جهود إطلاق مسار إصلاح سياسي في الأردن تصطدم بالعشائر

أعاد حديث العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني مؤخرا عن ضرورة إطلاق ورشة إصلاح حقيقية الأمل لدى القوى المدنية بقانون انتخابي يعزز الحياة الحزبية التي تشهد تصحرا في السنوات الأخيرة، بيد أن تصريحات لبعض القوى والشخصيات على غرار رئيس مجلس الأعيان، أثارت شكوكا في طبيعة الإصلاح المراد القيام به.
عمّان - خلّفت تصريحات رئيس مجلس الأعيان الأردني فيصل الفايز، حول ضرورة أن يأخذ النقاش حول القانون الانتخابي الجديد بعين الاعتبار البعد العشائري، خيبة أمل لدى القوى السياسية والمدنية داخل المملكة.
وكانت تلك القوى أبدت تفاؤلا بوجود توجه رسمي لإطلاق مسار الإصلاح السياسي المتعثر منذ سنوات، عبر عنه الملك عبدالله الثاني خلال لقاء مع وكالة الأنباء الرسمية (بترا) قبل أيام، وانكبت السلطة التنفيذية والتشريعية على البحث فيه، لكن حديث الفايز أدى إلى تراجع منسوب التفاؤل وأثار المخاوف من محاولة أقطاب في الدولة فرملة أي توجهات إصلاحية، تقطع مع سيطرة المنظومة العشائرية، التي تتنافى والدولة المدنية.
وقال رئيس مجلس الأعيان إن “الدولة الأردنية لم تكن يوما ضد الأحزاب والحياة الحزبية، لكن لا بد أن نؤكد أن ثقافتنا لا تزال ثقافة عشائرية وأن العشيرة هي أهم مكون للمجتمع الأردني”.
وشدد الفايز خلال حديث تلفزيوني على ضرورة تعديل قانون الانتخاب الحالي، لافتا إلى أنه تم عقد اجتماع بين السلطات الثلاث لتدارس الدلالات العميقة التي وردت في المقابلة الشاملة التي أجراها الملك عبدالله الثاني والتي ركزت في مضامينها على الإصلاح السياسي.
وكان الملك عبدالله أكد في مقابلته مع وكالة الأنباء الأردنية، على ضرورة إعادة النظر في القوانين المتعلقة بالحياة السياسية، كقوانين الانتخاب والأحزاب والإدارة المحلية، مشددا على ضرورة إشراك الشباب الذين يشكلون الشريحة الأكبر في المجتمع الأردني.
وقال العاهل الأردني “انطلاقا من حرصنا على تراثنا، وإيماننا بضرورة التطوير المستمر لتعزيز المشاركة السياسية وزيادة مشاركة الأحزاب والشباب في البرلمان، لا بد من النظر بالقوانين الناظمة للحياة السياسية، كقانون الانتخاب وقانون الأحزاب وقانون الإدارة المحلية، والسعي المستمر لمواصلة مسيرة التنمية السياسية، فهدفنا منذ سنوات طويلة هو الوصول إلى حياة حزبية برامجية راسخة، تمثل فكر الأردنيين وانتماءاتهم، وتحمل همومهم وقضاياهم الوطنية الجامعة، وتعمل من أجل تحقيق تطلعاتهم عبر إيصال صوتها وممثليها إلى قبة البرلمان”.
وعرت الانتخابات التشريعية التي جرت في نوفمبر الماضي عمق الإخلالات في القانون الانتخابي الحالي الذي يعطي أفضلية للعشائر على حساب باقي المكونات، فكان أن أفرز برلمانا عشائريا، وحضورا شكليا للقوى الحزبية والسياسية، رغم مشاركتها غير المسبوقة من حيث عدد المترشحين.
وعقب الحصيلة الهزيلة للأحزاب تعالت الأصوات المطالبة بضرورة تحقيق إصلاح سياسي حقيقي في المملكة ينطلق من تغيير قانون الانتخابات، الذي لا تنحصر عيوبه وفق متابعين في الحفاظ على تفوق عشائري، بل أيضا هو ينزع نحو دعم إرادات فردية لا تملك أي رؤى أو برامج حقيقية تمس مصالح المواطنين.
ويرى مراقبون أن حديث الملك عبدالله، يعكس إدراكا منه بضرورة تصويب المسار في المملكة، وإعادة الزخم للحياة السياسية الراكدة، لاسيما وأنها تدخل مئويتها الثانية، لكن الأمر ليس بالسهولة المرجوة فهناك قوى من مصلحتها الحفاظ على الوضع الراهن وستحاول جاهدة مقاومة أي إصلاح، قد يهدد مكاسبها.
