جميلة إسماعيل سياسية يستهويها الصدام مع الأنظمة المصرية

إعلامية وسياسية مشاغبة يحاول الإخوان استقطابها بعد أن فازت برئاسة حزب الدستور.
الأحد 2022/07/31
إعلامية تجيد الحوار ومخضرمة سياسيا تجيد المناورة

لم يكن فوز الإعلامية والسياسية المصرية جميلة إسماعيل في انتخابات رئاسة حزب الدستور الليبرالي قبل أيام وليد صدفة أو مغامرة غير محسوبة، لأن الأمر يرتبط بشخصيتها التي تعبر عن حالة خاصة للبعض من المنخرطين في العمل السياسي بمصر وكيفية إدارة العلاقة الشائكة مع النظام الحاكم.

ولا تغيب عن متابعي الوضع السياسي كيفية تحوّل الأحزاب إلى كيانات كرتونية ليس لها تأثير أو قدرة على اتخاذ مواقف حاسمة تجاه أيّ من القضايا المطروحة على الساحة المصرية بعدما سيطر عليها الخمول والكسل والانزواء، وترأستها شخصيات تفتقد إلى الحد الأدنى من الحنكة في إحداث الحراك السياسي.

وظهر اهتمام إعلامي بانتخابات حزب الدستور بعد أن قررت إسماعيل خوضها على منصب الرئيس، وبدأت بعض الأصوات تتحدث عن إمكانيات سيدة يخشاها البعض بعد أن خاضت معارك سياسية وقضائية لتثبت أنها تسير في الطريق الصحيح.

ضريبة باهظة

◙ الأحزاب السياسية في مصر تبدو في هذه الفترة كيانات كرتونية ليس لها تأثير أو قدرة على اتخاذ مواقف حاسمة تجاه أيّ من القضايا المطروحة على الساحة، بعدما سيطر عليها الخمول والكسل والانزواء، وترأستها شخصيات تفتقد إلى الحد الأدنى من الحنكة

لم تصنع إسماعيل اسمها في المجالين الإعلامي والسياسي بسهولة، لكنها دفعت من أجل ذلك ضريبة وفواتير باهظة من سمعتها وحياتها الشخصية والأسرية. لم تضعف أو تيأس ومضت غير مكترثة بما يحاك ضدها، وجاءت المكافأة بأثر رجعي عندما جلست على كرسي رئاسة أحد أهم الأحزاب الليبرالية في مصر.

وأزاحت إسماعيل المرشح الذي ينافسها على رئاسة حزب الدستور خالد داوود بعد أن حصلت على 322 صوتا بينما حصل منافسها على 183 صوتا، لتصبح ثاني سيدة تتولى رئاسة هذا الحزب بعد هالة شكرالله. وهي تختلف عن الكثير من المنخرطين في العمل السياسي بمصر لكونها سيدة جريئة لا تنحني أمام أي مواجهة أو تصعيد، ولا تهاب التهديدات أو تتحسب للمحاذير، وعُرِفت عنها ممارسة السياسة دون أن تلقي بنفسها في دوامة التهلكة.

وتعرف متى تتحدث وبأي طريقة توجه خطابها لصانع القرار والجمهور، وعلى أي شيء تعترض، وما هو الأسلوب المناسب. تقرأ المشهد السياسي بعناية، بعد أن أسهمت مع زوجها السابق أيمن نور في تأسيس حزب الغد، قبل طلاقهما وهروبه إلى خارج البلاد ليناصر الإخوان من تركيا.

بعيدا عن السلطة

كان فوزها برئاسة حزب الدستور رسالة واضحة تفيد بأن هذا الكيان الذي أسسه محمد البرادعي، نائب الرئيس المصري السابق ورئيس هيئة الطاقة النووية سابقا، عقب ثورة يناير 2011 لا بد أن يظل بعيدا عن هيمنة السلطة الحاكمة، ولا يصيبه الضعف الذي ضرب معظم الأحزاب المصرية بسبب صراعات قادتها.

