جيف بيزوس والد أمازون الذي غير أسلوب التسوّق في العالم

حياة ثاني أغنى رجل في العالم ما تزال مفتوحة على احتمالات عديدة، فهو رجل لا يهدأ. وقد نشهد جديداً في مساره بعد أن غير لنا مسارنا في عالم التسوق.
السبت 2019/11/23
جيف بيزوس هابطاً من قمة هرم المال

في العام 2040 سيكون في مقدّمة من سيحملون لقب “تريليونير” نسبة لحجم ثروته، أما الآن فهو يشغل موقع ثاني أغنى رجل في العالم بعد أن خسر موقع الأول لصالح مؤسس شركة مايكروسوفت، بيل غيتس، منذ أيام فقط بسبب انخفاض أسهم شركته. وجاء تفوق مايكروسوفت على أمازون مؤخراً من خلال حصول عملاق البرمجيات على عقد قيمته 10 مليارات دولار للحوسبة السحابية مع وزارة الدفاع الأميركية.

إنه جيف بيزوس المؤسس ورئيس مجلس إدارة الشركة العملاقة أمازون، وهو الميلياردير الأميركي العصامي الذي قرر الذهاب إلى وادي السيليكون في ولاية نيفادا العام 1990 ليبدأ في البحث عن سبيل لتحقيق فكرة راودته بتأسيس شركة للمبيعات إلكترونياً وهو لا يملك سوى 100 ألف دولار حصل عليها من والديه، بينما كان في حينها بحاجة إلى مبلغ مليون دولار لإطلاق فكرته في بيع الكتب عن طريق شبكة الإنترنت.

بدايات مهنية طموحة

بيزوس الذي ولد في العام 1964 درس في جامعة برينستون وتخرّج منها حائزاً على درجة الشرف في بكالوريوس علوم الهندسة الكهربائية والكمبيوتر. وكان خلال سنواته الجامعية عضو جمعية طلاب برينستون لاستكشاف وتطوير الفضاء.

وفي بداياته شغل منصب نائب رئيس “بانكرز تراست” وكان بذلك أصغر نائب رئيس في تاريخ هذه المؤسسة المالية العريقة. إلا أن منصبه المهم ذاك لم يحدّ من أحلامه في تأسيس عمله الخاص، ذاك الحلم الذي كان يرافقه باستمرار، وهو التجارة الإلكترونية عبر شبكة الإنترنت. إلا أن تلك الأفكار كانت في حينها متقدمة جداً لأن المستثمرين لم تكن قد تكوّنت لديهم الثقة الكافية بالشبكة العنكبوتية للاستثمار في الأعمال والتسويق من خلال تقنيتها حديثة العهد. لم يستطع منصبه العالي في العمل، رغم صغر سنه وأسبقيته فيه، أن يغريه بالاستمرار أو يمنعه عن تقديم استقالته والانتقال إلى وادي السيليكون للبحث بجدية عن فرص استثمارية على شبكة الإنترنت.

ولادة أمازون

بيزوس، وكي يكمل مجده، يتجه صوب عالم الرياضة في مشروعه القادم بشراء فريق في دوري كرة القدم الوطني الأميركي، متعهداً بدفع ثمنه بالكامل نقدًا
بيزوس، وكي يكمل مجده، يتجه صوب عالم الرياضة في مشروعه القادم بشراء فريق في دوري كرة القدم الوطني الأميركي، متعهداً بدفع ثمنه بالكامل نقدًا

البداية كانت من مرآب للسيارات في منزل بيزوس بمدينة سياتل في ولاية واشنطن العام 1993، بعدها بقليل أطلق شركة أمازون في 5 يوليو العام 1994 بمبلغ متواضع يملكه. فهو لم يتمكن بعد لقاءات متوالية مع العديد من المستثمرين الذين كان يلتقيهم لغرض تمويل مشروعه، من إقناعهم بأن أمازون يمكن أن تكون مشروعا مربحاً تجارياً.

كان غالباً ما يتلقى ردود فعل مشابهة حيث يطرح عليه المستثمرون السؤال: ما السبب الذي يدعو القارئ لشراء الكتب عبر الإنترنت وليس من المكتبات الكبرى المتوفرة في أميركا مثل بوردرز وبارنز أند نوبل، وما عدد المستهلكين والقراء الذين يفضلون شراء كتاب قبل أن يتصفحوه عوضاً عن التوجه إلى المكتبات والتجوّل بين رفوف الكتب لاختيار كتابهم المفضل؟

إلا أن مخاوف المستثمرين الذين أحجموا عن وضع أموالهم بيد بيزوس الذي كان يحتاج إلى مليون دولار لإطلاق شركته بالطريقة والحجم التجاري الذي خطط له، لم تكن حقيقية على ما بدا الأمر. فبعد مرور سنة واحدة فقط من تأسيس أمازون، بدأ المستثمرون يأخذون الدور والمواعيد المتلاحقة مع بيزوس من أجل وضع أموالهم بين يديه، والمساهمة والاستثمار في شركته التي كانت تنمو بمعدلات خيالية.

