جمهور البساط الأحمر

جدل كبير حول أيام قرطاج السينمائية، اشترك فيه الجميع ممن لا يعنيهم أمر المهرجان. والجدل لم يكن حول الأفلام المعروضة ونوعيتها وتقنياتها ومخرجيها ومدارسهم ولا أداء الممثلين. الجدل حول الصورة الأولى صورة الضيوف والضيفات ممن ساروا وسرن على البساط الأحمر.
نشطت مواقع التواصل في نشر صور فساتين النجمات على نطاق واسع، بعضهن ممثلات والكثير منهن نجمات في إنستغرام ممكن بتن أكثر شهرة من أكبر ممثل أو ممثلة سينما محلية أو عربية وأفريقية. صور ومشهدية جديدة بمقاييس مغايرة للسينما كما عهدها بعض المولعين بالسينما.
المهم أن صور الفساتين صارت معيارا للحكم على المهرجان من جمهور لديه متلازمة عربية خالصة، فهو يتملى الصور ويتلذذ تفاصيلها ويوزعها بشره على مواقع التواصل ثم يخفي ذلك الوله والتيه في الصور بحملة تتأسف لحال الأخلاق وتبكي ضياع الدين لدى الأجيال الجديدة. دين لا نستدعيه إلا لمقاومة مساعي الآخر للاختلاف معنا.
ودخلت على الحملة أسماء وشخصيات بارزة حتى أن وزارة الثقافة التونسية سعت للنأي بنفسها، وكأن المهرجان عالم منغلق على نفسه. دعت الوزيرة إلى دورة كل سنتين فيما دعا آخرون وبضعهم من أبناء الميدان إلى سحب البساط الأحمر من المهرجان لتقليص هذا الاهتمام المبالغ فيه بمن يسرن عليه.
وهي طريقة ذكية للتراجع إلى الوراء مفادها أنه طالما أن الناس لا تتابع الأفلام ولا تهتم لأمر السينما، فلماذا نزعجهم بالبساط الأحمر ونفتح على أنفسنا باب النقد والتركيز الإعلامي الذي جلب اهتمام الرئيس التونسي ليدخل بدوره في هذا الجدل ويستدعي وزيرة الثقافة حياة قطاط ويوجه انتقادا خفيا لأيام قرطاج السينمائية و“ما شابها من ممارسات حادت بها عن الأهداف التي أنشئت من أجلها”، وقد فهمت هذه الملاحظة على أنها مجاراة من رئيس الجمهورية للحملة في مواقع التواصل الاجتماعي على المهرجان بسبب لوك المشاركات.
هذا الجدل غطى على الأسئلة التي يفترض أن يطرحها المهتمون بالمهرجان، مثل لماذا يتراجع قرطاج من حيث الاهتمام والقيمة قياسا بالمهرجانات الأخرى، هل القصة قصة تمويل الدولة (تمويل محدود، وأين خطط المهرجان لجلب مستشهرين ورعاة).
هل هدف المهرجان صار في عقد دورة سنوية كيفما اتفق بعيدا عن القيمة، فهو يكرر نفسه وفي أحسن الأحوال يكرم أفلاما ومنتجين وممثلين حصلوا على جوائز وتكريمات سابقة (من كان أو الجونة أو غيرهما)، وهو يعني أن المهرجان لم يعد يكتشف كما كان يحصل في السابق، ولم يعد هدفا يستقطب الأفلام لتعرض فيه هو أوّلا. كما أنه حاد عن هويته الرئيسية، أي البعد الأفريقي وبات ينفتح شرقا وخليجا بحثا عن الاعتراف والتمويل لتضيع الفكرة والروح.