جلودنا ليست رقمية

وقف صديقي مباهيا بصحته. قال بكل ثقة إن صحته تمام وأن آخر شيء يفكر فيه، وهو في الستين، هو الشيخوخة. كان ردي له بسيطا. الشيخوخة شيء طبيعي مثل الشباب. إذا قبلت هذا، تقبل تلك.
مددت ذراعي أشرح له الأمر. أنا أصغر منه عمرا بسنوات، ولكن ما كانت تلك البقع البسيطة التي بدأت تظهر على ذراعي لتفوتني. لون الجلد المتناسق بدأ يتعكّر ببقع مختلفة الألوان يخفيها الشعر الملون بدوره أسود وفضيا.
قال لي ما هذا. قلت، علامات الكبر. لم تصل إلى ظهر الكف، لكنها منتشرة على الذراع بما يكفي لكي تقول أهلا بك بعمر ما بعد الخمسين. قال هذه بقع الكَلف الشمسي. قلت لا، هذه بقع الكَلف العمري.
هو مهندس إلكترونيات وكان لا بد لي أن أشرح له الأمر كما يفهمه.
قلت هل تذكر أشرطة الفيديو كاسيت؟ قال نعم. قلت هل تذكر عمليات النسخ من شريط إلى شريط التي كنا نمارسها؟ قال نعم. قلت هل تذكر أن نسخ شريط عن شريط يكون معقولا وواضحا في مراحله الأولى، ولكن مع تقدم عمليات النسخ من “جيل” إلى “جيل”، أي نسخة عن نسخة عن نسخة، كان اللون يضعف ويتحول إلى صورة باهتة ثم تبدأ بعض الخطوط بالظهور وننتهي بنسخة لا تصلح للمشاهدة؟ قال صحيح. قلت له هذا ما يحدث في خلايانا. عملية إعادة إنتاج الخلايا ليست عملية رقمية بل تماثلية (أي ليست ديجيتال بل أنالوغ بلغة الهندسة الإلكترونية). شريط الخلايا الجلدية يقوم بنسخ نفسه مرات ومرات عبر سنوات الحياة، ثم يبدأ اللون بالخفوت وتظهر البقع والتجاعيد وخطوط السن. لو كان جسم الإنسان رقميا، لكان النسخُ دقيقا ومثاليا مثلما نستمتع الآن بنسخ المشاهد الفيديوية أو المقطوعات الموسيقية الرقمية. لكن أجسادنا تماثلية، وعمليات النسخ أبعد ما تكون عن المثالية. وكلما تقادم الجلد، بدت هذه العيوب ظاهرة. أول عملية نسخ فيها مليار خلية صحيحة إلا ألفا. والثانية مليار إلا ألفين. وهكذا لحين تصبح هذه الألوف ملايين يمكن ملاحظتها.
صعق الرجل بعد أن أطحت بنظريته عن الصحة. صار يقلب ذراعيه وفتح أزار القميص العلوية وبدأ يعد البقع التي يراها. فاته أن يتذكر حجم الصلعة وأن عدد الشعرات الفضية في الجزء الباقي المكسو بالشعر في رأسه أكثر من عدد الشعرات السود.
قلت له، هذه أسهل الملاحظات لأنها جلدية. ماذا لو تعرف ما يحدث في الأحشاء الداخلية التي لا نراها. هناك ما يعادل هذه البقع في عضلات القلب ومفاصل العظام وأنسجة الكبد والكلية وكل أجزاء الجهاز الهضمي.
صار يبلع ريقه لكنه تماسك وقال إن المهم هو الإحساس بالصحة وعدم الوقوع في براثن المرض. قلت له هذا هو الكلام التمام وليس الهروب من فكرة الشيخوخة. ابتسم بخبث.
حوّلنا الحديث من الصحة إلى نتائج مباريات كأس العالم الأخيرة. لا نريد أن نخسر بعضنا من أجل شوية كرمشة في الجلد، مثل الفيديو كاسيت، لا تستحق المشاهدة.