وإثر أربع سنوات فقط من إطلاق أمازون، بلغت أرباح بيزوس الصافية منها 10.1 مليار دولار واحتلّ بذلك موقع الغني رقم 19 بين أغنياء العالم. وفي الأثناء كان بيزوس يخطط باستمرار للتوسع في منتجات جديدة إلى جانب بيع الكتب، وكانت التقارير الاقتصادية للسوق والتسوّق على الإنترنت تفضي بأن المستقبل القريب سيثبت تفوّق حركة الشراء عبر الشبكة العنكبوتية على تلك الاعتيادية حيث يذهب المستهلك لشراء حاجياته من السوق ومحلات تجارة التجزئة في المجمعات التجارية الضخمة.

قام بيزوس بطرح شركة أمازون للاكتتاب العام واستعمل عائدات الأسهم التي باعها في ذلك العام لتوسيع خدمات الشركة. وفي العام 1998 أضاف إلى سوق الكتاب في أمازون بضائع رائجة أخرى هي التسجيلات الموسيقية وتجارة الفيديو عبر الإنترنت. وفي شهر مايو من العام 2016، باع بيزوس أكثر من مليون سهم من ممتلكاته في الشركة مقابل 671 مليون دولار، وهو أكبر مبلغ جمعه على الإطلاق من بيع بعض أسهم أمازون. في 4 أغسطس 2016 باع مليوناً أخرى من أسهمه مقابل 756.7 مليون دولار.

بعد مرور عام، قام بيزوس بمنح فرص عمل في شركته إلى ما يقارب 130 ألف موظف جديد عندما قام بالتوظيف في مراكز ومقرات التوزيع الخاصة بالشركة. ألهم نجاح أعمال موقع أمازون بيزوس ليؤسس شركة “بلو أوريجين” لرحلات السفر إلى الفضاء والتي تهدف لتحقيق تواجد بشري دائم في الفضاء الخارجي.

وفي خطوة استباقية مضافة لنجاحات بيزوس، قدّم فكرة جديدة من خلال موقع أمازون بعد طرح جهاز وتقنية كيندل للقراءة الإلكترونية، والذي يمكنه الاتصال بشبكة الإنترنت لشراء الكتب الإلكترونية وتحميلها وقراءتها على الجهاز.

عام الانتكاسات

الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتحمل مسؤولية في ضعضعة امبراطورية بيزوس، فقد وجه اتهاماً إليه بتجنب تسديد ضريبة المبيعات، وإساءة استخدام الخدمات البريدية، وخرق قوانين حرية المنافسة ومنع الاحتكار
الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتحمل مسؤولية في ضعضعة امبراطورية بيزوس، فقد وجه اتهاماً إليه بتجنب تسديد ضريبة المبيعات، وإساءة استخدام الخدمات البريدية، وخرق قوانين حرية المنافسة ومنع الاحتكار

في مارس 2018، وجّه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، اتهاماً إلى بيزوس وشركته أمازون على وجه التحديد بتجنب تسديد ضريبة المبيعات، وإساءة استخدام الخدمات البريدية، والممارسات التجارية المنافية لقوانين حرية المنافسة ومنع الاحتكار المرعية في الولايات المتحدة.

أدى هذا الاتهام الصريح إلى انخفاض سعر أسهم أمازون بنسبة 9 بالمئة كرد فعل السوق على موقف ترامب المعلن، الأمر الذي أصاب ثروة بيزوس الشخصية على الفور بخسارة بمقدار 10.7 مليار دولار. تابع السياسيون انتقادهم للأداء التجاري لشركة أمازون، وأتى الاتهام هذه المرة من الضفة السياسية الأخرى أي من طرف الديمقراطيين. فبعد أن كشفت مؤسسة غير ربحية تدعى “نيو فود إيكونومي” أن موظفي شركة أمازون يتلقون بطاقات معونة للغذاء مستفدين من قانون الرعاية الاجتماعية لمحدودي الدخل، والتي وجدت من خلال أبحاث دقيقة قامت بها أن ثلث عمال أمازون في أريزونا وعشر عمالها في بنسلفانيا وأوهايو، كانوا قد اعتمدوا على بطاقات الغذاء التي تعطيها الرعاية الاجتماعية للدولة لمحدودي الدخل والطبقات الفقيرة في الولايات المتحدة.

