جغرافيا الأردن فضاء جاذب لتصوير الأفلام العالمية والعربية

كيف يمكن تجاوز الديكور الصحراوي والبدوي كأماكن للتصوير؟
الثلاثاء 2021/06/08
الأردن أستوديو سينمائي ضخم مفتوح في الهواء الطلق

يحظى الأردن باهتمام كبير من قبل منتجي السينما العالميين كموقع للتصوير يختزل جزءا من سحر الشرق، فكان قبلة العديد من أفلام هوليوود التي تتناول مواضيعها الشرق العربي أو البيئة الصحراوية وحتى المناطق الآسيوية. ولكن يبقى الخروج من النمطية ودعم الأعمال المبتكرة هدفين أساسيين خاصة مع اشتداد المنافسة على استقطاب السينمائيين من بلدان مثل تركيا واليونان وغيرهما.

يتّسم الأردن بتنوع طبيعته الجغرافية الجبلية والصحراوية والسهلية، واحتوائه على مواقع سياحية وآثارية جاذبة، منها البحر الميّت، والمدينة الوردية “البتراء”، وجرش، ووادي رم، والقلاع، والقصور، والأطلال التاريخية، والواحات، وشواطئ العقبة، وينعم بالأمان والاستقرار اللذين تفتقد إليهما أغلب البلدان في المنطقة، مما جعله فضاء مغريا يستقطب الإنتاج السينمائي والتلفزيوني الأجنبي والعربي.

ويسعى الأردن إلى الحفاظ على مكانته على خارطة مواقع التصوير العالمية منذ ستينات القرن الماضي، حيث كانت باكورة الأفلام الأجنبية التي صُوّرت فيه فيلم “المشرق” النرويجي عام 1960 للمخرج آرني هيفرفين، وهو ثاني فيلم بعد الفيلم الأردني “صراع في جرش” للمخرج واصف الشيخ الذي أُنتج عام 1957، ثم الفيلم العالمي الشهير “لورانس العرب” عام 1962 للمخرج البريطاني ديفيد لين، وتمثيل بيتر أوتول (بدور لورنس)، وعمر الشريف (بدور الشريف علي)، وأنتوني كوين بدور (عودة أبو تايه)، وأليك غينيس (بدور الأمير فيصل).

وقد فاز الفيلم بالعديد من الجوائز، منها 7 جوائز أوسكار، وعدّه الكثيرون من جمهور السينما، وحتى المتخصصين، الفيلم الأعظم في تاريخ السينما الأميركية. وهو يتناول قصة الملازم الإنجليزي لورنس الذي تكلّفه السلطات البريطانية بمعاونة العرب، في حربهم لتحرير جزيرة العرب من حكم العثمانيين، ويلقي لمحة على حال العرب في تلك الفترة التي كانت مشبّعة بروح القبلية والتفرق. تلاه فيلم “ابن النمر الوردي” (1963) للمخرج الأميركي بليك إدواردز، ثم “العاصفة” (1970) للمخرج الكندي روجر كاردينال، “سندباد وعين النمر” (1977) للمخرج البريطاني سام واناميكر، الفيلمان الأميركيان “السفير” للمخرج ج. لي. ثومبسون (1984)، “الصراع المميت: الإبادة” للمخرج جون ليونيتي (1998) و”أنديانا جونز والحملة الصليبية الأخيرة” للمخرج ستيفين سبيلبيرغ (1989).

دعم الأفلام

التصور السائد أن البيئة الأردنية بدوية فقط تصور مغلوط فالأردن يحتوي على تنوع جغرافي بيئي ثري

في الألفية الثالثة جرى تصوير أول فيلم في الأردن هو “كوكب أحمر” للمخرج الأميركي أنتوني هوفمان (2000)، أعقبه نحو عشرين فيلما من الولايات المتحدة الأميركية، بريطانيا، كندا، أيرلندا، النمسا، بلجيكا، الهند، هونغ كونغ، السويد، روسيا، أستراليا، البرازيل، فرنسا، إيطاليا، الإمارات العربية المتحدة، لبنان.