وقال رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز “يجب وضع قانون انتخاب يتناسب مع ثقافة المجتمع الأردني. وأجدد بالقول ثقافتنا لا تزال ثقافة عشائرية. وإذا نظرنا إلى مجلس النواب الحالي كل النواب انتخبوا وفق أسس عشائرية، وأنا وحسب رأيي الشخصي مع أن يكون عدد أعضاء مجلس النواب 100 نائب”.
والفايز الذي ينتمي إلى قبيلة بني صخر العريقة، سبق وأن تولى رئاسة مجلس النواب، ويعتبر الرجل أحد أبرز المدافعين عن الدور العشائري في المملكة، وكان من بين الذين تصدوا لجملة من القرارات التي عدت مسا بالعشيرة وآخرها تلك المتعلقة بسحب السلاح.
ويعتبر البعض أن العقبات أمام تحقيق أي إصلاح فعلي في الأردن لا تنحصر فقط في ممانعة القوى العشائرية التي ترفض المس بأي مكتسبات لها، بل أيضا في غياب قوى حزبية وسياسية فاعلة في المشهد الأردني.
ورغم وجود أكثر من خمسين حزبا في المملكة، بيد أن معظمها ليس له أي حضور وازن على الساحة السياسية، باستثناء حزب جبهة العمل الإسلامي الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين والذي يشهد هو الآخر تراجعا دراماتيكيا على مستوى التأثير في الشارع، وهو ما ترجم في انحسار حضوره البرلماني إلى الثلث.
ويقول سياسيون أردنيون إن الملك عبدالله الثاني يبدو مصمما هذه المرة للسير في تحقيق إصلاحات سياسية لكن السؤال يبقى، إلى أي مدى ستذهب الحكومة في ذلك؟
وقال رئيس الوزراء الأسبق ومؤسس التيار المدني مروان المعشّر، مؤخرا “للأسف حتى الآن الحديث يدور على تطوير في جزئيات لم ترق إلى ما يطمح له الملك، تحديدا في التأسيس لحياة حزبية، يكون من ضمن أهم شروطه قانون انتخاب مبني على الترشيح الحزبي وليس الفردي، وأي مرشح لمجلس النواب في المستقبل لا يرشح إن لم يكن على قائمة حزبية، وليس قوائم عادية، فيجب أن تكون حزبية كأحد أهم الشروط الترشح”.
وأوضح المعشّر في تصريحات لصحف محلية أن السلطة التنفيذية إن أرادت تطبيق رؤى الملك، يجب أن تبتعد عن القول إن الأردن جاهز للحياة الحزبية، خاصة وأنه كان في المملكة حياة حزبية منذ 70 عاما، معربا عن أمله أن تسعى الحكومة إلى تطبيق ما جاء في الأوراق النقاشية، بشكل جدي بما يؤدي فعليا إلى حياة حزبية عملا وليس قولا.
وأعلن وزير الشؤون السياسية والبرلمانية، موسى المعايطة، في وقت سابق بأن الحكومة التي يقودها القادم من الديوان الملكي بشر الخصاونة ستمنح التشريعات الناظمة للحياة السياسية أولوية في عملها في المرحلة المقبلة.
وأوضح أن قانون الإدارة المحلية بات في مراحل متقدمة وسيصار إلى إرساله إلى مجلس الوزراء بعد إقرار التعديلات عليه في اللجنة الوزارية، ومن ثم إلى مجلس النواب خلال الدورة الحالية.
وبخصوص قانون الانتخاب؛ أوضح المعايطة أنه بحاجة إلى مناقشات واسعة مع الجهات المعنية، بما في ذلك مجلس النواب باعتباره شريكا أساسيا في ذلك.
وأكد الوزير الأردني على أن فتح النقاش حول قانون الانتخاب سيشهد عملا مكثفا للوصول إلى توافقات بشأنه مع كل الأطراف المعنية، فيما سيكون قانون الأحزاب ضمن المراجعة بعد ذلك.
وكان لقاء جمع مؤخرا بين رئيس الوزراء ورئيسي الأعيان والنواب، لبحث قوانين الانتخابات والأحزاب والإدارة المحلية، وسط حديث عن توجه لإطلاق حوار شامل يجمع كل الأطياف والكتل النيابية والأحزاب لبحث الإصلاحات السياسية.