وكان عضو مجلس الشيوخ السيناتور بيرني ساندرز، وكرد فعل مباشر على تلك التقارير، قد انتقد بيزوس بشدة بينما كان يستعد لتقديم مشروع قانون “إيقاف أصحاب العمل المسيئين” للمصادقة عليه في الكونغرس، حيث قال “بدلاً من محاولة استكشاف المريخ أو الذهاب إلى القمر ماذا لو قام جيف بيزوس بدفع رواتب لعماله كافية ليعيشوا حياة كريمة تغنيهم عن اللجوء إلى المعونة الاجتماعية للدولة وبطاقات المساعدة الغذائية؟”.

غلطة الشاطر

بيزوس لا يتخلى عن ذلك الحلم الذي رافقه منذ انطلاقته. حين كانت المشاريع التي فكر فيها، متقدمة جداً، وسط جهل المستثمرين بالشبكة العنكبوتية
بيزوس لا يتخلى عن ذلك الحلم الذي رافقه منذ انطلاقته. حين كانت المشاريع التي فكر فيها، متقدمة جداً، وسط جهل المستثمرين بالشبكة العنكبوتية

الضربة القوية التي توجع خاصرة بيزوس تعود إلى انتشار صوره مع عشيقته وطلب زوجته ماكينزي بيزوس أغلى طلاق في العالم، حيث وقع بيزوس أمام قاضي الطلاق رسمياً على الأوراق التي توثّق تحويل مبلغ 38 مليار دولار إلى حساب مطلقته كتسوية مالية لانفصال الزوجين، أي ما يقارب ربع أسهم الشركة العملاقة التي يملكها كتسوية مالية، وأضحت ماكينزي بذلك ثالث أغنى امرأة في العالم. يشار إلى أن جيف وماكينزي كانا قد تزوجا عام 1993، أي قبل عام من تأسيسه شركة أمازون في منزلهما في سياتل.

وفي خطوة لاقت استحساناً كبيراً من الشعب الأميركي قامت ماكينزي بالتبرّع بنصف ثروتها دعماً لمبادرة للأعمال الخيرية قامت بها إلى جانب المستثمر وارن بافيت ومؤسس مايكروسوفت بيل غيتس، أطلقوا عليها اسم “غيفينغ بليدج”، وتهدف بشكل أساسي إلى تشجيع الأثرياء في العالم على الالتزام بشكل طوعي بمنح أجزاء كبيرة من ثرواتهم للأعمال الاجتماعية الخيرية.

لم تتوقف خسائر بيزوس على ما خسره أمام مطلقته. فقد خسر بعدها نحو 7 مليارات دولار دفعة واحدة، وذلك بعدما أصدرت الشركة تقريرها المالي للربع الثالث من العام الجاري. وأعلنت أمازون تراجعاً نسبته 26 بالمئة من الدخل الصافي، وهو أول تراجع للأرباح منذ عام 2017.

ومع ذلك فقد واصل بيزوس استعراض الثراء الفاحش بعدما سربت الصحافة صوراً لمنزله الجديد في واشنطن العاصمة، والذي قاربت أعمال بنائه على الانتهاء بعد 3 سنوات من انطلاق الأشغال. وزار بيزوس موقع البناء هذا الشهر للاطلاع على المراحل النهائية لإنشاء منزله الفاخر، والذي سيضم منزلين في منزل واحد، بتكلفة 23 مليون دولار، وسيحتوي على 11 غرفة نوم و25 حمامًا.

وكي يكمل بيزوس مجده ها هو يتجه صوب عالم الرياضة في مشروعه القادم بشراء فريق في دوري كرة القدم الوطني الأميركي، ويقوم حاليًا بمحادثات مع المالكين الحاليين، حسب شبكة “سي.بي.أس” بعد أن حصل بالفعل على دعم عدد من مالكي الامتياز الحاليين. وأوضح اتحاد كرة القدم الأميركي أن بيزوس مهتم بشراء الفريق، وأنه سيدفع المبلغ بالكامل نقدًا.

رحلة بيزوس نحو الثروة تبدو رحلة مثيرة. كان لا بد من أن تتخللها بعض الدراما في هذا المنعطف أو ذاك. لكن الأكثر إثارة أن حياة بيزوس ما تزال مفتوحة على احتمالات عديدة، فهو رجل لا يهدأ. وقد نشهد جديداً في مساره بعد أن غير لنا مسارنا في عالم التسوق.

12