جيل أفريقي مفقود بسبب كوفيد

جائحة كورونا أثرت على فرص أطفال أفريقيا في التعليم والصحة وأجبرتهم على العمل في ظل تفاقم الفقر ومحدودية الخدمات الاجتماعية.
الاثنين 2021/04/26
أطفال أفريقيا من أكبر ضحايا جائحة كورونا

تسببت جائحة كورونا في خسارة الملايين من الأطفال في القارة الأفريقية للخدمات الصحية الأساسية والتعليم والحماية والأمن ما يزيد من إمكانية التحاقهم بعمالة القصر. وإزاء ذلك يعمل المسؤولون الأفارقة على حماية الأطفال العاملين الذين غادروا المدرسة بسبب الوباء في محاولة لإعادتهم إلى المدارس وتوفير الوجبات المدرسية المجانية لهم وضمان العمل اللائق للبالغين، لتجنب ضياع جيل كامل.

أديس أبابا- أكدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” في تقاريرها أن الأطفال عانوا التأثير الأكبر لجائحة كورونا. وقالت إن الملايين من الأطفال قد خسروا الخدمات الصحية الأساسية والتعليم والحماية لمجرد أنهم وُلدوا في الفقر أو بسبب انتمائهم الإثني أو العرقي أو الديني. ووسّعت الجائحة فجوة انعدام المساواة، وستتردد أصداؤها الاجتماعية والاقتصادية والصحية لسنوات عديدة قادمة مهددة حقوق الأطفال.

كما أثر انتشــار جائحــة كوفيـد – 19 علــى فــرص أطفــال أفريقيــا في التعليــم والصحــة والأمن والحمايـة، خصوصـا شـريحة الفتيـات. حيـث تشـير التقديـرات إلـى أن مـا يزيـد عـن 5.262 مليـون طفـل في مسـتوى مرحلـة مـا قبـل الأساس والمرحلـة الثانويـة هـم الآن خـارج المـدارس بسـبب إغـلاقها نتيجـة جائحـة كورونا، وهـؤلاء يمثلـون نسـبة 5.21 في المئة مـن إجمالـي سـكان أفريقيـا.

وبالنسـبة للعديـد مـن الأطفال الفقــراء والضعفــاء في أفريقيــا، فــإن المــدارس لا تعتبــر فقــط مكانــا للتعلــم ولكنهــا تمثـل لهـم مسـاحة يسـتجيرون بهـا مـن جحيـم العنـف والاسـتغلال. كمـا أن المـدارس توفـر لهـم أيضـا وجبـات صحيـة ومغذيـة بـل أحيانـا ربما تكـون الوجبـة المدرسـية هـي الوجبـة الوحيـدة التـي يتناولونهـا خـلال اليـوم.

أميرة الفاضل: العديد من الأطفال العمال سيحتاجون إلى دعم للعودة إلى الدراسة

ومن الوجبات المدرسية المجانية إلى العمل اللائق للبالغين، يعمل المسؤولون الأفارقة على إعادة الأطفال العاملين الذين غادروا المدرسة بسبب الوباء إلى الفصل الدراسي لتجنب ضياع جيل والوفاء بتعهد إنهاء عمالة الأطفال بحلول عام 2025.

ومع إغلاق المدارس وخسائر الدخل وتفاقم الفقر ومحدودية الخدمات الاجتماعية، أُجبر الأطفال في جميع أنحاء القارة على العمل، في مناجم الذهب في مالي ومزارع الكاكاو في ساحل العاج والبيع في شوارع أوغندا.

وقالت سينثيا صموئيل أولونغوون المديرة الإقليمية لمنظمة العمل الدولية لأفريقيا لمؤسسة تومسون رويترز في مقابلة “من المهم للغاية. ضمان ألا نفقد جيلًا. إذا لم نعتني بهم، إذا لم نجهزهم، إذا لم نهيئهم بالمهارات ونجهزهم، فلن يكونوا مفيدين في سوق العمل”.

