودي الذي رأيناه من قبل في العشرات من الأدوار البدوية التي شارك بها، ومن بينها “فنجان الدم” و“الدمعة الحمراء” و“أبواب الغيم”، وكان آخرها مسلسل “العقاب والعفرا” في 2017.

أما منذر ريحانة فقد أجاد أداء شخصية ذيب، وهي شخصية مركبة تتمتع بالدهاء والمكر، في الوقت نفسه الذي يحمل معه خلفية بائسة، ولهذا فهو دائم البحث عن السلطة والقوة، ويحاول السيطرة على القبائل من حوله باستخدام الخديعة والعنف.

المسلسل تدور أحداثه في عشرينات القرن الماضي، حيث اجتاح الوباء شبه الجزيرة العربية، حاصدا الآلاف من الأرواح

وعلى الرغم من تمرّس ريحانة في أداء مثل هذه النوعية من الأدوار ذات الطبيعة المركبة، إلاّ أن شخصية ذيب تبدو مختلفة عن بقية الأدوار البدوية التي شارك فيها من قبل، فقد بدا هنا أكثر إلماما بأبعاد هذه الشخصية التي أداها من دون تكلف أو مبالغة زائدة.

وتم تصوير مسلسل “حارس الجبل” بالكامل في صحراء مدينة العين الإماراتية، وهو يعد أحد أضخم الإنتاجات الخليجية التي قدّمت خلال الفترة الأخيرة.

وواجه تصوير العمل الكثير من الظروف الصعبة تتعلق بتداعيات جائحة كورونا، التي داهمت تصوير ثلثه الأخير، ويقول الفنان الأردني منذر رياحنة إنه “رغم الصعوبات التي واجهت فريق العمل أثناء التصوير في الصحراء في مدينة العين الإماراتية، إلاّ أنه تمكن من الانتهاء من تصويره بالشكل الذي يليق بعمل ضخم يروي قصة واقعية بشكل فانتازي، دون إغفال التفاصيل الفنية والتقنية والإنتاجية، مرورا بالأزياء والمكياج والديكورات، كما أن الفنانين بذلوا جهودا مضاعفة لإنهاء العمل بالشكل الذي ظهر به، بعد تطبيق الاحترازات والإجراءات الطبية لاستكمال التصوير”.

15