وحاول داوود الذي نافس جميلة أن يأخذ الحزب إلى مسار يبدو قريبا من الحكومة بعد أن وافق على الانخراط في الحوار الوطني عقب العفو عنه وخروجه من السجن، وبدأ يظهر في وسائل الإعلام ليتحدث بإيجابية غير معهودة من سياسي معارض عن الحوار الذي أطلقه الرئيس عبدالفتاح السيسي لتقريب المسافات مع القوى الحزبية والمدنية حول الأوضاع السياسية والاقتصادية والمجتمعية.

وانتقدت إسماعيل الحوار الوطني اعتراضا على أسلوبه وأهدافه وغموض أجندته، وتحدثت عن تحوله إلى ما يشبه “الجلسات الكلامية” بينما هو فرصة لتحسين البيئة السياسية في مصر إذا تمت إدارته بشكل أفضل ووضعت له رؤية محددة.

◙ فوز إسماعيل برئاسة حزب الدستور رسالة واضحة تفيد بأن هذا الكيان الذي أسسه محمد البرادعي، نائب الرئيس المصري السابق، عقب ثورة يناير 2011 لا بد أن يظل بعيدا عن هيمنة السلطة الحاكمة

مصدر الخلاف بين جميلة والأنظمة الحاكمة في مصر هو مواقفها الثابتة تجاه ملف الحبس الاحتياطي والمعتقلين في قضايا الرأي والحريات والتظاهر، وتعتقد أن إبداء حسن النوايا من جانب الحكومة هو بداية لتأسيس حوار على أسس راسخة.

وتمثل قضايا الرأي والحريات بالنسبة إلى الزعيمة الجديدة لحزب الدستور مسألة حيوية؛ إذ عانت، على مدى سنوات، من حبس زوجها السابق أيمن نور خلال فترة حكم الرئيس الراحل حسني مبارك، وخاضت معارك متعددة من أجل تحريره لاقتناعها بأنه تعرض آنذاك لاستهداف متعمد، ما انعكس سلبا على أسرتها.

وتعد من أكثر الشخصيات المعارضة لحبس من شاركوا في ثورة يناير 2011 ضد نظام مبارك، وترى أهمية في أن يصبح هؤلاء جزءا من الإصلاح السياسي في البلاد، لأنهم دفعوا الكثير من حياتهم لتحرير بلدهم من سلطة مارست أنواعا مختلفة من التسلط والفساد ثم انهارت أمام شباب انتهى حال الكثير منهم إلى السجن.

وكانت إسماعيل في مقدمة معارضي نظام مبارك في سنواته الأخيرة، وشاركت في العديد من الحملات المناهضة لحبس النشطاء والحقوقيين والسياسيين في الفترة بين عامي 2004 و2010، وطالبت بإطلاق سراح المعتقلين وأصحاب الرأي في مصر، وشاركت في الكثير من الحملات التي تعترض على توريث منصب رئيس الجمهورية لابن مبارك جمال، وانضمت إلى العديد من الحركات التي نشطت آنذاك، منها الحركة الوطنية للتغيير وحركة مصريات مع التغيير وحركة كفاية، وبدا نشاطها ظاهرا في الشارع المصري.

وتتوقع الكثير من الأوساط السياسية في مصر أن تكون عودة إسماعيل عبر رئاسة حزب الدستور، بعدما كانت تتولى منصب أمينة التنظيم في الحزب، إيذانا بنشاط سياسي جديد لها في الفضاء العام. ويمكن أن تستثمر ما يلوح من توسيع هامش الحرية في البلاد؛ إذ تمنحها رئاسة الحزب حصانة معنوية قد تبعدها عن الاستهداف.

حرائق في الحزب المعارض

المثير أنها مارست العمل السياسي بالصدفة، ولم تكن منذ تخرجها في الجامعة وعملها مذيعة في التلفزيون المصري ناشطة أو حقوقية. جاءتها النقلة النوعية بعد زواجها من نور وقد انفصل الاثنان بعد زواج دام نحو عشرين عاما.

واشتركت معه في تأسيس حزب الغد، وبعدها ترشح نور ضد حسني مبارك في الانتخابات التي أجريت عام 2006، وتعرض للحبس بعد اتهامه بتزوير توكيلات أعضاء في الحزب، وخاضت جميلة معركة الضغط على النظام للإفراج عنه.

