جيل الهواتف الذكية يوسع الفجوة الاجتماعية مع الآباء

ساهمت التقنية الحديثة بإنجازات سريعة ودقيقة في مجال العلم والتواصل مع الآخرين وسرعة الحصول على المعرفة، إلا أنها من جهة أخرى باعدت بين الناس وأصبحت العلاقات الأسرية والاجتماعية مجرّد رسائل عبر الهواتف المحمولة، وعمّقت الفجوة بين الأجيال.
أصبح الفرد في وقتنا الحالي مهموما بالاستجابة إلى مواقع التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت وأهمل التواصل الإنساني عبر الحياة، ممّا طرح إشكالا يتعلّق بمدى مساهمة الواقع الافتراضي في تعميق الفجوة بين جيل الأبناء وجيل الآباء.
تقول دعاء، موظفة “التقنية الحديثة خلقت بالفعل فجوة بين الأجيال، غير أن مساحتها تقلّ أو تزيد حسب درجة تعليم وثقافة الآباء، فالأسر المتعلمة تحاول قدر الإمكان مواكبة العصر لضمان القدرة على التفاعل مع الجيل الجديد، وأولادنا يظنون أننا لا نعرف ما يعرفون ويتعجبون من ملاحقتنا للغة العصر وكأن التقنية حكر عليهم، والكبار عاجزون عن التعاطي معها”.
وتؤكد أن الإنترنت أثّرت بالسلب فعلا على العلاقات بين الأسرة الواحدة، فهي تنسي الشباب أنفسهم لساعات طويلة، في حين عندما نتحدث معهم لا يطيقون الحديث لأكثر من عشر دقائق، مبينة “أنا حريصة ألاّ أترك أولادي يقضون أكثر من ساعتين يوميا على الإنترنت لعدة أسباب منها الحرص على أوقات المذاكرة والحالة الصحية، حيث يتسبب الجلوس إلى الإنترنت لساعات طويلة إلى إجهاد البصر والإرهاق”.
ويقول صابر عبدالحميد، موظف بدار الكتب المصرية “إن معظم الشباب حاليا لا يتفقون مع الأهل، ويتصورون أن آباءهم ينتمون إلى العصر الحجري، وقد أسهم في تكريس تلك النظرة هو تعاطي الشباب مع التقنيات الحديثة وبقاء الجيل القديم غير متوافق معها لأنها حديثة العهد نسبيا ولم تتح لهم الفرصة لاستخدامها”.
وأضاف أن “تمضية الشباب معظم أوقاتهم أمام شاشة الكمبيوتر خلق قطيعة بين أفراد الأسرة الواحدة إلى حد أن أحد أصدقائي يضطر للخروج من البيت وتمضية معظم أوقاته على المقاهي هربا من حالة الصمت والوحشة التي تملأ بيته”.
ومن جانبه يقول عزت منصور، مستشار قانوني “إن جيلي أقل استيعابا وتعاملا مع الأدوات التقنية من الجيل الجديد، لكن ذلك لا يعني انقطاع خطوط الاتصال بين الأجيال أو بالأحرى بين الأبناء والآباء والأمهات لأن المسألة تتوقف على مدى ترابط الأسرة وتماسكها من عدمه، فكلما كانت الأسرة مترابطة، كان الحوار مستمرا على الرغم من وجود وسائل التقنية، والوقاية من جانب الآباء مطلوبة، فليس من المطلوب ترك الأبناء فريسة للأفكار الخطيرة التي تحملها الإنترنت والتي تصب في معظمها في خانة الاستقلالية والتمرد على التقاليد والعادات العربية”.
ويرى سليمان حسين، محاسب بأحد البنوك أن الفجوة بين الأجيال موجودة قبل انتشار الإنترنت وستظل قائمة ما لم يبحث الطرفان عن مساحة للالتقاء وذلك بأن يعترف الصغار بخبرة الكبار المكتسبة من تجارب السنين، ويعترف الكبار بتفوّقنا في التعاطي مع المستحدثات التقنية ومواكبة التطوّر على نحو أسرع.
التقنية الحديثة حرمت الشاب من الاستمتاع الكامل بالحياة الاجتماعية التي تثري وجدان الإنسان وثقافته
ويضيف سليمان “أجلس أمام الكمبيوتر للإبحار عبر الإنترنت لمدة تتراوح ما بين ساعة وخمس ساعات يوميا، أقضيها في تصفح المواقع الإخبارية وإرسال رسائل لأصدقائي حول العالم، لكني لم أصل إلى حد الإدمان الذي وصل إليه بعض الأصدقاء وأثّر في سلوكهم بالسلب، بأن جعلهم أكثر عزلة ويفضّلون الجلوس إلى الكمبيوتر أكثر من لقاء الأصدقاء أو الحديث مع أفراد الأسرة”.