ومن أبرز أفلام الألفية الثالثة التي صورت في الأردن نذكر “مهمة إلى المريخ” لبراين دي بالما، “المتحولون: ثأر الهاوي” لمايكل باي، وهو جزء من أفلام “المتحولون” صُوّر جزء منه في البتراء ووادي رم والبحر الميّت، فيلمي الخيال العلمي “المريخي” و“برومثيوس” للمخرج ريدلي سكوت، “خزانة الألم” لكاثرين بيغلو، الذي رشح لتسع جوائز وفاز بست منها، فيلم المغامرة “عودة المومياء” للمخرج ستيفن سومرز، “عودة المومياء” لستيفن سومرز، “إخوة” لهانرو سميتزمان، “قلعة الرمل” لفيرناندو كويمبرا، “طريق الضبع” لبول غروس، “شكرا على القصف” لباربرا إيدر و”المخلص” لروبرت سافو.

ونظرا إلى إقبال المخرجين العالميين والعرب على تصوير أفلامهم في الجغرافيا الأردنية، فقد تأسست عام 2003 هيئة ذات استقلال إداري ومالي باسم “الهيئة الملكية للأفلام” تقدم التسهيلات والمساعدات التقنية والإدارية والفنية للإنتاج السينمائي، بهدف تشجيعه على اختيار الأردن.

ويفخر مدير عام الهيئة مهند البكري بأن الأردن أستوديو ضخم مفتوح في الهواء الطلق، مشيرا إلى أن تضاريسه المتنوعة جذبت صناع السينما.

ويشير البكري إلى تصوير أفلام في مأدبا (32 كيلومترا جنوب عمان) على أنها اليونان، وفي صحراء وادي رم (300 كيلومتر جنوب عمّان) على أنها كوكب المريخ، وفي الأزرق (120 كيلومترا شرق عمان) التي تشتهر بمسطحاتها المائية على أنها شرق آسيا.

ويوضح البكري أن الهيئة الملكية للأفلام تقدم الكثير من الحوافز لصناع أفلام السينما، بدءا من تسهيل الحصول على تأشيرات الدخول إلى المملكة، وتوفير مواقع تصوير، مرورا بالممثلين والكومبارس.

ووضعت الهيئة برنامجا لدعم الأفلام من أجل تحفيز المنتجين الأجانب على المجيء إلى الأردن، تقدّم من خلاله تحفيزات ضريبية تعيد بموجبها ما بين 10 و25 في المئة من نفقات كلفة الفيلم في المملكة، إلى المنتجين.

ويؤكد البكري على استمرار الهيئة في بذل كافة الجهود لتخطي جائحة كورونا، فقد سهّلت مهام تصوير 321 مشروعا محليا وأجنبيا في المملكة خلال النصف الأول من العام الحالي، مما نجم عنه خلق ما يقارب 2998 فرصة عمل في هذا المجال، ولم تتردد عدة إنتاجات أجنبية كبيرة في اختيار الأردن العام الماضي، كوجهة للتصوير، ومن بينها طاقم عمل الفيلم الروائي الكوري الطويل “المفاوضات” من إخراج صانعة الأفلام البارزة في السينما الكورية الحديثة يم سون- ري، وقد ضمَ فريق عمل الفيلم 287 أردنيا. وعلى صعيد الدراما التلفزيونية صُوّرت مسلسلات عربية عديدة أغلبها ذو طابع بدوي.

وهنا يبرز سؤال مفاده: هل يمكن أن يتجاوز الأردن الديكور الصحراوي والبدوي كأماكن للتصوير؟ وأي خطوات يمكن اتخاذها لخلق مواقع تصوير مبتكرة وجديدة؟ وهل يواكب الإطار التقني التحولات العالمية في عالم الصورة؟

خارج النمطية

Thumbnail

يقول الممثل الأردني علي عليان، الذي شارك في تمثيل أكثر من فيلم أجنبي، إن الأردن أستوديو تصوير ضخم، ومسألة استقطاب فرق تصوير عربية وعالمية إليه ليست جديدة، وليست مجرد محاولات وإنما هي قديمة، فثمة الكثير من الأفلام العالمية تم تصويرها في الأردن، خاصة في وادي رم والبتراء وجرش، وهي أماكن سياحية بالدرجة الأولى، وكذلك في الصحاري لاحتوائها على مفردات فنية من نفس البيئة المطلوبة للحدث الدرامي، ويضرب مثلا على ذلك الفيلم الألماني “قطع” للمخرج فاتح يكين الذي يتناول تهجير الأرمن من أراضي الدولة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى.