وقد وجدت نفسها مسؤولة عن إدارة حزب الغد بعد حبس زوجها السابق، ما جعلها تواجه اختبارا بالغ الدقة؛ فهي مطالبة بتسيير الحياة داخله، والبحث عن سبيل لإطلاق سراح زوجها، وفي هذه الأثناء قام مجهولون بإشعال النيران في مقر الحزب وسط القاهرة.

آنذاك قررت رفع دعوى قضائية ضد حبيب العادلي، أقوى وزير داخلية في عهد مبارك، بتهمة التقصير في حماية حزب الغد، واتهمت رجال الأمن بأنهم كانوا يقفون موقف المتفرج على حريق مقر حزب الغد.

◙ مصدر الخلاف بين إسماعيل والأنظمة الحاكمة في مصر هو مواقها الثابتة تجاه ملف الحبس الاحتياطي والمعتقلين في قضايا الرأي والحريات والتظاهر

وبعد أن شعرت بزيادة الضغوط عليها قررت الاستقواء بالولايات المتحدة، والتقت الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش وطالبته بالضغط على النظام المصري لتسريع الإفراج عن نور، وهي الثغرة التي جعلت بعض السياسيين يحتفظون بمسافة بعيدا عنها، وخسرت بسببها جانبا من تعاطف الناس لأن إعلام مبارك شن عليها وعلى زوجها السابق حملة شديدة وصلت إلى حد اتهامهما بالعمالة لجهات خارجية.

وعندما شاركت إسماعيل في لقاء عقده الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا هولاند مع بعض النشطاء السياسيين خلال زيارته إلى القاهرة عام 2016، طالبته بوقف تسليح الجيش المصري حتى يتم إحراز تقدم ملموس في ملف حقوق الإنسان، واتهمت باريس بأنها تغفل ملف الحريات في علاقاتها مع القاهرة لحساب إبرام الصفقات العسكرية.

وكان نظام الرئيس السيسي يعيد ترميم البلاد بعد تركة الإخوان ويخطط لإعادة بناء الجيش بعقد صفقات أسلحة مع دول، مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا وروسيا والصين، بعيدا عن الهيمنة الأميركية، ووجدت بعض الدوائر القريبة من الحكومة أن جميلة إسماعيل تحرض على النظام والجيش مستغلة ثغرة حقوق الإنسان، ما جعلها من الشخصيات المغضوب عليها، فانزوت عن المشهد السياسي بعد تضييقه.

واللافت أن إسماعيل لم تتعرض لاستهداف أمني أو مضايقات شخصية حادة مثل بعض المعارضين، لكنها كانت من المغضوب عليهم لأنها لم تراع الظروف والتحديات التي تمر بها الدولة المصرية؛ إذ جاءت المقابلة مع الرئيس الفرنسي في ذروة التهديدات الإرهابية المتأتية من أنصار جماعة الإخوان وعناصر متطرفة.

تأتي القتامة في علاقة الحكومة المصرية بجميلة من أن خطابها يبدو متناغما مع مصالح الإخوان، وكثيرا ما تتحدث بنبرة توحي وكأنها تشاركهم الهموم ذاتها، حيث تركز على قضايا المحبوسين دون تفرقة بين سياسيين وحقوقيين ومتطرفين ومرتكبي عنف، وسبق لها الحديث عن عدم ممانعتها وجود أحزاب إسلامية شريطة عدم الخلط بين الدين والسياسة، حتى وضعت نفسها في خانة يصعب الخروج منها بسهولة إلا إذا قدمت للنظام ما يناقض كل ما تم استشفافه من تصوراتها السياسية.