ومع عمل طفل واحد من كل خمسة أطفال، تعد أفريقيا المنطقة الأكثر تضررًا من عمالة القصر وموطن ما يقرب من نصف الأطفال العاملين في العالم، أي حوالي 72 مليون طفل.

ورغم أن عدد الأطفال العاملين في جميع أنحاء العالم قد انخفض بشكل كبير إلى 152 مليون طفل من 246 مليونا في 2000، إلا أن الأمم المتحدة تخشى أن يؤدي كوفيد – 19 إلى عكس هذه المكاسب.

وقد جعلت الأمم المتحدة سنة 2021 السنة الدولية للقضاء على عمالة الأطفال، قائلة إن هناك حاجة لاتخاذ إجراءات عاجلة لتحقيق هدف إنهاء هذه الممارسة بحلول سنة 2025.

وقالت مفوضة الاتحاد الأفريقي للشؤون الاجتماعية أميرة الفاضل إن العديد من العمال الأطفال سيحتاجون إلى دعم للعودة إلى الدراسة، مثل المدارس الليلية والمساعدة الاجتماعية والوجبات المدرسية المجانية.

وذكرت أن “برامج التغذية المدرسية تعالج قضية عمالة الأطفال هذه بشكل غير مباشر”، ويركز عملها على الصحة والشؤون الإنسانية والتنمية الاجتماعية.

وتابعت “في بعض البلدان، لا يوفّرون الطعام للأطفال في المدرسة فحسب، بل يوفّرون للعائلات أيضا”، مضيفة أن مثل هذه البرامج أثبتت نجاحها في معالجة عمالة الأطفال في أفريقيا في الماضي.

وقالت أولونغوون من منظمة العمل الدولية إن توفير المزيد من العمل اللائق للبالغين هو أولوية قصوى لوقف عمل الأطفال في أفريقيا، حيث تمثل حوالي 85 في المئة من العمالة في الاقتصاد غير الرسمي.

ويشتغل حوالي 85 في المئة من الأطفال العاملين في أفريقيا في الزراعة، غالبا في المزارع الأسرية، وفقًا لخطة الاتحاد الأفريقي التي مدتها 10 سنوات للقضاء على عمالة الأطفال، والتي تم تبنيها العام الماضي.

وغالبا ما يتم تعليم الأطفال العمل في المنزل وفي المزرعة لتعلم المسؤولية، لكن هذا الهدف الإيجابي المتمثل في تنشئة الصغار الاجتماعية يمكن أن يؤدي في بعض الأحيان إلى الاستغلال، كما يقول خبراء حقوق الطفل.

وتابعت أولونغوون “على مدى السنوات العشرين الماضية. بُذل الكثير من الجهد لجعل الدول الأعضاء في أفريقيا تدرك أن عمالة الأطفال مشكلة وأن هناك فرقًا بينها وبين التنشئة الاجتماعية. أنا سعيدة جدًا لأن الأمور قد تغيرت، لكنها لم تتحرك بالسرعة الكافية. وآمل أن يدفعنا إدراكنا لحقيقة أن أمامنا أربع سنوات فقط حتى سنة 2025 لتحقيق هدفنا إلى اتخاذ إجراءات فاعلة حقًا”.

وبحسب استطلاع لمنظمة يونيسف شمل أكثر من سبعة آلاف أسرة في سبع دول، وغطى 13 ألف طفل أثرت جائحة كورونا والإغلاق الناتج عنها على الصحة النفسية والجسدية للملايين من الأطفال في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وأظهر الاستطلاع أن أكثر من 90 في المئة من المستجوبين يعتقدون أن كورونا أثرت سلبا على أطفالهم.

وقال تيد شيبان المدير الإقليمي ليونيسف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، “إن القيود على الحركة وإغلاق المدارس كانا لهما أثر بالغ على الروتين اليومي للأطفال وتفاعلاتهم الاجتماعية، وفي النهاية سلامتهم النفسية”.