ويضيف الفنان عليان “عقب الاحتلال الأميركي للعراق أُنتجت العديد من الأفلام التي شابهت أفلام احتلال فيتنام، وجرى تصوير بعض منها في الأردن لتشابه البيئة الأردنية مع البيئة العراقية، ونظرا إلى الاستقرار الأمني في الأردن مع توفر كل الإمكانيات الفنية من معدات تصوير محترفة، وكوادر فنية، وطواقم بشرية عاملة في هذا المجال، إضافة إلى التسهيلات الكبيرة التي تقدم لمنتجي الأفلام العالمية من طرف الهيئة الملكية للأفلام، وكان أول هذه الأفلام ‘لعبة النار’ عام 2004 للمخرج دوغ ليمان ومن بطولة شون بين وناومي واتس”.

ويشير عليان إلى العديد من الإنتاجات الأجنبية الحديثة مثل مسلسل “جن” الذي أثار ضجة كبيرة بسبب جرأة محتواه، رغم أنه يتناول علاقات وأفعال واقعية تجري بين الجيل المراهق في المدارس. أما على صعيد الدراما العربية، فيبيّن أن ثمة العديد من المسلسلات التي جرى تصوير أحداثها الكاملة أو جزء منها في بيئات مختلفة، حديثة وتاريخية وبدوية، مثل مسلسل “الحسن والحسين” التاريخي، ومسلسل “الوعد: خلف بن دعيجة” حول حرب البسوس بين أبناء وائل، وكان آخر مسلسل بُثّ في شهر رمضان هذا العام هو “هجمة مرتدة” المصري، المأخوذ عن أحد ملفات المخابرات العامة المصرية.

ويعترض عليان على التصوّر السائد بأن البيئة الأردنية بدوية فقط، مؤكدا أنه تصور مغلوط تماما، وربما يعود ذلك إلى اشتهار الأردن بالمسلسلات البدوية الناجحة التي انتشرت في الفضائيات العربية.

الحقيقة، في رأيه، مغايرة فالأردن يحتوي على تنوع جغرافي بيئي ثري جدا مما يجعله قادرا على استقطاب أهم الأفلام الهوليوودية التي تحاكي مواضيعها الشرق بأكمله، لكن الأمر يحتاج أيضا إلى مواكبة حداثية في مسألة التحول الرقمي والحقوق والقوانين الناظمة، كما يحدث في أستوديوهات أبوظبي التي أصبحت قبلة للعديد من المسلسلات الدرامية العربية من أجل التصوير فيها لتقديمها ميزات كثيرة للمنتجين منها التسهيلات المالية الكبيرة.

ويختم عليان بأن التحولات الرقمية ومواكبة الصورة مرهونة بخيال كل مخرج وفريق العمل، وهي تتفاوت حسب الإمكانيات الإنتاجية لدى شركات الإنتاج، لكن مع وجود أستوديوهات حديثة ذات تقنيات عالية المستوى.

ويوجز المخرج المسرحي ونائب نقيب الفنانين الأردنيين الدكتور محمد خير الرفاعي رأيه في أن الإنتاج الدرامي السينمائي والتلفزيوني، بشروطه ومعطياته وضروراته، حيث لا يزال سوق عرض وطلب يحتكم إلى ضوابط تفرضها معايير الجهة الممولة. والأردن، كما العديد من الدول، يحتكم إلى جغرافيا خاصة مكانيا وزمانيا تضعه معظم الوقت داخل فكرة “اللوكيشن” الثابت أو المتكرر.

وبيّن الرفاعي أن قرار الخروج عن هذه الفكرة يحتاج من دون شك إلى جرأة مدروسة تحافظ على معادلة الشكل والمضمون المناسب. ومن ثم فإن إمكانية تجاوز الأردن الديكور الصحراوي والبدوي كمكان لتصوير الأفلام والمسلسلات، وجعل بيئته المتنوعة مواقع تصوير مبتكرة وجديدة لإنتاجات عالمية وعربية تتناول موضوعات مدينية حديثة، أمر لا يتحقق بالرغبات والأمنيات بل باستجابة صنّاع هذه الإنتاجات، وتغيير رؤيتهم النمطية للفضاء الأردني.

14