ويقول هادي، طالب بكلية هندسة عين شمس، إن الفجوة بالفعل كانت موجودة بين جيل الآباء والأبناء في البداية، لكنها بدأت تقل مع إدراك قطاع كبير من الأجيال القديمة ضرورة استخدام التقنيات الجديدة لمسايرة العصر وعدم التخلّف عن لغته.
ومن جانبه يرى الدكتور صفوت العالم أستاذ الإعلام في جامعة القاهرة، أن ثمة فجوة حقيقية أحدثتها الأدوات التقنية على المستوى الاجتماعي، تتجلّى ملامحها في ضعف التفاعل داخل الأسرة الواحدة، مقارنة بما كان سائدا حيث كان من الممكن في الماضي جلوس كل أفراد الأسرة معا للاستماع إلى برامج الإذاعة أو مشاهدة التلفزيون بشكل جماعي، بما يفتح الباب أمام حوارات عائلية مثمرة.
ويؤكد العالم أن الأزمة ستتبلور بشكل كامل على مستوى الجيل القادم، لأن تأثير انتشار التقنية في العلاقات الاجتماعية لم يتضح بشكل كبير في الوقت الراهن، فثمة تباين في توافر التقنية واستخدامها من طبقة إلى أخرى، ومن منطقة سكنية إلى الثانية.
وتؤكد الدكتورة سامية خضر أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس أن التطور السريع والمستحدثات التقنية لا بد من أن يتسببان في فجوة ثقافية بين الأجيال، وهذا ملحوظ في تعاطي الشباب الصغير والأطفال بسلاسة مع الكمبيوتر والإنترنت وتعثّر الكبار في أحيان كثيرة بما فيهم حملة لدرجة الدكتوراه، لكن علينا أن نعي أن الخبرة ليست فقط في استعمال الأدوات الحديثة.
وترى أنه من الأخطاء التي وقع فيها بعض الكبار ترديد أن أبناءهم يعرفون أكثر منهم نتيجة تعاملهم اليومي مع التقنيات الحديثة، والصحيح أن ثمة فكرا جديدا يقع في مواقع مختلفة أهمها الجانب التكنولوجي، لكن الجانب الحياتي والمعرفي لا يستطيع الجيل الجديد الوصول إليه بسهولة لأنه يحتاج إلى مدى زمني أطول.
ويقول الدكتور عبدالعزيز الشناوي، استشاري الطب النفسي “هناك فجوة بين أجيال نشأت عن التقدم التقني والجيل القديم، ومن الصعب سدها نتيجة سرعة التقدم المذهلة التي لا يستطيع الجيل القديم استيعابها بقدر الجيل الجديد نفسه، لكن هذه الفجوة ستكون أقل بكثير بين الجيل الحالي ومن سيليه”.
إلا أنه يرى أن الأدوات التقنية على الرغم مما تقدّمه من فرص ومزايا إلا أنها تجعل ثقافة الشاب محدودة، وفي اتجاه واحد وتحرمه من الاستمتاع الكامل بالحياة الاجتماعية التي تثري وجدان الإنسان وثقافته، إذ تحوّله إلى شخصية انطوائية منفصلة عن محيطها.
ويؤكد الشناوي أن جلوس الشاب إلى الإنترنت لساعات طويلة بشكل دوري ليس إدمانا بالمعنى الطبي يؤثر في فسيولوجيا الجسم، وإنما هو استغراق نفسي يؤدي وظيفة مهمة جدا وهي انقضاء الوقت، إذ أن بعض الناس يمر لديهم الوقت بطيئا جدا فوق قدرتهم على الاحتمال ولا يجدون الوسيلة الممتعة التي تساعدهم في التخلص من الوحدة.
ويشير إلى أننا يمكن أن نطلق على شخص صفة مريض بالتقنية ويستحق العلاج في حال قضاء كل وقته في هذا الأمر، وشعوره بالضيق إذا ما توقف عنه فضلا عن تضحيته بأشياء أخرى قوية في حياته مقابل القيام بهذا الفعل الدوري، أي استخدام الإنترنت بما يؤثر في حياته الأسرية والعملية والاجتماعية.