مـا يزيـد عـن 5.262 مليـون طفـل في مسـتوى مرحلـة مـا قبـل الأساس والمرحلـة الثانويـة هـم الآن خـارج المـدارس
مـا يزيـد عـن 5.262 مليـون طفـل في مسـتوى مرحلـة مـا قبـل الأساس والمرحلـة الثانويـة هـم الآن خـارج المـدارس

وأكد أنه كلما طالت الجائحة، كان الأثر على الأطفال أعمق، مشيرا إلى أنه “من الضروري تمامًا أن نستمرّ في إيجاد حلول مبتكرة لمواجهة أثر كورونا، ودعم الأطفال من خلال الرعاية الصحية والنفسية، وذلك بالتعلم المختلط أو عن بعد، وبإجراءات حماية اجتماعية تتضمن تحويل الأموال”.

وأظهر الاستطلاع أن أكثر من 50 في المئة من المستجوبين يعتقدون أن أطفالهم يعانون نفسيًا وعاطفيًا، وزادت نسب القلق والضغط بين الأسر المقيدة، ما أدى إلى زيادة وقوع العنف الأسري الذي عادة ما يكون الأطفال والنساء أول ضحاياه.

وأعرب نحو 40 في المئة من الأهالي عن مخاوف بشأن تعليم أطفالهم، ورفض كثيرون التعليم عن بعد باعتباره غير فعال، وأشاروا إلى قلة الموارد والاتصال المحدود بالإنترنت وقلة الدعم من البالغين وقلة التواصل المباشر مع المعلمين.

ويأتي انتشـار جائحـة كوفيـد – 19 في أفريقيـا علـى خلفيـة مسـتويات مقلقـة مـن الجوع تفاقـم مـن حدتهـا التغيـرات والكـوارث المناخيـة والنزاعـات والتحديـات الاقتصاديـة في القـارة. وتشـير الإحصائيات التقديريـة عن انعـدام الأمـن الغذائـي إلى أن هنـاك حوالـي 107 ملايـين شـخص في مناطـق دول أفريقيـا جنـوب الصحـراء مهـددون بنقـص حـاد في الإمدادات الغذائيـة.

المسؤولون الأفارقة يعملون على إعادة الأطفال العاملين الذين غادروا المدرسة بسبب الوباء إلى الفصل الدراسي لتجنب ضياعهم

وتجـيء جائحـة كورونـا كإضافـة غيـر محسـوبة وغير متوقعة إلـى قائمـة مهـددات الأمن الغذائـي في أفريقيـا. وتشـير العديـد مـن التقديـرات إلـى أن عـدد المجموعـات السـكانية المهـددة بنقـص الغـذاء قد يتضاعـف في الأشهر المقبلـة، وهـذا بالطبـع سـتكون لـه آثـاره الوخيمـة علـى الأطفال.

وقد فاقمت جائحـة كورونا أيضـا مـن مواطـن الضعـف والهشاشـة حاليـا. كمـا أن لهـذه الجائحـة أثـر كارثي علـى المجموعـات الأكثر ضعفـا التـي لا تتـاح لهـا أنظمـة حمايـة مجتمعيـة، ويشـمل ذلـك مجموعـات الأطفال الأكثر ضعفـا والمتشردين والنازحيـن والمهاجرين المعرضيـن لمخاطر عديـدة ليـس أقلهـا انعـدام مرافـق الصحـة العامـة وانعـدام أو عـدم إتاحـة الوصـول للتسـهيلات الصحيـة ونظـم التعليـم البديـل. علمـا بـأن الأطفال يشـكلون نسـبة 59 في المئة مـن المهاجريـن وطالبـي اللجـوء في أفريقيـا ونسـبة 50 في المئة مـن النازحيـن.

21