جماهير كرة القدم العربية تناصر الفلسطينيين في غزة

أثارت المحنة التي يمرّ بها الفلسطينيون القابعون تحت القصف الإسرائيلي في غزة تعاطف الجماهير العربية في الشوارع ومدرجات الملاعب ما خفف من وتيرة الكراهية المتبادلة والمجانية بين مشجعي فرق كرة القدم، وعلى الرغم من إيجابية هذا التحول إلا أن المخاوف تزداد من عودة الألتراس في مصر وتحول الملاعب إلى منبر للتوظيف السياسي.
القاهرة - أظهرت مباريات كرة القدم التي أقيمت عقب اندلاع الحرب على غزة، عربيا ودوليا، إلى أي درجة هناك مخاوف لدى بعض الحكومات من تحول الملاعب إلى منبر للتوظيف السياسي، وما قد يترتب على ذلك من منغصات أمنية إذا انتقل التعصب من مدرجات الرياضة إلى دعم قضية بعينها، ولو كانت عادلة وتستحق المساندة.
واتخذت اتحادات اللعبة في بعض الدول الأوروبية قرارات صارمة ضد أي شعارات تُرفع في المدرجات لدعم القضية الفلسطينية والمطالبة بوقف الاعتداءات الإسرائيلية، من منطلق أن الملاعب وُجدت للترفيه والتشجيع والمنافسة البعيدة عن المشهد السياسي أو الحزبي أو الترويج لقضايا محل خلاف دولي.
ويبدو الوضع مختلفا بشكل واضح في بعض الدول العربية، إذ جاءت الحرب على غزة لتوقف التعصب الكروي وتفتح صفحة جديدة بين روابط الجماهير التي يطلق عليها مصطلح “الألتراس”، التي اعتادت الدخول في صدامات عنيفة مع الأجهزة الأمنية، كونها لا تفرق في حماسها بين دعم الفرق وانتقاد الأوضاع السياسية بالبلاد.
وعانى الشارع الرياضي في مصر من حالة انقسام كبيرة، ولم يكن الأمر مقتصرا على التلاسن والجفاء بين الجمهور، بل امتد إلى أندية رياضية، بين شبه قطيعة بين مجالس إدارات الأندية، وصراع أندية أخرى مع اتحاد كرة القدم، حتى أصبحت كل الأطراف غير قادرة على إعادة الأجواء والعلاقات إلى طبيعتها.
بعض الاتحادات الأوروبية تتخذ قرارات صارمة ضد شعارات تُرفع في المدرجات لدعم القضية الفلسطينية ووقف الاعتداءات الإسرائيلية
وأظهر التقارب الأخير بين مشجعي الأندية المختلفة حتى أنصار الغريمين التاريخيين، الأهلي والزمالك، منذ اندلاع حرب غزة، تراجعا في منسوب التعصب الرياضي في مصر، وأنه بإمكان الجماهير أن تصبح أكثر لُحمة وتقاربا ومودة مع بعضها.
وكان من النادر، وربما المستحيل، أن تقوم الصفحات الجماهيرية الكبرى التابعة للزمالك على شبكات التواصل الاجتماعي بالإعلان عن دعمها لفريق النادي الأهلي وتشجيعه في أي بطولة رياضية قارية، لكن ذلك حدث في مباراة الأهلي وسيمبا التنزاني، الجمعة، في افتتاح بطولة السوبر الأفريقية الأولى.
وأثنى جمهور الزمالك على لاعبي الأهلي الذين رفعوا رايات النصر للشعب الفلسطيني خلال المباراة، وكانوا يحتفلون بالأهداف أمام المقصورة الرئيسية في الملعب، حيث يجلس مسؤولو الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، ويرفعون علامات المساندة للفلسطينيين في حربهم ضد الاحتلال.
في اليوم الثاني، حيث كانت مباراة الزمالك في الدوري المحلي، ارتدى لاعبو الفريق ملابس إحماء عليها العلم الفلسطيني، وهو تصرف أشادت به جماهير وصفحات الأهلي وتناقلته بعض وسائل الإعلام لتكشف عن توقف واضح للتعصب الرياضي على وقع الحرب التي استدعت التوحد.
وجاء الدعم الجماهيري في المدرجات لسكان غزة في حضور أمني لافت، لكن دون تحرك أيّ من أفراد الشرطة لمضايقة الجمهور والتضييق عليه ومنعه من تحويل المدرجات إلى منبر سياسي، وهذه كانت مشكلة بين الأمن وروابط مشجعي الأندية.
ولا يزال الأمن المصري يتعامل مع روابط الألتراس بحذر بعد أن تحولت إلى عنصر فاعل في الحراك السياسي خلال ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، ومنذ ذلك الوقت تتعامل الحكومة معها كبؤرة لإثارة التوترات الأمنية والسياسية.
وما أثار طمأنينة الأمن هو انتشار حملات إلكترونية على صفحات الأندية الشعبية مفادها أن التعصب الرياضي لم يخلف سوى المزيد من الكراهية والبغض بين الجماهير، ويفترض أن تكون الحرب على غزة قضية جماهيرية وفرصة للتقارب والتنافس الكروي بشكل راق بعيدا عن حشد الجماهير برسائل تحريضية.