بين الجماعة والحكومة

◙ المشهد السياسي تقرأ إسماعيل تطوراته بعناية، بعد أن أسهمت مع زوجها السابق أيمن نور بتأسيس حزب الغد
المشهد السياسي تقرأ إسماعيل تطوراته بعناية، بعد أن أسهمت مع زوجها السابق أيمن نور بتأسيس حزب الغد

قد ورطت جماعة الإخوان إسماعيل في مسألة التماهي بعدما سارع العديد من إعلاميي الجماعة في الخارج إلى تهنئتها على فوزها برئاسة حزب الدستور مؤخرا، ودعوتها إلى الثبات على موقفها في مناهضة النظام الحاكم وعدم المشاركة في الحوار الوطني، أملاً في أن تكون عقبة أمام الحكومة لمنع إخضاع الأحزاب والقوى المدنية، حسب تصوّرهم.

وتبحث جماعة الإخوان عن أي وسيلة للضغط على النظام المصري كنوع من الثأر والانتقام وتوصيل رسالة تفيد بأن الجماعة لا تزال تمثل عنصرا فاعلا في المشهد.

وأدركت الحكومة المعاني السلبية لدعم إسماعيل فسارعت الأكاديمية الوطنية لتدريب وتأهيل الشباب التابعة لرئاسة الجمهورية والمسؤولة عن إدارة الحوار الوطني إلى إرسال تهنئة لها عقب فوزها، ودعوتها للانضمام إلى الحوار الوطني وتقديم الأجندة الخاصة بالحزب والمشاركة في الموضوعات والملفات التي ترغب في طرحها ومناقشتها.

◙ خطابها لصانع القرار والجمهور تعرف إسماعيل كيف توجهه ومتى، وعلى أي شيء تعترض؛ فقد أخذت تقرأ المشهد السياسي بعناية، بعد أن أسهمت مع زوجها السابق أيمن نور في تأسيس حزب الغد، قبل طلاقهما وهروبه إلى خارج البلاد

ولم ترفض إسماعيل هذا العرض، غير أنها لم تبد تجاوبا سخيا معه، وهو الموقف الذي كان ضربة قاصمة للإخوان الذين حاولوا استقطابها بأي طريقة.

ومواقف إسماعيل تجاه الإخوان حين كانوا على رأس الحكم في مصر لا تعكس تقاربا سياسيا بين الجانبين؛ فقد شاركت في الثورة الشعبية عليهم في الثلاثين من يونيو 2013، وحثت قبلها المواطنين على الخروج إلى الشوارع والميادين لإسقاط حكم المرشد.

وما يميز إسماعيل عن الكثير من رؤساء الأحزاب المصرية أنها إعلامية تجيد الحوار ومخضرمة سياسيا تجيد المناورة، أي أنها تملك مهارات تفاوضية، وهي من الأدوات التي تمثل إضافة إلى دورها لتصحيح أوضاع حزب الدستور.

ولم تصل إلى العمل في التلفزيون بالصدفة؛ فقد كانت الأولى على دفعتها في كلية الإعلام بجامعة القاهرة عام 1986، وسبق لها تقديم برامج سياسية واجتماعية، وعملت مراسلة لصحف ومجلات أجنبية عديدة، ومن أشهر برامجها “إحنا فين” على شاشة التلفزيون الرسمي و”إعادة نظر” على فضائية قناة “النهار” الخاصة.

وحصلت عام 2000 على جائزة أفضل مذيعة شارع من مهرجان الإذاعة والتلفزيون في مصر، واختيرت ضمن قائمة 150 سيدة شاركن في صناعة أحداث هزت العالم، بترشيح من مجلة “نيوزويك” الأميركية عام 2011، وفي العام التالي اختيرت لتكون ضمن قائمة أكثر أربع نساء مؤثرات في ثورات الربيع العربي بترشيح هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”.

ولئن كانت جميلة إسماعيل مؤهلة للنجاح في العبور بسفينة حزب الدستور إلى بر الأمان ليكون كيانا له تأثير سياسي، فإنها تواجه تحديات بالغة الصعوبة في سبيل تحقيق ذلك، على رأسها أن الحزب لا يزال بلا مقرات ولا موارد مالية، وهناك عزوف جماهيري عن الانضمام إلى الأحزاب في مصر، ما يجعلها وحيدة في مشوار طويل تسعى فيه إلى إعادة بناء حزب قوي.

انتقاد إسماعيل للحوار الوطني ينطلق من الاعتراض على أسلوبه وأهدافه وغموض أجندته

8