وقال الناقد الرياضي ياسر أيوب إن التحضر الجماهيري الذي ظهر بالتزامن مع حرب غزة ليس بجديد، فهو موجود بين كل المشجعين، وكانت الأزمة في تصدير النماذج السيئة دون النظر إلى العناصر والمواقف الإيجابية، كما أن غياب القدوة في الوسط الرياضي كان مشكلة كبيرة، والشخصيات المؤثرة جنبت نفسها المشكلات.
وأضاف لـ”العرب” أن المبادرات الجماهيرية بالتقارب دون النظر إلى الانتماءات الكروية فرصة يجب استثمارها، وليس هناك مبررات للخوف منها بدعوى أن هذا التلاحم قد يتم توظيفه سياسيا، لأن المتابع للمشهد يُدرك جيدا أن الجماهير أصبحت واعية وتتفهم التبعات السلبية للتعصب والكراهية والتوظيف الخاطئ للمدرجات.
وظلت مشكلة مجالس إدارات بعض الأندية ذات الشعبية الكبيرة حول أنها تتحرك لوأد التعصب والتقارب مع المنافسين خاضعة لرغبات الجمهور، بمعنى أنها لا تأخذ قرارها بعيدا عن جسّ نبض المشجعين ومعرفة مطالبهم وتوجهاتهم، فالتحرّك في اتجاه مغاير يعني انتهاء فترة صلاحية المجلس وانهيار شعبيته.
غير أن هناك أزمة أخرى مرتبطة بالتعصب الرياضي القادم إلى الملاعب من الإعلام في مصر، فقبل شهور اعترف كرم جبر رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بأن ما يحدث في بعض القنوات الفضائية يمكن وصفه بالحرب، ما عكس إلى أي درجة يمكن أن يصل التعصب في غياب التدخل الحاسم من الهيئات المعنية داخل الحكومة.
ومع أن روابط الجماهير الرياضية في مصر توافقت على وقف التعصب والصدام اللفظي، بالتزامن مع الحرب، لم تستثمر أي جهة في مصر هذا الموقف أو تسوق له على نحو يجعل منه نواة للقضاء على الاحتقان الذي ساد الملاعب، حيث بدت كل هيئة كأنها بعيدة كليا عن المشهد.
وهناك لجان مختصة برصد كل ما يرتبط بالتعصب الجماهيري والإعلامي، للتدخل لوقفه أو تعزيز النواحي الإيجابية المرتبطة به، لكن ذلك لم يحدث، حتى بادرت الجماهير بنشر مبادرتها على نطاق واسع مستثمرة التوحد خلف القضية الفلسطينية، وعدم الاحتكاك بعناصر الشرطة أو الخروج عن الأعراف في تشجيع الأندية.
وسهّل القرار الذي اتخذه مجلس إدارة الأهلي بوقف البث على كل منصاته تضامنا مع الفلسطينيين ورفض العدوان عليهم، مهمة وقف التعصب الرياضي في مصر.
ويعكس التلاحم الجماهيري الذي ظهر منذ الحرب على غزة سهولة إنهاء التعصب الرياضي في أي بلد يعاني من أزمة احتقان في الملاعب، شريطة إسكات المحرضين وإلزام المنابر الإعلامية بالمعايير المهنية والأخلاقية ومواثيق الشرف وإقصاء الوجوه التي تخرج عن النص، لكن الأهم جرأة الهيئات التي تدير المشهد.
ويبدو أن غياب الرصد للمبادرات الجماهيرية التي تتمسك بإنهاء الكراهية والتعصب أمر مثير للشك في وجود دوائر لا تستهويها العلاقة الإيجابية بين المشجعين، وتصر على أن تلعب على وتر الاحتقان لاستمرار الإلهاء للشارع بقضايا واهية أو عدم توحد روابط الألتراس على هدف واحد.
وأكد جلال نصار الخبير الإعلامي أن الفرصة أصبحت سانحة لإطلاق مبادرة شاملة لإنهاء كل مظاهر التحزب الرياضي، لأن الجماهير ترغب في ذلك.
وأوضح لـ”العرب” أن الانتماء الكروي لبعض الوجوه الإعلامية كان وسيظل أزمة معقدة أمام أي جهة تتحرك لإنهاء التعصب، لأن هؤلاء يطغى عليهم الانتماء إلى النادي الذي يشجعونه، وحتى الضيوف أنفسهم لهم انتماءات، بالتالي يشعر الجمهور بأن الرسالة موجهة بشكل شبه متعمد.
وتتفق الكثير من الأصوات الجماهيرية على أن الوصول إلى مرحلة البعد عن التعصب ودعم الإعلام النظيف الذي يُعلي من القيم والمبادئ واحترام القواعد المهنية ليس مستحيلا، طالما أن مستقبلي الرسالة يتقبلون ذلك، ويتحركون لتحقيقه، ما يفرض على الهيئات الرسمية أن تكون على قدر المسؤولية في عملية المواجهة.